السودان اليوم:
خبراء قيّموا مبدئياً تكلفة تنفيذ اتفاق السلام الذي وقِّع الأحد الماضي بجوبا بحوالي خمسة مليارات دولار بكل تفاصيله وترتيباته الأمنية وغيرها، وبالتأكيد سيكون هذا أول وأكبر التحديات أمام مسيرة إنزاله وتنفيذه خاصة وأنه حتى الآن لم يعلن عن راعي رسمي لهذا الاتفاق ـ إن كان دولة أو مجموعه دول ـ وأعني بالراعي طبعاً من يعلن التزامه صراحة بهذه التكلفة وليس إعلان الرعاية السياسية والمعنوية كما شاهدنا جميعاً وسمعنا من كلمات وفود الدول المشاركة يوم الأحد في الاحتفال ، فكيف سيتم الإسهام في إنجاح الاتفاقية المعقدة كما نجحت جوبا في مهمتها الرائعة ( برعاية التفاوض ) ؟؟ .
بالطبع هذا ليس إطلاق لسهم إحباط بقدر ما هو نظر بهدوء وموضوعية في المآلات بعد صخب (الاحتفالات المستحقة) على الأقل علي توافر إرادة وبذل جهد وإدلاء بتصريحات وإلقاء خطب تعلن انتهاء فترة الاقتتال صراحة وإيقاف الحرب والانتقال إلى سوح العمل السياسي ودعوة الآخرين إلى ركب السلام والديمقراطية.
سيكون أكبر (خازوق) إذا توقفت مسيرة اتفاق سلام جوبا عند محطة المكاسب الخاصة والشخصية للحركات الموقعة وقادتها، وهذه الفرضية واردة بحكم تحدي التمويل الذي أوردته بعاليه ،، فنعم ستتموضع القوى الموقعة على الاتفاق بقوة داخل الحاضنة السياسية الجديدة بالداخل ـ وأجزم أنها ستكون جديدة كلياً حتى إن بقي شكل القديمة ـ وسيتمتع قادتها بالمواقع الدستورية ، وسيضع عرمان وجبريل ومني عن كاهلهم عناء الترحال المضني بين المقرات والمدائن، وسيأوي مالك عقار مطمئناً وساكناً بمنزله الجميل (المحفوظ) بالخرطوم ومستمتعاً بـ(الهمر) إن كان الله قد مد في آجالها ـ (وغصباً عن أي زول) هذه استحقاقات قادمة في إطارها الشخصي والخاص بقوى سلام جوبا.
من الفرص المتوقع جنيها من هذه الاتفاقية هي إعادة التقييم الشامل للجزء الأول من المرحلة الانتقالية التي بدأت بالميلاد المتعثر لوثيقة دستورية وصفها حتى بعض صانعوها من قوى (قحت) بالشائهة ـ إذ لم يعطل تنفيذ بعض بنودها فحسب بل تم التغافل عن تطبيق أسمى القيم التي تنادي بها الدساتير وهو ما حوته من وثيقة (الحقوق والحريات العامة) في عدة أوجه، الأمر الذي دفع شخصية مثل (الحاج وراق) بوصف الحالة (بالاستهبال) حين يُلَوح بشعار العدالة وتنتهك حقوق الإنسان بتعمد ،، وبالطبع فإن (الاستهبال) لا يزيل ظلامات ولا يرد حقوقا ولا يقيم عدلاً لأنه ليس المنهج الصحيح والراسخ لتحقيق ذلك ـ بل الذي صح ورسخ هو مثل تجارب جنوب إفريقيا ورواندا التي وقع بها ما لم يضاه ما وقع في بلادنا – كما تحدث وطرح بعض قادة الحركات الموقعة بهكذا تجارب قابلة للتطبيق.
يمكن لخطوة جوبا (إن كنت متفائلا) أن تفتح نوافذ جديدة يمكن أن يدخل منها بعض (أكسجين الأمل) في أن تتكون حكومة تنفيذية جديدة بقيادة جديدة (حاذقة) تتمتع بالحس الإنساني قبل السياسي تترجم إدعاء قادة الحركات المتواصل عن رفع المعاناة عن البسطاء والمعدمين، ولعمري وللحق أن في بعض القادة القادمين من هم أصحاب كفاءة اقتصادية وتجارب إدارية مشهودة من قبل الصراع وبعده ،، فأصوات عديدة نخبوية وعامة أصبحت (تصرخ) وتتوقع وتنادي وبوضوح : إن أي بديل تنفيذي سيكون أفضل من هذا الفشل المتناهي الذي يقوده رئيس وزراء لم يستطع تقديم حتى أبسط واجبات المواساة المعنوية لمواطنيه المتضررين من فيضانات النيل.
من يهجر السلاح وهو أداة (بل) في مصطلحات الجنود (أصلاً يعني) وينشد السلام وهو رجاحة (عقل) في عالم الأفكار والسياسة (أصلاً يعني) تنفتح أمامه فرصة تقوية الإرادة والعزيمة لترسيخ مبادئ التفاهمات الكبيرة مع جميع المبحرين معه في سفينة الوطن والتصالحات العميقة ابتداءً من الذين واجهوه في ميدان القتال إلى المختلفين معه في الرؤى الفكرية والسياسية ـ كما حدث في جوبا بين الفريق أول حميدتي والقائد جبريل إبراهيم اللذين تنازلا قتالا من قبل في (قوز دنقو) – وكما هو منشود بين مالك عقار وعبدالعزيز الحلو اللذين صنع ما بينهما الصراع ما صنع ـ ثم إن من يتبنى إزالة التهميش قضية أو يتسمى بالعدل والمساواة شعاراً لا يُعتقد أنه سيتناقض مع إقامة موازين القسط ، والقسط الذي يرسخ للتعايش مرتبة فوق العدل الذي يرد الحقوق ويزيل الظلامات ..
قبل التفكير في كيفية رصد وإيجاد الخمسة مليارات دولار ، علينا أن نفكر في رصد وتأكيد النوايا تجاه خلق بيئة مستقرة نستطيع أن نخطط فيها لتوظيف ما نملك من مقومات ـ تبدأ بترتيب الداخل ـ إن بقي التفاهم والتحاور والتفاوض هو السبيل والبديل ـ ثم نتوافق على كيفية التعامل مع قضايا المصالح الكبرى والمصيرية التي تربطنا بالعالم والإقليم وهي (أُس) مستصحب في كل معادلات البقاء كوطن موحد،، حينها ستكون غالبية تكلفة السلام بموارد ذاتية، وتكون جوباً للسلام فرصة حقيقية، لا جولة علاقات عامة،، هذا وما زال في القلم بقية مداد تفاؤل .. وإلى الملتقى
The post الفرص الممكنة من اتفاق جوبا.. بقلم مجدي عبد العزيز appeared first on السودان اليوم.