مقالات

هل نحن كليبيا وسوريا واليمن: ما تقارن كويس ياخي (2-2)

تابعنا على واتساب

هل نحن كليبيا وسوريا واليمن: ما تقارن كويس ياخي (2-2)

عبد الله علي إبراهيم
(من كتابي “من الثورة إلى الحرب”، دار الموسوعة الصغيرة)

أكثر “سفه” فكرنا السياسي في عقد المقارنة بين أوضاعنا وأوضاع غيرنا جزافاً: لا بينة ولا قرائن. لا يرى بلداً مضرجاً في السكرات إلا قال إننا وهو سواء. ونكذب هكذا على أنفسنا من فرط “عدم الأكيدة” هذه. وأعرض هنا لأوضاعنا في الثورة والحرب التي قلنا بنظائر لها بما جرى، أو يجري، في سوريا وليبيا واليمن. وأنفذ من الشبه في “الهم شرق” والمحن إلى دقائق السياسة عندنا وعندهم. وما نختلف فيه بشكل رئيس هو أن فينا قوات مسلحة بينما ذهبت قوات غيرنا هؤلاء، ساءت أم حسنت، أدراج الرياح.

ضربت الثنائية القبائلية جيش اليمن منذ انتصار صالح في الحرب الأهلية في عام 1994، وحله جيش الجنوب اليمني. شرع بعدها في تقوية الحرس الجمهوري وبناء جيش العائلة مع التخطيط في عام 1991 لتوريث ابنه من بعده. فجعل رجالاً من قراباته في الدرجة الأولى على رأس الحرس الجمهوري تحت قيادة ابنه أحمد صالح، واحتلت قبيلته سنحان (واحد في المئة من السكان) الغلبة فيه.

ولم تلق إجراءات صالح في توريث ابنه قبول كل السنحان، فانقسم الجيش إلى مناصر لصالح وإلى آخر مناصر لعلي محسن الأحمر. فتكون جيش صالح من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب والقوة الجوية (بقيادة أخيه). وجعل قيادات كل هذه الوحدات لسنحان.
ولم يوفر صالح حيلة لإضعاف جيش الأحمر، فبعثهم ما بين عامي 2004 و2010 ليحاربوا الحوثيين بغية إهلاكهم. وأخلى الجيش من قواعد المأسسة ليفصله عن السلطة التنفيذية. وأضعف الجيش بحصره في صنعاء ليترك الأرياف لقوات قبائلية، مما عكس ضعفاً احتلت به إريتريا جزيرة حنش في ديسمبر 1995.

وجعل لنفسه حق تعيين أفراد الجيش وترقياتهم، وتوزيع الأسلحة على أفرعه، كما جعل لزعماء القبائل حصصاً في الجيش ينتخبون لها نفراً من عشيرتهم، بل اتسمت وحدات الجيش نفسها بالقبائلية. فتقوم وحدة خالصة لقبيلة يكون زعيم القبيلة أميراً عليها. وينطبق الأمر نفسه على جيش الأحمر. وأنشأ كل منها أحلافاً في الحركة المدنية السياسية مثل حلف الأحمر مع السلفيين.

ولما قامت الثورة على صالح في مارس (آذار) 2010 وقف الأحمر معها فحمى اعتصاماتها. وانتهى الأمر بمبادرة خليجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 لإصلاح عسكري يوحد الجيشين.

