غير مصنف

السودان: عثمان جلال يكتب: التيار الإسلامي الوطني ونقد الذات

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

(1)

ماذا ستفعلون لو نفذ الجيش انقلابا عسكريا مرة اخرى؟؟ سنسقطه مرة أخرى بثورة وطنية شعبية هكذا استدرك أيقونة ثورة أكتوبر 1964 الدكتور حسن الترابي على سؤال صوبه له احد الصحفيين أثناء زيارته لبلاد الشام عقب ثورة أكتوبر المجيدة التي أطاحت بنظام الفريق عبود الاستبدادي، والاستدراك ينم أن المجتمع هو المرجعية في ثورة التغيير، والناظم لهوادي العقد الاجتماعي ، ومن المجتمع تستمد القوامة والمشروعية في الحكم، وسيرورة هذه الدينامية والتفاعلية الحرة للمجتمع تتلازم عملية بناء الدولة والأمة والهوية الوطنية الجامعة، حتى تغدو مؤسسات المجتمع هي المهيمنة على الدولة، وتختزل الحكومة كآلية فوقية تخطيطية واستراتيجية وإشرافية لإدارة إرادة الدولة.

(2) .

حركة الإسلام في السودان في كل اطوارها وتمثلاتها التاريخية والسياسية كانت تنزع للذوبان والاندماج في المجتمع (كاندماج الصوفي في العبادة)كما ذكر الدكتور الترابي، ولكن الحركة الإسلامية ركزت على استيعاب المجتمع في أطروحاتها الفكرية الاحادية بدلا من التركيز على قضايا التحول الديمقراطي والوحدة الوطنية في إطار التنوع،ولذلك فإن الحركة الإسلامية كانت تتعاطى مع قيمة الديمقراطية كآلية لتنزيل أطروحاتها الفكرية والسياسية الأحادية في المجتمع، وليس لتعميق الديمقراطية كمرجعية للحكم والتداول السلمي للسلطة وذلك لغرس شعار الوحدة الوطنية في إطار التنوع.
(3).
ولأن الحركة الإسلامية كانت تتعاطى مع قضايا البناء الوطني والهوية الوطنية من داخل صندوقها الفكري والثقافي والسياسي اي باعتبار أن مشروع الحركة الإسلامية هو الكل ويجب أن يسود في الحكم والهوية وان المشاريع الأخرى هي الجزء ويجب أن تعبر عن ذاتها من خلال التماهي مع المشروع الكلي وهو مشروع الحركة الإسلامية، وهذه الذهنية الانتقائية في التعاطي مع الآخر المغاير فكريا وسياسيا وثقافيا لا تقود إلى بناء مشروع وطني سودانوي توافقي، بل ستؤدي إلى تمزيق وتفكيك الدولة الوطنية وهكذا كانت النتائج النهائية لمشروع (الإسلاميين) في السودان وبثمارها تعرفونها.
(4).
ان تجربة التيار الإسلامي الوطني في الحكم دلت ايضا ان الكتلة الجمعية للاسلاميين (باستثناء قلة) لم تكن على استقامة فكرية وتماثل مع قيم الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وكانت ترى ان هذه القيم ينبغي تطويعها قسرا لصالح مشروعنا الفكري والسياسي الأحادي بل يجب تجاوزها ان تعارضت مع الغائية النهائية لمشروعنا الاحادي وهذه الميكافلية أصابت النسق الفكري والمعرفي للحركة الإسلامية بالتشوهات والتسيب حتى فقدت الحركة الإسلامية خصائصها الفكرية المائزة وغدت أقرب للتنظيمات الطائفية الكلاسيكية.
(5).
وكذلك فإن تجربة التيار الإسلامي الوطني الأحادية في الحكم وقعت في فخ التناقض مع شعار سيادة ارادة المجتمع في الحكم، وذلك عندما تجاوزت إرادة المجتمع في انقلاب 30 يونيو 1989،(مهما كانت الدواعي فهو الخطأ العظيم)، وعندما عطلت إرادة المجتمع من المساهمة في مشروع البناء الوطني لثلاثين عاما تصرمت، وكانت ثمرات مشروعنا المريرة بدلا من الذوبان والتماهي في المجتمع لتحقق قوامة المجتمع في الحكم،انفضاض وتعازل المجتمع عن مشروعنا الفكري والسياسي، بل إن وعي وادراك المجتمع السوداني بأنه الأصل والمرجعية في الحكم تجاوز وعينا نتيجة عدم تماثل وتناشز رؤيتنا الفكرية مع سلوكنا السياسي، ويبقى السؤال الاستراتيجي كيف يستعيد المجتمع السوداني ثقته في التيار الإسلامي الوطني؟؟ انها البدايات للعودة الواثقة من جديد إلى منصة التأثير والإلهام الفكري والسياسي والاجتماعي، وإلا تحولنا لجماعة طوباوية خارج حركة التاريخ ودائرة الأحداث.
(6).
ان الانكى ارتداد ثمار تجربة التيار الإسلامي الوطني الاحادية في الحكم على القاعدة الاجتماعية الصلبة والتي كانت تشكل الطليعة الفكرية المجاهدة والمنازلة، بعد أن ارتدت التجربة إلى مشروع سلطوي جامح تعازل وتنكر لقاعدته الاجتماعية الصلبة وانكمش في تحالف مصالح فوقي متعريا عن غطاء المجتمع،بل ومصادما لارادته، ومتنكرا لحاضنته الاجتماعية الصلبة استمساكا بأوهام البقاء والاستمرارية المطلقة في الحكم، حتى ظهرت تناقضات المصالح من داخل اقلية الكابينة القيادية المتحكمة في السلطة وانهار تحالف المصالح الهش أمام إرادة المجتمع الغلابا ابدا، وهكذا تحققت الفرضية الاستراتيجية التي ساقها زعيم الإسلاميين بادي ذي بدء(سنسقط الانقلاب العسكري عبر إرادة الشعب السوداني).
(7)
صفوة القول يبقى ايضا السؤال الاستراتيجي كيف يساهم التيار الإسلامي الوطني العريض في إنجاز مهام الثورة السودانية حتى تستوي على جودي دولة الحريات والعدالة والديمقراطية وسيادة إرادة المجتمع في الحكم؟؟

أن التعاطي مع هذا السؤال الاستراتيجي يلزم بروز فكر جديد تكون الأولوية الاستراتيجية فيه إنجاز مشروع البناء الوطني، وبروز حزب سياسي جديد منسجما مع القيم الوطنية العليا، ويلزم كذلك بروز جيل قيادي جديد مشبعا بقيم الأيديولوجية الوطنية.

The post السودان: عثمان جلال يكتب: التيار الإسلامي الوطني ونقد الذات appeared first on الانتباهة أون لاين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى