غير مصنف

السودان: عثمان جلال يكتب: تحصين مشروع الثورة السودانية

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
وعناهم من شأننا ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه
وان سر بعضهم احيانا

عثمان جلال

كلما انبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة سنانا
(المتنبيء)

محددات نجاح الثورات عبر التاريخ تتمثل في كسر حاجز الخوف، وسلمية الحراك الثوري، وقدر من التجانس الاجتماعي والهوياتي الوطني اي تكتل المجتمع في لوحة وطنية تتجاوز حالة الاستقطاب الاثني والديني والعرقي وسيادة ما يعرف بقيم (الإيديولوجيا الوطنية) والعامل الحاسم لنجاح الثورة انحياز المؤسسة العسكرية الوطنية للثورة، فإن لم يتحقق هذا العامل فإن مصير الثورة اما الفشل والاجهاض أو عسكرة الثورة والوقوع في أتون الحرب الأهلية الشاملة. وانحياز المؤسسة العسكرية في الأنظمة الشمولية يعني سمو وعيها بقضايا الوطن، ونزع الكتلة الاجتماعية العقائدية غطاء الشرعية عن النظام يعني انحيازها للثورة وبالتالي فإن الحكمة والعظمة الثورية تلزم التعاون مع مؤسسات النظام القديم المنحازة للثورة بدلا من شيطنتها وابتذال الثورة ولكن هل في السودان عظماء يمتلكون هذا الوعي والخيال؟؟ وقديما قال إليوت (كانت لديهم الخبرة الكافية ولكنهم عجزوا عن إدراك الكنه) وتلك أزمة النخبة السودانية عبر التاريخ انهم عصوا الحقيقة فعصاهم الخيال، فأصبح لا هم للمتصدرين لشأنه سوى حمل المعاول لهدمه حتى قال البعض ساخرا ان موئل الآلهة وأصل البشرية ويقصد السودان (قد مسه الجن)

وعودا على بدء فإن هنالك عنصرا آخرا لنجاح أو فشل الثورة وقد أكدت ثورات الربيع العربي اهميته ويتجلى في البعد الخارجي خاصة محور الثورة المضادة الإقليمي، والذي يقف على طرفي نقيض وتضاد مع فكرة مرجعية قوامة الشعوب والمجتمعات في الحكم، وتتجلى فاعلية هذا العنصر خاصة بعد اكتمال عملية النضج الثوري، والانتقال لمهام المرحلة الانتقالية وتعقيدات التحول الديمقراطي حيث يسعى لتوظيف تناقضات وتباينات القوى السياسية الداخلية(ان لم تتشكل في كتلة وطنية موحدة) حيث يعمل على التحالف مع أجزاء من مكونات النظام القديم لبناء قاعدة اجتماعية للإجهاز على المولود الديمقراطي الجديد وهو في مخاض صراع الرؤى والتكوين

كما تعلمون فإن قوة تأثير محور الثورة المضادة الخارجي في الثورة السودانية بادية وراء كل إطار، حيث يسعى هذا المحور والذي يضم مصر والإمارات والسعودية لوأد مشروع الثورة السودانية لأن نجاحها يعني انتقال وهج الثورة وشعاراتها إلى شعوبهم التي ترزح تحت وطأة الاستبداد الاقطاعي، والعسكري منذ أبكار التاريخ ونهضت الشعوب العربية في موجة ثورية لتفكيك معادلة الوصاية التاريخية لتغدو هذه الشعوب هي المرجعية في الحكم تعني تهديدا استراتيجيا للوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وتعني استعادة العالم العربي والإسلامي لتأثيره الحضاري (والحضارة تصنعها الشعوب). ولذلك تتلاقى المصالح الإسرائيلية مع مصالح هذا المحور الإقليمي المستبد، وبالتالي فإن هذا المحور يستمد قوته وشرعية سلوكياته العدوانية من امريكا القوة العظمى في العالم خاصة في عهد رئيسها الشعبوي الحالي دونالد ترامب،واستعادة تيار المحافظين الجدد لمكانتهم خاصة ان إسرائيل تشكل عنصرا من عناصر الأمن القومي الأمريكي، وهنا تكمن قوة وخطورة العامل الخارجي على الثورة السودانية.

