غير مصنف

السودان: عثمان جلال يكتب: الإسلاميون والثورة السودانية

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

(1).
في مقالته انهيار الأممية الثانية أورد المنظر الثوري(لينين)أن الثورة لن تتحقق دون حالة ثورية، والحالة الثورية تتشكل بالتراكم، وتتجلى الحالة الثورية عندما يستحيل على النظام الحاكم الاستمرار في الحكم دون تغيير،أو عندما تنشأ أزمات تؤدي إلى صراعات وانشقاقات عميقة داخل المنظومة الحاكمة، كما تنشأ الحالة الثورية عندما تتعمق معاناة الطبقات المضطهدة،وعندها تبرز القابلية للثورة وهي الوعي بأن المعاناة نتاج حالة من الظلم والوعي بإمكانية التدافع ضد الظلم وهنا تتلاقى إرادة التيارات الاصلاحية الخارجة من رحم النظام الاستبدادي، مع إرادة التيارات السياسية والاجتماعية الوطنية الأخرى لتتشكل حالة النضج الثوري، وتصنع الثورة بهذه الكيمياء المتناقضة، وتتفاعل بهذه الشراكة العبقرية في كل مراحلها الانتقالية وفي مراحل البناء الوطني الكلية غرسا لثقافة النظام الديمقراطي المستدام، وصيرورة تلازم بناء الأمة والدولة وأي نزعة لإقصاء اي طرف تعني إجهاضا للثورة واستبدال استبداد باستبداد، وتعطل عمليات البناء الوطني، بل يجب استيعاب بعض أركان وقاعدة النظام الاستبدادي المباد ممن لم تشوبهم شائبة الفساد بعد عزلهم لامد محدود، لأن الاندماج في العملية السياسية واتباع قنوات الحوار والتفاعل والتنافس مع تيارات فكرية وسياسية متباينة هي الوصفة الناجعة لتوازن واعتدال غلواء الأيديولوجيا،وتحويلها لايديولوجيا وطنية بحتة وغير عابرة للحدود.
(2).
الحرية هي المرجعية الأصولية لحركة الإسلام في السودان،فهي نشأة كحركة أحياء وبعث وتمرد على الطائفية والتبعية، وفي مؤسسات الوعي والاستنارة، وقاعدتها الاجتماعية الذكية تأنف على العمل في سياق الاستبداد والانكفاء، والحركة الإسلامية كجماعة فكرية وسياسية تطورت في براحات ومناخات الحرية والتدافع فكانت البدايات في الديمقراطية الأولى، واستمر اطراد الفاعلية الفكرية والسياسية في الديمقراطية الثانية، وكانت مرحلة الانفتاح والخروج الكبير في الفترة التي أعقبت المصالحة مع النظام المايوي، وتوجت ذلك بمرحلة النضج والاستواء في الديمقراطية الثالثة، عندما جاءت القوة البرلمانية الثالثة وكانت ستكون القوة البرلمانية الأولى لو انعقدت الانتخابات البرلمانية العامة عام 1990،لولا تدخل قيادة القوات المسلحة ورفعها للمذكرة الشهيرة في فبراير 1989،والتي أنهت التجربة الديمقراطية عمليا ووضعت مصير البلاد أمام سيناريو القوة العسكرية والتي كانت تمتلكها الحركة الشعبية لتحرير السودان بتوجهاتها الماركسية والعنصرية والمتحالفة مع قوى اليسار والهامش السوداني، عندها سبقت إرادة الحركة الإسلامية إرادة الحركة الشعبية وقوى اليسار وصعدت إلى الحكم بزاوية انقلابية حادة.وقد أثبتت النتائج الكارثية لتجربة انقلاب الحركة الإسلامية أن انجع وصفة لمواجهة الانقلابات العسكرية هي المقاومة الجماهيرية السلمية الصبورة والدؤوبة والمستمرة.
(3)
أدرك العقل المركزي للحركة الإسلامية أن الانقلاب العسكري ضرورة طارئة(والضرورة تقدر بقدرها)والانقلاب كضرورة كانت مدته ثلاث سنوات لتعود بعدها الحياة الدستورية والديمقراطية في السودان، ولكن ربما لم يدرك العقل الفكري للحركة الإسلامية أن ذلك كان يعني وضع الأصول والهوادي الفكرية والمرجعية للحركة الإسلامية وفي طليعتها الحرية وحاكمية التنظيم تحت دائرة التكتيك والذرائعية ومنذ بدايات الانقلاب الاولى برز تياران(تيار الحريات والديمقراطية، وتيار التسلط والاستبداد)، واستمر التدافع الفكري والسياسي بين التيارين حتى انتهى بالمفاصلة الأولى لتيار الحريات والفكرة،ومفارقته للسلطة، ثم توالت حالات الخروج لتيارات الإصلاح والتغيير من الحزب الحكم افذاذا وجماعات فخرجت مجموعة المرحوم مكي على بلايل، ومجموعة منبر السلام العادل، ومجموعة حركة الإصلاح، وجماعة السائحون، وقطاعات كبيرة من كوادر وشباب الحركة الإسلامية، مع اعتزال ومجانبة فردية لعدد مقدر من المفكرين والانتجلنسيا الإسلاميين، والبعض ابعد النجعة وقرر منازلة النظام عسكريا، كل هذه المجموعات والتيارات الاصلاحية وظفت طاقاتها الفكرية والسياسية لصالح مشروع الثورة والتغيير، كما تنامى تيار الإصلاح والتغيير داخل المؤتمر الوطني وكانت له منازلات فكرية وسياسية مشهودة داخل منظومته منذ العام 2004،ومذكرة الالف اخ، ومؤتمر الحركة الإسلامية الأول، والثاني، والمؤتمرات العامة للمؤتمر الوطني في 2010،وعام 2015 حيث كاد أن يسقط المخلوع البشير كمرشح لرئاسة الجمهورية،وكل المؤشرات كانت تنم ان الرئيس المخلوع كان سيسقط في المؤتمر العام للحزب الحاكم السابق الذي كان مقررا انعقاده في أبريل من هذا العام، وهذا يؤكد أن تيار الإصلاح والتغيير داخل المؤتمر الوطني هو الغالب.

