للحقيقة لسان
رحمة عبدالمنعم
بكاء السفير.. الخذلان في وقت المحنة
في لحظة تختزل كل الألم، أجهش السفير نورالدائم عبدالقادر بالبكاء على شاشة قناة الجزيرة، كأنما كان يبكي وطنًا بأسره لا نفسه فقط، الدموع التي انسكبت على الملأ، لم تكن مجرد لحظة ضعف إنساني، بل كانت صرخة مكتومة في وجه أمةٍ صمّت آذانها، واكتفت بالصمت حيال جرح ينزف في قلب السودان
إنه بكاء يشهد على خيانة أقرباء الدم، أولئك الذين تدفق النفط في شرايينهم، وتجمدت مشاعرهم في حضرة الأخوة التي تنكرت لمعانيها ،كيف لأمة تدّعي العروبة والإسلام أن تغض الطرف عن مأساة السودان، ذلك البلد الذي لم يتوانَ يومًا عن الوقوف بجانبهم في أزماتهم الكبرى؟
لقد كتب التاريخ مرارًا عن خيبات السودان مع “الأشقاء”، لكنه هذه المرة يسطر خذلانًا أشد إيلامًا، ليس التخاذل وحده ما يُثقل كاهل السودان اليوم، بل تلك الأيدي التي دفعت المال والسلاح لتغذية نيران حربٍ لا ترحم شعبه
السودان، الذي مدّ يده يومًا لإغاثة الملهوفين واحتضان اللاجئين العرب، لم يكن يتوقع أن تأتي خناجر الغدر ممن اعتبرهم يومًا أهله ،تلك الخناجر ليست فقط طعنات جسد، بل طعنات قلب تعصف بثقة السودان في محيطه العربي، وتعيد ترتيب أولوياته تجاه من يستحق الولاء ومن يستهين بالدم السوداني
حين يبكي رجل بحجم السفير نورالدائم عبدالقادر، فإن دموعه ليست عادية ،إنها تحمل وزنًا أثقل من الحروف، ومعنى أعمق من الكلمات، إن بكاءه كان رسالة للعالم أجمع، رسالة لعلها توقظ الضمائر التي ران عليها صدأ المصالح والتواطؤ
لم تعد دموع السودان كافية لاستدرار عطف من لا ضمير له، على العرب أن يدركوا أن السودان الذي انهكته الحرب والخذلان قادرٌ على النهوض، ولكنه لن ينسى من خانه في أحلك أوقاته ،فهل يوقظ بكاء السفير مشاعر الأخوة؟ أم أن الصمت سيبقى هو الحاكم، وستظل دموع السودان حبرًا في كتب الخذلان؟
السودان سيظل واقفًا، حتى وإن خانته أمةٌ بأسرها، ولكن يبقى السؤال معلقًا في الهواء:
“كيف يواجه السودان غده،وحيدًا في صحراء من الجفاء؟”