نجح وسطاء على ما يبدو من رفع الأصبع من الزناد بين الجيوش المحتشدة في مدينة مروي، بعد يومين من التوتر بسبب نشر الدعم السريع قواته على أطراف المدينة، الأمر الذي رفع من حالة الاستعداد لدى قوات الجيش المرابطة هناك، وزاد من سقف المخاوف من احتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين، فقد أعلن نائب رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو(حميدتي) التزامه بعدم التصعيد واستعداده للجلوس مع الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقيادة القوات المسلحة السودانية، في الوقت الذي كثفت فيه القوى السياسية جهودها بين الطرفين للوصول إلى حل جذري للأزمة، فيما عبّر مبعوثو ست دول ومعهم مبعوث الاتحاد الأوربي أيضاً، عن شعورهم بقلق عميق من نشوب أزمة بين الأطراف العسكرية الرئيسة في البلاد، فيما تم الكشف عن اجتماع مرتقب بين قائدي الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال قادة حركات مسلحة موقعة على السلام أنه ومواصلة لجهودهم الرامية إلى نزع فتيل الأزمة الأمنية في البلاد التقوا اليوم الجمعة بالفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، وبحسب بيان صادر عن كلا من مالك عقار وجبريل إبراهيم ومني أركو مناوي ومحمد عيسى عليو قال “أكد لنا القائد التزامه التام بعدم التصعيد واستعداده للجلوس مع رئيس مجلس السيادة وقيادة القوات المسلحة السودانية في أي وقت ومن غير قيد أو شرط بغية الوصول إلى حل جذري للأزمة يحقن الدماء ويحقق الأمن والطمأنينة للعباد والبلاد”. وجاء في البيان أنه “في مواصلة لجهودنا الرامية إلى نزع فتيل الأزمة الأمنية في البلاد، التقينا صباح الجمعة مع حميدتي”. وأضاف أنه بعد حوار “صريح وجاد”، أكد حميدتي “التزامه التام بعدم التصعيد، واستعداده للجلوس مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقيادة القوات المسلحة السودانية بأي وقت ومن غير قيد أو شرط بغية الوصول إلى حل جذري للأزمة يحقن الدماء ويحقق الأمن والطمأنينة”.
وقال القيادي في تحالف الحرية والتغيير -مجموعة الكتلة الديموقراطية- عبد العزيز عشر (للجزيرة) إن لجنة ثلاثية -من قادة الحركات المسلحة مكوَّنة من عضو مجلس السيادة السوداني مالك عقار، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، بجانب رئيس حركة تحرير السودان وحاكم دارفور مني مناوي- تمكَّنت من إقناع كل من رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالجلوس في اجتماع اليوم لحل الخلافات.
جهود لحل الأزمة
وكان قائد قوات الدعم السريع الفريق حيدتي عقد لقاء مشتركاً عبر الهاتف، مع كل من: المبعوث الأمريكي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، بيتر لورد، والمبعوث الخاص للمملكة المتحدة للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويذر، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان، جون أنطون.
وأشار بيان من المكتب الإعلامي لنائب رئيس مجلس السيادة أن اللقاء “بحث التطورات السياسية الراهنة التي يشهدها السودان، والجهود المبذولة لاستكمال العملية السياسية، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية، وصولاً إلى تحول ديموقراطي بقيام الانتخابات”.
وأشار البيان أن نائب رئيس مجلس السيادة “شرح للمبعوثين الأوضاع بالبلاد، ومساعي الأطراف، للوصول بالعملية السياسية إلى نهاياتها”، مؤكداً “التزامهم التام بما تم التوقيع عليه في الاتفاق الإطاري، وضرورة خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وحرصه على تعزيز الاستقرار، والعمل على دعم مسيرة التحوُّل الديموقراطي بالبلاد”.
من جانبهم، عبَّر المبعوثون الدوليون، طبقاً للمكتب الإعلامي، عن “دعمهم ومساندتهم للاتفاق الإطاري، الذي وُقع في الخامس من ديسمبر الماضي، للخروج من الأزمة، بوصفه الأساس، لتشكيل حكومة مدنية مقبلة في البلاد”.