(4).
توجت تيارات الإصلاح والتغيير وسط الإسلاميين مبادرات الهبوط الآمن عبر مبادرة الحوار الوطني الشامل في عام 2014 وكان هدفها الاستراتيجي التأكيد على أن الحوار، والسلمية هما الطريق لحلحلة الأزمات الوطنية المتراكمة، وتم التواصل والحوار مع كل مكونات القوى السياسية والاجتماعية السودانية،وتكللت مبادرة الحوار الوطني بمخرجات ناجعة لحل الأزمة الوطنية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والهوياتية والعلاقات الخارجية وقضايا الحرب والسلام، ولكن اختارت قيادة المؤتمر الوطني السباحة عكس حركة التاريخ وإرادة اختزال المبادرة في إعادة تسويق ذاتها من جديد في انتخابات 2020.
(5).
عندها سبقت إرادة الشعب السوداني، وإرادة تيار الإصلاح والتغيير وسط التيار الإسلامي الوطني وفي طليعته المنظومة الأمنية العليا وازاحة الدكتاتور صونا لحرمة الدماء، وحفاظا على تماسك المجتمع، وصيانة لوحدة المجتمع السوداني، ولذلك فإن الإسلاميين هم شركاء في صناعة الثورة السودانية، وشركاء في العبور بالمرحلة الانتقالية إلى شاطئ الانتخابات، وشركاء في بناء المشروع الديمقراطي المستدام، وشركاء في بناء مشروع النهضة السودانية القادم، ويبقى أمام الإسلاميين تحدي إعادة بناء ذاتهم في كتلة فكرية وسياسية جديدة، وبفكر ورؤية جديدة، وقيادة جديدة، وسلوك وبرنامج سياسي جديد جوهره يصب في تعميق مشروع البناء الوطني وتحقيق دولة الرفاه، والتنمية، والمواطنة. والوحدة الوطنية.

The post السودان: عثمان جلال يكتب: الإسلاميون والثورة السودانية appeared first on الانتباهة أون لاين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button