السودان اليوم:
نجاح أي مرحلة انتقالية في إنجاز مهامها تحقيقا للتحول الديمقراطي العميق والمستدام يتطلب إدارتها بروح التوافق والشراكات والحيادية، واي تعسر وتشاكس في المراحل الانتقالية التي تعقب التحولات الكبرى في التاريخ ، أو تلي سقوط الأنظمة الكلانية المغلقة ستقود اما الي إعادة النظام القديم بأزياء تنكرية للماضي أو الفوضى والحرب الأهلية
اخفقت القوى السياسية الوطنية في إدارة مهام المرحلة الانتقالية الأولى في السودان 1953 إلى 1955 وخاصة قضايا السلام والوحدة والهوية والنظام الديمقراطي ، وتم ترحيل هذه القضايا للتجربة الديمقراطية الأولى وبدلا من إدارتها بوعي استراتيجي وتجرد وطني يعمق التجربة الديمقراطية وهي في صراع الرؤى والتكوين، ادارتها بعقلية وسلوك سياسي تكتيكي غايته (الانا في مقابل الآخر) مما أدى إلى وأد التجربة الديمقراطية وصعود الدكتاتورية الأولى 1958 إلى 1964.
بعد ثورة أكتوبر 1964 سيطر الشيوعيون على الحكومة الانتقالية تحت واجهة جبهة الهيئات وأدى ضغط الأحزاب اليمينية لإجراء الانتخابات العامة وتشكيل مؤسسات الديمقراطية الثانية بتجلياتها واطوارها المعلومة، ولأن القوى السياسية فشلت في إدارة المهام الانتقالية بادي ذي بدء خاصة الحرب والسلام، وقضايا البناء الوطني، بل فشلت حتى في البقاء سويا تحت قبة البرلمان على اتساعه(طرد نواب الحزب الشيوعي) مما قاد لانقلاب مايو 1969، والذي سقط عبر ثورة الشعب في أبريل 1885م، وبعد فترة انتقالية استمرت لعام فقط، تم إجراء الانتخابات العامة بذات الاستقطاب الحاد وعدم التوافق على الثوابت الوطنية، بل وإدارتها من منظور ذاتي تكتيكي يعظم رصيد الأنا (الحزب السياسي) في مقابل اضعاف الحزب الآخر، وهذا التراكم من الإخفاق ادى إلى تضعضع التجربة الديمقراطية حتى صدع احد سدنتها (لو شالا كلب ما في زول يقول ليهو جر)
حيث قادت هذه التناقضات التكتيكية بين القوى السياسية إلى وأد الغاية الاستراتيجية وهي التجربة الديمقراطية وصعود الحركة الإسلامية في الحكم بانقلاب يونيو 1989 والذي استمر إلى العام 2019، وتخللته فترة انتقالية خلال الفترة من 2006 إلى 2011 ، وشاركت في هذه المرحلة معظم القوى السياسية الوطنية وبدلا من أن تهتبل القوى السياسية المعارضة هذه الفرصة في دعم مشروع التحول الديمقراطي قوانينا ومأسسة اكتفت الإياب بالغنيمة، بل وشاركت في اجازة القوانين الاستبدادية (قانون الأمن الوطني، قانون الصحافة).
استنفد(مشروع الإنقاذ ذاته وقيمه) بعد ان تأبطه الرئيس السابق ونزع عنه الإسلاميون عصبية المشروعية وغطاء الحماية ، وانكمش في القصر كما أراد له الرئيس السابق البشير (وإذا أراد الله أمرا هيا له الاسباب)، وعندما ازفت اللحظة التاريخية سبقت إرادة المجتمع إرادة القوى السياسية وشيعت النظام إلى (رحاب التاريخ ومذكرات التقييم)
كنا نظن أن هذا التراكم والميراث سيشكل عبرة وإلهاما للقوى السياسية الوطنية لإدارة مهام وبرامج المرحلة الانتقالية الخامسة بوعي استراتيجي وثراء فكري يحصنها من الانتكاسات والردة، وتعبر بالوطن إلى شواطي الديمقراطية المستدامة، ولكن للأسف طفقت القوى السياسية وبذات عقلية عبقرية الإخفاق العقيمة تقدم التكتيكي اي تمكين ايديولوجيتها، وشخوصها بدلا من تمكين ومأسسة الأهداف الاستراتيجية للثورة، وثالثة الاثافي فان هذه القوى السياسية لا تدري ان تمكين غاياتها التكتيكية ستفضي إلى حالة من التشاكس والتناحر، حول مهام ومطلوبات الانتقال، وستكون المحصلة فشل المرحلة الانتقالية، وهذا يعني في حالة إجراء انتخابات مبكرة أو اجراءها بعد انقضاء المرحلة الانتقالية التهيئة للانقلاب العسكري الرابع، وكذلك يعني في حالة انهيار المرحلة الانتقالية قبل تمام أجلها نسخة جديدة للنظام القديم بالتحالف مع المؤسسة العسكرية(انها عبقرية الاخفاق).
The post الفترات الانتقالية في السودان.. بقلم عثمان جلال appeared first on السودان اليوم.