تجنب ويلات الانزلاق
من جهته أرسل رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي الاصل، محمد عثمان الميرغني، رسائل لكل من قيادات القوات المسلحة والدعم السريع بغرض تهدئة الأوضاع ووقف حدة التوتر حتى تجنب البلاد ويلات الانزلاق في صراعات تؤدي إلى مزيد من التوترات الأمنية، وقالت متحدثة باسم الحزب الاتحادي الديموقراطي (الأصل) يهيب بقيادة القوات المسلحة ومجلس الأمن والدفاع معالجة الأزمة المعلنة بين الجيش وقوات الدعم السريع بالحكمة والمسؤولية اللازمة ووفق القوانين واللوائح العسكرية التي تضبط العلاقة بين المكوِّنات العسكرية، وأشارت في تصريحات صحفية إلى أن الحزب يحذِّر من البصمات الواضحة للأيادي الخارجية والداخلية التي تسعى لزيادة الشقاق بين قيادة الجيش وقيادة قوات الدعم السريع وهي بصمات ذات غرض واضح بهدف دفع السودان إلى حيث يسهل السيطرة عليه وتفكيكه إلى دويلات، وأكدت أن الحزب الاتحادي الديموقراطي (الأصل) يحذِّر القوى السياسية من مغبة الاستثمار في الأزمة الراهنة وتزكية الصراع بين القوتين والتزايد في المواقف والاستقطاب السالب في ظل هذا المناخ مجدِّداً ثقته في قيادة المرحلة والدولة على إضاعة الفرصة أمام الأجندة غير الوطنية والتي تقف خلفها قوى داخلية وخارجية.
الحالة الأمنية المريعة
إلى ذلك حمَّل مجلس الصحوة الثوري الأصل، “فلول النظام البائد” وتدخلاتهم المشبوهة والأجندة الخارجية، مسؤولية الحالة الأمنية المريعة بالبلاد خاصة في ولايات دارفور، وكذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة ونذر الحرب، ونبَّه إلى الأجندة الخارجية التي تسعى لتمزيق الوطن وتفتيت نسيجه الاجتماعي بانفراط عقد الأمن “بسبب هذه التدخلات العبثية”.
وقالت الأمانة السياسية بالمجلس في تعميم صحفي بشأن الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة، إن المجلس يراقب الأوضاع عن كثب، ويدعو القائمين على أمر البلاد لتحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم بتغيير هذا الواقع المزري والمسيئ لكرامة الشعب وإنسانيته.
وأضاف المجلس “وكذلك ندعو القوى السياسية بعدم الاصطفاف إلى أي المعسكرين تحقيقاً لمكاسب حزبية ضيِّقة وأن يتحلى الجميع بالروح الوطنية التي تساهم بإيجاد المخارج والحلول لأزمات الوطن، لا صب الزيت على النار والتي سوف تحرق الجميع”.
وتابع: “نحن في مجلس الصحوة الثوري الأصل نضم صوتنا لكل القوى السياسية المنادية بخلق مناخ جديد للتعافي والتصالح وتحقيق السلام الشامل والعادل والانطلاق نحو أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وتأسيس دولة المواطنة والعبور نحو وطن تسوده قيم الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم”.
وعلى صعيد الأزمة، أعرب المبعوثون والممثلون الخاصون من فرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقهم العميق إزاء التقارير التي تتحدث عن تصاعد التوترات في السودان وخطر التصعيد بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وقال المبعوثون في بيان مشترك الخميس، إن “هذه الإجراءات التصعيدية تهدِّد بعرقلة المفاوضات نحو تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية”. ودعا المبعوثون القادة العسكريين والمدنيين في السودان إلى اتخاذ خطوات فعالة للحد من التوترات، كما حثوا قادة الجيش والدعم السريع على الإيفاء بالتزاماتهم والانخراط بشكل بناء لحل القضايا العالقة بشأن إصلاح قطاع الأمن لإنشاء مستقبل عسكري موحَّد ومهني وخاضع للمساءلة أمام حكومة مدنية، وأكدوا أنه حان الوقت الآن للدخول في اتفاق سياسي نهائي يحقق التطلعات الديموقراطية لشعب السودان.
وأضاف بيان المبعوثين: “يعد إنشاء حكومة انتقالية بقيادة مدنية أمرًا ضروريًا لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية الملحة في السودان، وهو المفتاح لإطلاق العنان للمساعدات الدولية”.
