غير مصنف --

الساقطون هل يعودون ؟ ما هي مصادر ثقة مناصري النظام المخلوع في امكانية عودة التاريخ للوراء وصعودهم مرة أخرى لكراسي السلطة 

العودة المستحيلة

المتابع لحراك بعض منسوبي النظام الذي أطاحت به ثورة الشعب في أبريل الظافر يتابع بدهشة أحاديثهم حول اقتراب لحظة عودتهم مرة أخرى وهم يربطونها بضرورة إسقاط الحكومة الانتقالية مستخدمين ذات شعارات الثورة التي أطاحت بحكمهم (تسقط بس) بينما يمضي فريق منهم في اتجاه استدعاء لفظ (دك بس) في إشارة لحكومة الثورة برئاسة حمدوك المفارقة أن من يرغبون في إسقاط حكومة الثورة يؤملون في الوصول إلى هذا الهدف بمعاونة المكون العسكري شريك الثورة ووثيقتها الدستورية وفي الوقت ذاته المتهم أفراده بخيانة القابع في محبسه بكوبر الرئيس المخلوع.

1

(هذه الحكومة لن تكمل هذا الشهر وأن مسألة سقوطها مسألة زمن فقط) يقول أحدهم وهو يرفع هتافات رفض الواقع ووضع البلاد تحت الوصاية الدولية وفقاً لقوله ومعها تتمدد الأزمة الاقتصادية في البلاد مقروناً ذلك بالحديث عن فشل نشطاء مجلس الوزراء وعدم امتلاكهم تجربة في إدارة البلاد. الأكثر ادهاشاً هو مطالبة مناصري النظام الذي قتل عسكره الشهداء بدم بارد القصاص لهم ومهاجمة ما وصفوه بالتلكؤ من قبل الحكومة. في هذا السياق يبدو من يطلق عليهم الشارع لقب الزواحف واثقين من وصولهم مرة أخرى الى القصر الجمهوري ومجلس الوزراء يدفعهم إلى ذلك ما يقول البعض أنه الإحساس بالأمان الناتج من تواطؤ بعض الجهات أو من خلال الرسائل التي تبعثها إليهم قيادتهم بين الفينة والأخرى بإمكانية العودة.

2

الظالمون لن يعودوا وإن عادوا عدنا للهتافات والنشيد هكذا يقول محدثي من لجان المقاومة بمحلية بحري حسن إبراهيم طلب وهو يرد ساخراً(تسقط بس دي كانت ضد الكيزان وحكومتهم ولم تكن ضد أرسين فينجر) يكمل حسن إنه من المستحيل أن يعود نهر الثورة للوراء بل سيمضي الى خواتيم ما يرغب الشعب ولتحقيق تطلعات شهدائها في سودان الحرية السلام والعدالة وهي أهداف لا يمكن تحقيقها إلا بالتفكيك الكامل لميراث النظام السابق ويردف: السياسات الحكومية ومؤسساتها في التعامل مع الزواحف هي التي جعلتهم يفكرون في العودة ولكنها العودة المستحيلة والتي لا يمكن تحصيلها إلا على أجساد من صنعوا الثورة وتعاهدوا مع رفاقهم علي حمايتها. وهم علي ذلك من القادرين.

3

لا يبدو السؤال رهينا برفض العودة لمنسوبي النظام القديم وإنما يتمدد ليتناول الظروف التي أعادت إليهم الروح مرة أخرى وهي ظروف تتعلق بشكل كبير بالأداء الرسمي لمؤسسات الثورة ولبعض منسوبيها ممن ذهبوا في اتجاه إمكانية تحويلها الى تسوية يمكن من خلالها القبول بتمثيل منسوبي النظام البائد في حقبة ما بعد الثورة وهي المجموعة المحيطة برئيس الوزراء والتي اصطلح علي تسميتها بمجموعة (المزرعة) مقروناً ذلك أيضاً بتنامي الصراعات بين مكونات الحكومة الانتقالية بين العسكر والمدنيين وتباين مواقف الأحزاب داخل تحالف الحرية والتغيير ليكمل الصراع داخل تجمع المهنيين السودانيين المشهد اختلافات المكونات مع التلكؤ في حسم منسوبي النظام البائد وإكمال مؤسسات السلطة الانتقالية وتباطؤ الأجهزة النظامية في حسم تحركاتهم جعلهم يندفعون الى الأمام لكن هل بإمكانهم الوصول؟

4

عقب تفريق موكبهم الذي وصل الى قيادة الجيش من أجل الاحتجاج ضد الحكومة الانتقالية والاستنصار بالأخير من أجل إعلان بيان انقلابهم علي (قحت) توقفت مجموعة من المشاركين في المسيرة أمام منزل الشهيد عبد السلام كشة وحصبت أسرته بوابل من الحجارة مما أدى لإصابة والده بجروح وهو السلوك الذي يؤكد على مدى عداء من يرغبون في إصلاح الثورة لها ليس هذا فحسب وإنما مثل خطوة أخرى تؤكد على استحالة عودتهم فكيف لثورة أن توافق علي صعود من يستهدف شهداءها على كابينة قيادتها دون تجاوز الحقيقة (كتلوك وجايين مأتمك) وهو الأمر الذي يؤكد على أن من أسقطتهم الثورة اسقطت حتى إمكانية تفكيرهم في التعاطي مع الواقع بعدها الواقع الذي لن يفعل شيئا غير أن يلفظهم ويرفضهم.

5

هي العودة المستحيلة بالنسبة لمنسوبي ومناصري النظام السابق إلى مدى التأثير في مسارات سودان ما بعد حقبة الخراب التي امتدت لثلاثين عاماً فمن أخرجهم من مخابئهم وصول السلطات إلى حيث تفكيك مصالحهم الذاتية وفقدانهم لوظائفهم لم يكونوا يستحقونها في الاساس وبالطبع تجفيف المنابع التي كانوا يحصلون من خلالها على الأموال العامة وهي عوامل تجعل من رفضهم الخيار الموضوعي تماماً لكنه ليس الوحيد الذي يؤكد علي الاستحالة فهو أمر أيضا مرتبط ببنية تحالفات إقليمية قالت بعض مكوناتها إنها ساهمت في العمل علي اسقاط نظام البشير في إطار الرفض لما يمكن تسميته بمجموعات الإسلام السياسي في المنطقة وبالطبع فإن سؤال: هل سيناصر الجيش مرة أخرى منسوبي النظام الساقط؟ تبدو بالنفي لحد بعيد خصوصاً وأن قياداته شركاء في السلطة الآن مقروناً بعدم ثقتهم في الإسلاميين لكن لتدع كل ذلك جانباً ولنتعامل مع فرضية واحدة مفادها ان ما يجري الآن هو مخرجات لثورة كان هتافها موجه بشكل مباشر لمكونات النظام المخلوع أن تسقط بس ونجحت بدماء ودموع ثوارها في تحقيق غايتها وعلي راسها إبعاد الكيزان من المشهد تماماً ويشهد علي ذلك الهتاف (عاوزين سودان من غير كيزان) الذين لا يمكنهم العودة مرة أخرى هكذا يقول من لا زالوا يمسكون بزمام الثورة وهم يرددون(الساقطون سيعودون اااه وبين يا).

الخرطوم : الزين عثمان

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى