اخبار السودان

قطار العودة.. حين تُزهر المِحَن جسوراً من إنسانية وأخوّة

القاهرة – الراي السوداني
على رصيف السد العالي، وتحت شمس أسوان التي تحمل دفءَ الجنوبين معًا، توقّف قطار خاص، ليس كغيره من القطارات العابرة. فقد حمل في جوفه أكثر من ألف قصة، وألف قلب يشتاق إلى الأرض الأولى، يحملها على سكة من حنين، من القاهرة إلى الحدود، ومن الغربة إلى الوطن.

في مشهد إنساني نادر تفتّحت فيه معاني التضامن بين بلدين يجمعهما التاريخ والدم، استقبلت مدينة أسوان، يوم الإثنين، قافلة العودة السودانية التي وصلت عبر قطار خاص قادم من القاهرة، في طريقها إلى السودان عبر منفذ قسطل البري.

جاء السودانيون على متن الرحلة ليس فقط بأمتعتهم، بل بما أثقلته الأيام من شوق، ومرارة النزوح، وذكريات الحرب، وما بقي من يقين بأن في آخر النفق ضوء. وعلى الرصيف، اصطف المستقبلون يتقدمهم السفير عبد القادر عبد الله، القنصل العام لجمهورية السودان بأسوان، وعيونهم تحكي عن وطن يتلقّى أبناءه بأذرع مفتوحة.

لقد تكللت هذه المبادرة بجهد رسمي مصري رفيع المستوى، يعكس وفاءً تاريخيًا تجاه الأشقاء. فمن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى إشراف مباشر من محافظ أسوان اللواء د. إسماعيل كمال، ومشاركة مؤسسات الدولة كافة، كان التنظيم محكمًا، والعبور إنسانيًا بامتياز. حيث أُعدّت الحافلات لنقل الركاب من محطة السد العالي إلى مدينة أبو سمبل، ومنها إلى معبر قسطل، تحت حماية وإشراف أمني وإداري دقيق.

لم يكن هذا مجرد عبور حدود، بل لحظة عودة إلى الذات، إلى الجذور. وكان الحضور المصري الرسمي، من هيئة السكك الحديدية إلى وزارة النقل وقيادة الأمن بأسوان، بمثابة صك وفاء لجيرة لا تنكسر في المحن، بل تقوى وتتجدد.

القطار الذي غادر القاهرة لم يكن مجرد وسيلة مواصلات، بل سفينة نجاة، وممرًا لإعادة وصل ما انقطع، وجسرًا إنسانيًا يعيد رسم ملامح التضامن العربي في لحظة انكسار إقليمي نادر. وعبر السودانيون العائدون عن شكرهم العميق لمصر، قيادةً وشعبًا، لما وجده آلاف اللاجئين من كرم الضيافة والمأوى في مدنها وقراها.

في محطة السد العالي، حيث تقف القضبان شاهدة على روايات الخروج والعودة، كُتبت صفحة جديدة من العلاقة بين الشعبين، عنوانها: حين تتكلم الإنسانية، تصمت كل الجغرافيا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

بهاء  الدين عيسى

صحفي سوداني بارز، نال جائزة “أفضل إنجاز صحفي” ضمن مشروع كلمات سودانية من المؤسسة الفرنسية للتنمية، يُعرف بجرأته في التحقيقات الاستقصائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى