مطار الخرطوم يعود للحياة بعد توقف دام أكثر من عامين
إعادة تأهيل المطار تدخل مراحلها النهائية وسط عمل مكثف
افتتاح مرتقب في أكتوبر يعيد الحركة الجوية إلى العاصمة
خطوة استراتيجية لتعزيز الإغاثة والتواصل مع العالم
تقرير – الوليد محمد – الراي السوداني
أفادت مصادر حكومية وعسكرية مطلعة أن أعمال إعادة تأهيل مطار الخرطوم الدولي دخلت مرحلتها النهائية، مع تحديد شهر أكتوبر 2025 كتاريخ مبدئي لإعادة افتتاح المطار أمام الرحلات الجوية المدنية والإنسانية.
هذه الخطوة تأتي بعد أكثر من عامين على توقف المطار عن العمل نتيجة الحرب المدمرة التي شهدتها العاصمة السودانية منذ أبريل 2023، وما تبعها من سيطرة مليشيا الدعم السريع على المنشأة قبل أن تستعيدها القوات المسلحة السودانية في مارس 2025.
خلفية: كيف خرج المطار من الخدمة؟
يقع مطار الخرطوم الدولي في قلب العاصمة السودانية، ويعد البوابة الجوية الرئيسية للبلاد، إذ كان يستقبل ملايين المسافرين سنويًا ويشكل شريانًا حيويًا للتجارة والسفر.
لكن في 15 أبريل 2023، ومع اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعرض المطار لقصف واشتباكات مباشرة أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة من مرافقه، بما في ذلك صالات الركاب ومباني الخدمات وممرات الطائرات.
وفقًا لتقارير ميدانية، احترقت أو تضررت عشرات الطائرات المدنية التابعة لشركات الطيران السودانية والأجنبية، كما تعطلت أنظمة المراقبة الجوية وأجهزة الاتصالات.
خلال فترة سيطرة الدعم السريع، تحوّل المطار إلى منطقة عسكرية مغلقة، ما قطع الاتصال الجوي للعاصمة مع العالم الخارجي، واضطر معظم الرحلات إلى التحويل نحو مطار بورتسودان في الشرق، الذي أصبح البوابة الجوية البديلة للسودان.
استعادة المطار وإطلاق خطة إعادة التأهيل
في 25 مارس 2025، تح، بعد عملية عسكرية وصفتها بأنها “نوعية وسريعة” لتأمين المنشآت الاستراتيجية.
وبعد أيام من التحرير، شرعت وزارة البنية التحتية وهيئة الطيران المدني في تقييم حجم الأضرار ووضع خطة شاملة لإعادة الإعمار.
تضمنت الخطة ثلاث مراحل رئيسية:
1. تأمين الموقع وإزالة المخلفات العسكرية من المدارج ومحيط المطار.
2. إصلاح البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك إعادة تأهيل المدرج الرئيسي، وأنظمة الإضاءة، وشبكات الكهرباء والمياه.
3. إعادة بناء مرافق الركاب والخدمات اللوجستية، مع تحديث أنظمة المراقبة الجوية وأجهزة التفتيش الأمني.
التقدم المحرز حتى الآن
بحسب تصريحات عضو مجلس السيادة الانتقالي، الفريق إبراهيم جابر، فإن المرحلة الأولى والثانية قد أُنجزت بنسبة تجاوزت 70%، مع الانتهاء من مدرج جديد قادر على استقبال الطائرات الكبيرة، إضافة إلى تركيب أنظمة إضاءة ليلية متطورة.
أما أعمال إصلاح صالات الركاب، فما زالت جارية وتشمل إعادة تصميم مناطق الاستقبال والمغادرة، وتوسيع القدرة الاستيعابية لتلبية المعايير الدولية.
الموعد المستهدف لإعادة الافتتاح
تشير تقديرات هيئة الطيران المدني السودانية إلى أن الربع الرابع من 2025 سيكون موعدًا مناسبًا لعودة المطار للعمل، مع ترجيح شهر أكتوبر كبداية فعلية لتسيير الرحلات التجريبية ثم فتح المجال الجوي تدريجيًا أمام شركات الطيران.