(وانتهى صالح للحلف مع الحوثيين في وجه النظام العاقب للثورة اليمنية فاحتملوه حتى ظفروا به وقتلوه وبجيشه فحلوه)
القول إن للحرب الناشبة اليوم في السودان مآلاً سبقت إليه ليبيا وسوريا واليمن، ولم يتحسب له الربيع السوداني، لا يراعي الفروق بين السودان وأوضاع تلك البلدان السياسية والعسكرية. فواضح من استعراضنا لأوضاع هذه البلدان تباينها عن أوضاع السودان، فقد قامت الثورات في تلك البلدان وقد انتدبت نظمها الحاكمة جيوشاً قبائلية (اليمن وليبيا) أو عقائدية (سوريا) توطدت على حساب الجيش الوطني. ولم يشذ “نظام الإنقاذ” في البحث عن جيش آخر غير الوطني ليحميه من غوائل الهبات الشعبية عليه، أو حتى تمرد جيشه الوطني، ولكن “حكومة الإنقاذ” لم تبلغ بهذه العملية مبلغاً استضعف الجيش الوطني استضعافاً أخرجه من الميدان. فقامت الثورة في ليبيا عملياً بغير جيش لتسد الجماعات المسلحة مسده، كما فقد الجيش السوري نفسه خلال حربه ضد الثورة لتعلو الفرقة الرابعة عليه. وقامت الثورة في اليمن والجيش جيشان، سرعان ما تواجها، كل على طرف منها. فلم يقع في أي من هذه البلدان تحالف بين الجيشين، الوطني والميليشياوي، كما في السودان. فلقيت الثورة، الجيش السوداني والدعم السريع حليفين تعاطيا معاً مع سياساتها، بما في ذلك الانحياز لها مع تبييت النية للقضاء عليها، كما حدث أخيراً في انقلابهما على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021.

وكان منتظراً اندلاع الحرب الدائرة اليوم حتى لو لم تقم الثورة. فركوب الجمل ذي السنامين غير مريح، كما قال ناظر الكبابيش. فكان السنامان في سكة تصادم لا محيص عنه. فالجيش من يومه الأول لم يقبل مهنياً بقوات الدعم السريع كياناً في داخله، ولكنه استسلم لوجودها خارج حوشه، نزولاً عند إرادة الرئيس المخلوع عمر حسن البشير الذي صار القائد المرجعي لها. فالدعم السريع، بحسب قانونه، لا يأتمر بأمر الجيش إلا في حالات الطوارئ. وظل محمد حمدان دقلو، مؤسس الدعم السريع، قوي الإيمان والعزيمة حتى قبل الثورة بأنه جيش ثانٍ لا ميليشيات تنطوي صفحتها يوم تسريحها. فموقفه من الدمج في الجيش اليوم كان موقفه دائماً. ولم يألُ جهداً في بنائه جيشاً يغالب.

لقد وفرت الثورة للجيش فضاءً سياسياً ليعالج مسألتين مؤرقتين له ولشعبه في سياق الإصلاح العسكري والأمني. فالمسألة الأولى هي مكوثه الذي طال سدى في الحكم، لنصف قرن منذ استقلالنا في عام 1956. أما المسألة الثانية فهي التخلص من جيش الضرار الذي قبل وجوده على كره. وكان شعار هذا الإصلاح “العسكر للثكنات والجنجويد، أي الدعم السريع ينحل”.

ولكن لم يسمع الجيش من الثورة، بل عقد تحالفاً مضرجاً ضدها مع الدعم السريع، فوطنها على قدم المساواة في الترتيبات السياسة العاقبة للثورة، وغض الطرف عن دبلوماسية الدعم السريع واقتصاده اللذين راكم بهما موارد الحرب، وأذن له بمعسكرات موازية لمعسكراته، بما في ذلك منحه برجاً داخل قيادته العامة.

وتأخر طلب الجيش دمج قوات الدعم السريع، وحين فعل عرف أنها قوة لم تنشأ للحل، وإنما جاءت لتبقى. واضطره ذلك إلى خوض هذه الحرب الضروس دفاعاً عن أمانته الوطنية والمهنية التي كثيراً ما ضل عنها جزافاً إلى دست الحكم. ولا يدري المرء إن كان الجيش احتاج إلى هذه المحنة التي تحدق به ليعود أدراجه للثكنات في خاتمة الأمر: “كما كنت” في مصطلحه.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

الوليد محمد

الوليد محمد – صحفي يهتم بالشؤون المحلية والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى