الإقالات والإستقالات الوزارية الأخيرة، ألقت بظلالها على الوضع في الساحة السياسية، قسمت الشارع السوداني ما بين مصدوم ومندهش ومنتشي فرحاً.
وما نشاهده من خلال وسائل التواصل الإجتماعي من تحليل للنشطاء وبعض السياسيين لا يعبر عن حقيقة الوضع بأي حال، ولا يمكن أن يتم تقييم رأي الشارع من خلال بوستات تعبر عن وجهة نظر أصحابها، وجميعنا يعلم الظروف الحرجة التي تمر بها الفترة الإنتقالية المليئة بالمطبات والمنعطفات الخطرة والتي بدورها جعلت بلادنا في حالة مخاض عسير وهي تنشد الوصول بسلام للتحول الديمقراطي.
الوضع الحالي لا يتحمل أي ضغط إضافي، وأعني الإنتهاكات التي ظل يمارسها بعض منسوبي القوات النظامية حتي يوم أمس الأول بالولاية الشمالية وبالقرب من إعتصام نيرتتي وغيرها من تجاوزات ظل الجناح العسكري صامتاً حيالها ولم يصدر أي تصريح أو بيان كما جرت العادة مع الضغط الشعبي، الأمر الذي يمكن أن يعمل على إرباك المشهد من جديد، لذا من الطبيعي أن لا يتحكم المزاج السياسي ورغبات الساسة والمكون العسكري وحركات الكفاح المسلح والقوى السياسية والمدنية على الوضع الذي لا يتحمل أي ضفوط إضافية، ويجب الإعتراف أيضاً بأن ما حدث وما سيحدث مستقبلاً من تخبط وإرتباك سببه عدم الإلتزام والتقيد بنصوص الوثيقة الدستورية التي فصَلت وأطَرت شكل العلاقة بين الشركاء في الجهازين التنفيذي والسيادي. ولإعادة الأمور لوضعها الطبيعي لابد من الإلتزام ب (إعادة ضبط) كل جهاز وإلزامه بحدود صلاحياته وإختصاصاته فقط منعا لأي تداخل وصدام محتمل مع هشاشة الوضع الأمني بالبلاد، أو لحين التوقيع على إتفاقية السلام بعد أسبوعين على حسب تصريحات المسؤولين.
كذلك لابد من إعادة ضبط العلاقة بين الجهاز التنفيذي ممثلاً في مجلس الوزراء وقوى إعلان الحرية والتغيير، والأخيرة تحديداً تحتاج للكثير من المعالجات الفورية ودعم تنسيقياتها بعناصر صلبة قادرة على خلق التوازن بين المكونات الثلاث، وفي نفس الوقت تتمتع بقبول واسع في الشارع وعلى المستوى السياسي.
وللوصول لنقطة إلتقاء بين هذه المكونات، لابد من خطوة عقلانية وحكيمة تفرض على الفرقاء الإنصات لصوت العقل منعا للتصعيد السالب الذي لن يكون في مصلحة اي طرف، بل سيغرق المركب بمن فيه ومن حوله، وإيقاف الحملات الإستفزازية بين الأطراف ضرورة ملحَة لإيقاف نزيف المواقف السالبة بين الشركاء، والإنتباه جيدا للمنزلق الذي يَساقون اليه. وهذا يتطلب تقديم بعض التنازلات التي لا تخل بموقف أو ثوابت.
في خضم هذا الجو المتوتر لابد من طمأنة الشارع بالموقف الصارم تجاه تجاوزات الجناح العسكري وأهمية سير العدالة في طريق إنصاف الشهداء وأسرهم، لأن ترك هذا الأمر والتباطوء فيه خلق حالة من الريبة والشك وسط المواطنين تجاه الحكومة الإنتقالية، مع الوضع في الإعتبار أن العلاقة مع المكون العسكري حاليا تفرضها ضرورة مرحلية، لذا يجب أن تسير جميع الخطوات بشكل متوازي للوصول لبرَ الامان وعبور المنطقة الخطرة بدروبها الوعرة ومطباتها التي يسعى لها المتربصين بالثورة، الساعين لإجهاضها
ختاماً، نتوقع من جميع الأحزاب التريث ووضع حد للتسابق المحموم والمجنون لحصد الكسب السياسي على حساب مستقبل الوطن، ليس ممنوعا العمل المبكر للحشد الإنتخابي، ولكن يجب أن يضع الجميع في حساباتهم أن الخطوة القادمة هي صنع الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي، فالمواطن لم يعد قادراً على تحمل المزيد من الهزائم النفسية والمعنوية والمادية.
صحيفة الجريدة