ومع ذلك، حذرت السلطات من أن هذا الموعد قد يتأثر بعوامل لوجستية وأمنية، خصوصًا إذا تجددت المواجهات العسكرية في محيط العاصمة.
أهمية إعادة افتتاح مطار الخرطوم
عودة المطار للعمل تمثل خطوة استراتيجية على عدة مستويات:
إنسانيًا: تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الخرطوم والمناطق المتضررة من الحرب، وتقليل الاعتماد على مطار بورتسودان الذي يبعد مئات الكيلومترات.
اقتصاديًا: إعادة تنشيط حركة التجارة والاستيراد والتصدير، ما يساهم في تخفيف أزمة السلع وارتفاع الأسعار.
سياسيًا: تعزيز رمزية سيطرة الحكومة على العاصمة وإظهار قدرتها على إعادة بناء مؤسسات الدولة.
اجتماعيًا: تمكين السودانيين في الخارج من العودة إلى بلادهم عبر العاصمة، بدلًا من السفر عبر مدن بعيدة.
التحديات التي تواجه المشروع
رغم التفاؤل، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام إعادة التشغيل الكامل:
الدمار الشامل للبنية التحتية: معظم صالات المطار تضررت بشكل كبير، وتتطلب إعادة بناء شبه كامل.
ضعف التمويل: الأزمة الاقتصادية الخانقة في السودان تجعل من الصعب توفير التمويل اللازم دون دعم خارجي.
الاعتبارات الأمنية: استمرار التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع في بعض مناطق الخرطوم قد يهدد سلامة العمليات الجوية.
الكوادر الفنية: هجرة عدد كبير من الطيارين والفنيين خلال الحرب، ما يستلزم خطة لإعادة استقطابهم أو تدريب كوادر جديدة.
ردود الفعل الدولية
رحبت منظمات دولية، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي، بخطوة إعادة تأهيل المطار، معتبرة إياها ضرورية لتسريع عمليات الإغاثة.
لكن في المقابل، نفت هيئة الطيران المدني القطرية مؤخرًا وجود أي ترتيبات فورية لاستئناف الرحلات من وإلى الخرطوم، مشيرة إلى أن عودة التشغيل تحتاج لتأكيدات أمنية وفنية.
تجارب مشابهة من المنطقة
إعادة تأهيل المطارات بعد الحروب ليست جديدة على المنطقة. فقد شهدت كل من مطار بنغازي في ليبيا ومطار صنعاء في اليمن عمليات مشابهة، لكن الفارق أن نجاح هذه المشاريع كان مرتبطًا بالاستقرار الأمني والسياسي. وفي حالة الخرطوم، فإن استمرار التوترات قد يبطئ وتيرة العودة الكاملة.
المطار كرمز لإعادة الإعمار
يتجاوز مشروع إعادة تأهيل مطار الخرطوم البعد الفني والاقتصادي، فهو بالنسبة للكثير من السودانيين رمز لعودة الحياة إلى العاصمة وانتهاء حقبة من العزلة والانقطاع.
ويرى محللون أن نجاح إعادة تشغيل المطار قد يفتح الباب أمام مشاريع أوسع لإعادة بناء البنية التحتية في مجالات الطرق والسكك الحديدية والطاقة.
مع اقتراب أكتوبر 2025، تترقب الأوساط السودانية والدولية لحظة إعادة فتح أبواب مطار الخرطوم أمام المسافرين، في حدث قد يكون بداية مرحلة جديدة من التعافي والاتصال بالعالم. لكن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات التي تتطلب إرادة سياسية، وتمويلًا مستدامًا، وضمانات أمنية كافية.
وفي الوقت الذي يواصل فيه العمال والفنيون سباق الزمن لإعادة المطار إلى الحياة، تبقى آمال السودانيين معلقة على أن يكون هذا المشروع فاتحة خير لعودة السلام والاستقرار إلى بلادهم.