إن الهدف الاستراتيجي لمحور الثورة المضادة الاقليمي تصفية التيار الإسلامي الوطني احد أعمدة النظام القديم وهنا تكمن مفارقة!! اي ان القوة الحية للنظام القديم الذي يسعى هذا المحور لإعادة انتاجها كثورة مضادة تشكل عدوا استراتيجيا له!! والسؤال الاستراتيجي كيف يتم جذب هذا التيار الحيوي لصالح مشروع الثورة السودانية وابعاده من الوقوع في فخ الاستقطاب والتوظيف تكتيكا من محور الثورة المضادة الاقليمي لإجهاض الثورة الحالية ثم إبعاده أو احتواءه بعد تدجينه في مرحلة لاحقة ؟؟

أن عبقرية الثورة تقتضي أيضا إعادة ادماج التيار الإسلامي الوطني العريض والذي كان فاعلا في صناعة الثورة السودانية ولكن تم اقصاءه، بعد أن تحولت الثورة إلى كيكة محاصصات أن التيار الإسلامي الوطني العريض سيظل في كل الأحوال عصيا على الاستيعاب في مشروع الثورة المضادة الداخلي والخارجي، لأنه محصن فكريا وأخلاقيا، وهذه نقطة قوة تصب في صالح الثورة السودانية،وبالتالي سيشكل التيار الإسلامي الوطني كتلة حصانة ثانية للثورة حتى العبور إلى مرحلة الانتخابات

وايضا تستمد الثورة السودانية حصانتها من خطر الثورة المضادة من حالة الوعي وسط قطاعات المجتمع وإدراكها ان الأنظمة الشمولية التاريخية ظلت العقبة الاستراتيجية أمام بناء الدولة والأمة والهوية ومشروع النهضة السوداني، وكذلك حالة الوعي العميقة وسط المجتمع بضرورة صيانة الثورة السودانية حتى إنجاز مهام التحول الديمقراطي.

السؤال الاستراتيجي كيف يمكن بث وهج وقيم الثورة السودانية لتظلل بهواديها وشعاراتها كل القوى السياسية وقطاعات المجتمع؟؟ لأن استمرار حالة الثنائية العدمية الحالية (نحن مع الثورة، (وهم ضد الثورة) يعني قابلية نفاذ أجندة محور الثورة المضادة اي خلق حاضنة اجتماعية للثورة المضادة

كما ذكرت فان تناقض أجندة التيار الإسلامي الوطني في السودان مع محور الثورة المضادة الإقليمي تضعف من إمكانية إنتاج قاعدة وحاضنة اجتماعية وفكرية وسياسية للثورة المضادة، ولكن نغالي في المثالية أن قلنا أن التيار الإسلامي الوطني (سواء) اي في حالة وحدة، فهناك بالطبع تيار اقلية نشط تناسل من رحم النظام السابق وتتقاطع مصالحه مع الثورة السودانية، وله القابلية للتحالف مع محور الثورة المضادة وإعادة إنتاج ذاته من جديد في الحكم، وبالتالي فإن استمرار حالة شيطنة التيار الإسلامي الوطني العريض والمؤيد لمشروع الثورة السودانية هكذا ضربة لازب يقوي من هذا التيار ويجعله عرضة للاستقطاب من محور الثورة المضادة الداخلي والخارجي

رغم القوة الجيواستراتيجية لمحور الثورة المضادة الخارجي وتشابك مصالحه مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ورغم نجاحه في وأد الثورة المصرية، وابطاءه للثورات العربية في ليبيا وسوريا واليمن من إنجاز مهامها الاستراتيجية، الا انه بالإمكان ابطال مفعول مخططه الشيطاني وتحصين الثورة السودانية من الفشل وذلك بتجاوز العقلية الثنائية الماثلة والعقيمة (نحن صناع الثورة) و(وهم أعداء الثورة)، واستيعاب الكل في مشروع الثورة السودانية وذلك ببناء الكتلة الوطنية التاريخية وهذا لا يتأتى الا بإبرام صفقة مساومة تاريخية بين كل القوى السياسية الوطنية سقفها الأعلى غرس مهام البناء الوطني والديمقراطي والتمترس في خندق واحد لمواجهة أي منزع للثورة المضادة سواء كانت داخلية أو خارجية، وهذا لا يعني القطيعة من هذا المحور الإقليمي الفاعل بل يجب بناء استراتيجية سياستنا الخارجية وفق مصالحنا الوطنية العليا، وهذا جوهر مفهوم السياسة الخارجية.

The post السودان: عثمان جلال يكتب: تحصين مشروع الثورة السودانية appeared first on الانتباهة أون لاين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى