(1 )
رحبنا بالأمس باتفاقية جوبا للسلام لأننا اعتبرنا أن أي رفض لأي عملية سلام فيه مجافاة للعقل والوجدان السليم، فأي خطوة تقود نحو السلام مهما كانت فرص نجاحها يجب أن تجد الترحيب ومع ذلك قلنا إن كل اتفاقيات السلام التي أبرمت في نصف القرن الماضي أي منذ اتفاقية أديس أبابا 1972 الى آخر اتفاقية وقعها نظام عمر البشير (طرشقت ) ولم تصل للنهايات المرجوة . ملاحظة جديرة بالتوقف وهي ان اتفاقيات السلام المشار إليها كانت في ظل أنظمة عسكرية (النميري والبشير) كانت
هناك محاولة واحدة في الفترة الانتقالية التي أعقبت اكتوبر 1964 سميت بالمائدة المستديرة ولكنها لم تكتمل، عليه تبقى اتفاقية جوبا الموقعة في الفاتح من
سبتمبر أول اتفاقية في ظل نظام ديمقراطي انتقالي , ونتمنى أن يكون في ذلك دافعا للعبور.
(2 )
مرحلة النصوص المتفق عليها في اي اتفاقية هي مرحلة العصف الذهني والجهود الفردية التي يسعى فيها اي طرف من أطراف التفاوض لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، فشخصية المفاوض لها دور كبير في هذه المرحلة (تذكروا اتفاقية مياه النيل 1959)، ففي جوبا أنفق المفاوضون زمنا وجهدا كبيرين مستفيدين من العزلة في جوبا ومن الأدبيات الضخمة التي خلفتها الاتفاقيات السابقة، فالآن انتهت مرحلة النصوص وتم التوقيع وغنت ندى القلعة والجنيات بشروا والبنوت زغردن كلها لنهاية مرحلة اعتبرها القائمون عليها أنها كانت عسيرة وليس لبداية المرحلة الجديدة
أي مرحلة التنفيذ لان هذه المرحلة لها ظروفها الخاصة بعبارة أخرى ظروف البلاد ويومياتها السياسية التي سوف تتحكم في التنفيذ، فرغم اتفاق الجميع على أهمية السلام إلا ان ظروف بلادنا (المختسكة) تجعل لكل يوم يمر أولوياته الخاصة فمن حيث لا نحتسب تتفجر كسلا وقبلها بورتسودان أو يهدد النيل ثلث سكان السودان او يصل الدولار الى ما فوق المائتي جنيه أو تتجاذب مصر واثيوبيا السودان تجاذبا عنيفا فيا كافي البلا ويا حائد المحن نوازل السودان لا تنتهي والنوازل الكبيرة (تشقلب) أعتى طاولة.
(3 )
لكن تبقى الإرادة السياسية هي بيت القصيد في تنفيذ الاتفاقية فإذا كانت النوايا صادقة ساعة التوقيع وصدقت في التنفيذ سوف يتم التغلب على كل العقبات وسوف تحاصر اتفاقية جوبا الجميع بمن فيهم المتشددون الذين لم يوقعوا وتمضي في طريق السلام . الخوف كل الخوف ان تكون الأطراف الموقعة مضمرة لأهداف غير تلك التي تم التوقيع عليها وهذا ما يسمى (اتفاق قطع الفرقة ) أي يكون لطرف ما أهداف مرحلية يريد تحقيقها ثم ينطلق لتحقيق رغبات خاصة جهوية كانت أو عنصرية او حتى شخصية ليصبح السلام مجرد وسيلة وليس غاية . الأهم من كل ما تقدم أننا في السودان في حاجة لقناعة تتبلور في ميثاق مكتوب يرفض فكرة العنف في العمل السياسي فتغيير المسميات من تمرد الى كفاح مسلح لا يلغي حقيقة الدمار والموت الذي تسبب فيه حمل السلاح فكل الحركات تقول إنها اضطرت لحمل السلاح ولكن هذا لا يمنعها من سؤال نفسها الآن ماذا أنجزت بحمل السلاح ؟ وكيف كان حال ذات الأقاليم التي حمل السلاح من أجلها قبل الحرب، وكيف حالها الآن ؟ ألم يكن من
الأوفق الصبر على الظلم في وقت السلم على الظلم في وقت الحرب ؟ ان محاسبة النفس والإقرار بعدم نجاح حمل السلاح بدليل اللجوء لاتفاقية السلام هو أول خطوة في اتجاه إنجاح اتفاقيات السلام .. ولا ما كده ؟
صحيفة السوداني