صداقة الصحافة والعمر.. حكاية ضياء الدين بلال ومحمد عبدالقادر
متابعات - الراي السوداني
رحمة عبدالمنعم يكتب :
صداقة الصحافة والعمر.. حكاية ضياء الدين بلال ومحمد عبدالقادر
علاقة الصداقة التي جمعت بين الأستاذين الكبيرين، الصحفيين ضياء الدين بلال ومحمد عبد القادر، تمثّل واحدة من تلك الحكايات النادرة التي تجسد عمق المشاعر الإنسانية في عالم الصحافة، حيث تتشابك خيوط الزمالة المهنية بأواصر الأخوّة والوفاء التي قد تنمو بعيدًا عن أعين الجمهور، لكنها تبقى في الذاكرة شاهدة على تاريخ عميق وتواصل طويل. لقد بدأت حكايتهما في صحيفة الرأي العام قبل ما يزيد عن خمسة وعشرين عامًا، وكانت بداية الصداقة لا تتعدى زمالة عابرة تجمع شابين صحفيين شغوفين بأدب الكلمة وسلطان القلم، لكنّ هذه الزمالة لم تكن كسائر العلاقات التي تنشأ وتمضي، بل كانت تحمل في طياتها بذور صداقة عميقة، تسقيها وترويها المواقف الطيبة والمشتركة.
لقد قضيا معًا سنوات طويلة في أروقة الرأي العام، يتشاركان شغفهما بالكتابة، ويستمعان لصدى كلماتهما في عيون القرّاء، لكنّ العمل الصحفيّ المشترك لم يكن القاسم الوحيد بينهما، فقد وجد كلٌّ منهما في الآخر انعكاسًا لذاته، وصديقًا مستعدًا لتقديم الدعم والنصح، في وقتٍ يميل فيه عالم الصحافة إلى القسوة، ويغلب عليه الصراع من أجل الانفراد بالأخبار والانتصار في السباق الصحفيّ. وهنا تحديدًا، بزغت صداقة فريدة تجاوزت حاجز المصلحة والشهرة، لترتقي إلى مرتبة الأخوّة التي تنضج مع مرور الأيام.
ومع تقلبات الزمن، تفرّقت الطرق بين ضياء الدين بلال ومحمد عبد القادر، حيث تابع كل منهما مسيرته الصحفية في صحيفة أخرى، لكنّ هذا لم يُضعف من متانة الصلة التي تجمعهما، بل على العكس، كان انتقال كلٍّ منهما إلى موقع آخر بمثابة اختبار حقيقي لهذه العلاقة، والتي خرجت منها أقوى وأعمق ،لقد أدركا أن صداقتهما ليست رهينةً بمكان أو زمان، وأنّها ليست رهينة بوجودهما في صحيفة واحدة، بل هي أشبه بجسر ممتد يربط بين قلبيهما أينما كانا، فقد اختارت أرواحهما أن تكونا متلازمتين، رغم اختلاف الوجهات
وبينما يمكن للبعض أن يرى في هذه الصداقة مجرد علاقة عمل، فإنّ بينهما قصصًا وحكايات تروي عن عمق هذه العلاقة ونقائها. كان ضياء الدين بلال ومحمد عبد القادر يلتقيان بشكل يومي، يتبادلان أطراف الحديث، ليس فقط عن آخر الأخبار، بل عن الحياة بكل تفاصيلها، بحلوها ومرّها. تلك اللحظات الحميمة كانت مليئة بالضحك والمداعبات التي تُنسيهم أعباء الصحافة اليومية، حيث تشهد الضحكات والمواقف المرحة على صداقة لم تتغير بتغيّر الظروف.
كان بينهما دعم لا مشروط، يظهر جليًّا في اللحظات الصعبة، حيث كان كلٌّ منهما سندًا للآخر في أوقات الشدة، ينصحه ويواسيه، حتى باتا بمثابة شقيقين متلاحمين، يقفان جنبًا إلى جنب مهما كانت الرياح. ولا تقتصر هذه المواقف على لحظات الحزن فقط، بل كانت هناك مواقف مشرقة تجلّت فيها الشهامة، حيث أثبتا من خلالها أنهما يتقاسمان الاحترام والتقدير ويحرصان على الحفاظ على كرامة وحقوق الآخر في مواقف تحتاج إلى النزاهة.
لقد شكّلت هذه الصداقة إرثًا نادرًا في الوسط الصحفي، حيث لم يتأثر أحدهما بمحاولات التنافس أو التباين في وجهات النظر، بل ظلا محتفظين باحترامهما المتبادل وثقتهما العميقة، في نموذج يعكس أن العمل الصحفي لا يقتصر على صياغة الأخبار ونقل الحقيقة فحسب، بل يمكن أن يكون بابًا لعلاقات صادقة، تترك بصمتها في حياة الإنسان، وتقدّم نموذجًا ملهمًا للشباب الصحفيين الذين يبحثون عن قدوة يتأسون بها.
ختامًا، إن صداقة ضياء الدين بلال ومحمد عبد القادر هي دليل على أن الصداقات العميقة، حين تقوم على أساس من الإخلاص والمحبة، قادرة على مواجهة كافة التحديات. إنها صداقة تُقرأ تفاصيلها في عيونهم حين يلتقيان، تُحكى عبر ضحكاتهم، وتُخلَّد في ذاكرتهم وذاكرة من حولهم، كحكاية لا تكتمل فصولها، بل تزداد رسوخًا مع مرور الزمن.