متفائلون بانتهاء الأزمة
وكشف مسؤول الإعلام بحزب الأمة القومي مصباح أحمد، عن تشكيل لجنة لتهدئة الأزمة بين الجيش والدعم السريع، وقال: إن اللجنة يقودها رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة.
وقال مصباح لـ(الصيحة): إن اللجنة بدأت أعمالها وتواصلت مع أطراف المكوِّن العسكري وذلك لتهدئة التوتر والبحث عن حلول للقضايا العالقة بين الطرفين، وبحسب مصباح، قررت اللجنة عقد اجتماع اليوم الجمعة يضم كل القوى السياسية والعسكرية لاحتواء الأزمة.
وبشأن تفاصيل اجتماع قوى الحرية والتغيبر الذي دعا له حزب الأمة قال مصباح: “تمت مناقشة الوضع السياسي الراهن وحالة التوتر بين الجيش والدعم السريع”.
وأبدى مصباح تفاؤله بنزع فتيل الأزمة بين الجيش والدعم السريع، وكشف عن جهود قامت بها قوى الحرية والتغيير في الأيام الماضية للوصول إلى تفاهمات بين العسكريين، مستدركاً، “لكن التوتر الأمني الأخير أثار القلق”.
يذكر أن التوتر تصاعد نهار الخميس، بعد نقل بعض “قوات الدعم السريع” بالقرب من مطار عسكري بمدينة مروي في شمال البلاد، في خطوة قال الجيش إنها اتُخذت دون موافقته، وقتها حذَّر الجيش السوداني، من مواجهة محتملة بين قواته و”قوات الدعم السريع”، الأمر الذي سلَّط الضوء على خلافات قائمة منذ فترة طويلة، وسرعان ما جاءت مجموعة من عروض الوساطة. وهكذا، التقى ممثلون عن جهات محلية ودولية بالبرهان وحميدتي.
الفلول وتأجيج الخلاف
في الأثناء، اتهمت قوى الحرية والتغيير، “فلول” نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي أُطيح في انقلاب عام 2019، بتأجيج الخلاف بين القوات المسلحة و”قوات الدعم السريع”، وقالت الأطراف المدنية في الاتفاق المعلق، في بيان منفصل، إن عناصر حزب “المؤتمر الوطني” يسعون بشكل حثيث “لإثارة الفتنة بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودق طبول الحرب” ليتسنى لهم العودة للسلطة، وقالت قوى الحرية والتغيير في بيان: “المخطط الحالي هو مخطط لفلول النظام البائد يهدف لتدمير العملية السياسية”.
تغليب صوت العقل
وبالتزامن أصدر تجمّع المهنيين السودانيين، عضو تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، بياناً دعا فيه قادة القوات المسلحة و”الدعم السريع” والشرطة والمخابرات العامة، إلى “تغليب صوت العقل في ما بينهم، وإدارة علاقاتهم وفقاً للقوانين التي تحكم المؤسسات العسكرية والأمنية، والقيام بالواجبات المنصوص عليها في القوانين الخاصة بهم والتي تلزمهم بالحفاظ على الأمن الداخلي والقومي وتصد العدوان الخارجي وتحمي الشعب السوداني، لتجنب حدوث أي صدام”.
وحذَّر البيان من “استثمار فلول النظام البائد ومنسوبي حزبه المحلول وحركته المخلوعة، التباين في وجهات النظر والآراء الفنية حول قضية الدمج والعمليات الفنية المتعلقة بها والقيادة والتحكم والسيطرة، كذريعة وسبب لإشعال حرب ونزاعٍ تتم من خلاله مقايضة الانتقال الديموقراطي والتحوُّل المدني بالأمن والسلم الاجتماعي والتعايش السلمي، يفضي إلى عودة نظامهم ليحكم الشعب السوداني الذي رفضهم بثورة شعبية”، حسب ما جاء في البيان.
وأوضح أن “النظام البائد ظل يعمل من أجل عرقلة المرحلة النهائية للعملية السياسية، وصولاً إلى الاتفاق السياسي النهائي والدستور الانتقالي وتشكيل حكومةٍ مدنية كاملة، وخروج العسكر من السياسة”.