السودان اليوم:
الدافع لهذه الكتابة هو مشاهدتي لمقطع فيديو يوثق لمشاركة الدكتور اكرم علي التوم في مواكب الثلاثين من يونيو, الجدير بالذكر أن اكرم كان هو راس الرمح في قرار منع وتأجيل عودة العالقين وهو الذي اصدر بيان طالب فيه باستمرار الاغلاق والحظر لمدة ثلاثة اسابيع اضافية وهي قرارات مفهومة ومبررة من واقع الوضع الصحي الذي تمر به البلاد ولكن غير المفهوم وغير المبرر ان يقوم هو بنفسه بكسر كل التحوطات التي كان يحض الناس عليها وان يضرب بكل المحاذير الطبية عرض الحائط في مفارقة تدعو للتساؤل. فمن المؤكد ان الاضرار الصحية الناتجة من هذه التجمع تماثل ان لم تتفوق علي الاضرار الصحية الناجمة من السماح للعالقين بالعودة.
نموذج وزير الصحة صالح كدراسة حالة توضح كيف ان الاحزاب والتيارات العقائدية تحول منسوبيها الي افراد في قطيع بغض النظر عن مؤهلاتهم وخلفياتهم المعرفية. دكتور اكرم وبغض النظر عن الجدل الدائر حول ادائه كوزير للصحة, صاحب سيرة اكاديمية ومهنية محترمة ولكن هذا التأهيل لم يعصمه من الوقوع في التناقض ولم يسعفه في وقوف الموقف المهني الصحيح.
عودة لموضوع المقال, ينسب مصطلح المثقف العضوي الي المفكر والقائد الشيوعي الماركسي الايطالي انتونيو غرامشي, والمثقف العضوي عند غرامشي هو صاحب المشروع الثقافي والاخلاقي المرتبط بالجماهير والراغب في احداث تغيير.يقول الكاتب لطفي الادريسي ان فكرة غرامشي عن المثقف العضوي كانت تجديدا جريئا داخل الفكر الماركسي استحق عليه غربة فكرية واخفاء لجل نصوصه لمدة ثلاثة عقود من طرف قادة الحزب الشيوعي الايطالي. وفي اعتقادي ان رد الفعل هذا متوقع من اصحاب السلطة الحزبية, فالمثقف العضوي صاحب استقلالية ووعي خلاق يهدد كل المنظومات السلطوية, سوى كانت سلطة دولة او حزب او مجتمع.فالمعادلة الصعبة للمثقف العضوي هي كونه صاحب وعي متقدم علي مجتمعه وفي نفس الوقت متواصل وملم باحواله الثقافية والتاريخية. فالمثقف العضوي لا يتماهي مع السلطة ولا المجتمع ولكن من المفترض ان يكون صاحب رؤية نافذة تؤهله بالضرورة لقيادة المجتمع واصلاحه ولاحداث التغيرات الثقافية والاجتماعية الكبيرة.
وفي هذا السياق تجدر الاشارة الي كتابات المفكر الايراني علي شريعتي وتفريقه بين ما أسماه المثقف الاصيل والمثقف المقلد.فالمثقف الاصيل عند شريعتي هو الذي ينتج الافكار والمعرفة بادواته الخاصة التي تخاطب هموم مجتمعه عكس المثقف المقلد الذي يستنسخ افكاره من نماذج وسياقات مختلفة عن مجتمعه. وعند شريعتي لابد من صناعة مستوي متقدم من الافكار والثقافة قبل بلوغ التقدم في الانتاج الاقتصادي والحضاري وهذا في (رأي) عين ما حدث في اوروبا قبل الثورة الصناعية بداية من عصر النهضة.
ختاما, اعتقد ان ازمات السودان مرتبطة لحد كبير بالبنية الثقافية للمجتمع السوداني, احداث اختراقات وتغييرات كبيرة تحتاج الي اشاعة الوعي والي قادة حقيقيين اصحاب رؤية لديهم القدرة علي قيادة المجتمع اوقات الازمات والتصدي للقضايا الشائكة وايجاد الحلول لها وليس الي قادة مترددين غارقين في الديماجوجية السياسية ويلجأون الي الحلول التكتيكية السهلة من غير اي رؤية ولا تخطيط استراتيجي.
The post المثقف العضوي والطريق نحو الوعي.. بقلم مصعب عبدالرحمن مجذوب appeared first on السودان اليوم.