أثار تعليق وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي د.محمد بشار، مؤخراً قال فيه إن السياسة النقدية لها مسؤولية الوصول لمرحلة الكساد لارتباطه بالتضخم، فيما استغرب كثير من المراقبين اعتبروا الحديث واعتبره البعض بمثابة التملص من المسؤولية ورأى بعضهم أن ذلك يأتي على نسق “الهجوم خير وسيلة للدفاع عن النفس”، وقطعوا بأن لوزارة المالية النصيب الأكبر في دخول اقتصاد البلاد لهذه المرحلة.
ويتفق كثير من معظم خبراء الاقتصاد أن من مسببات تفاقم الأزمة الاقتصادية في السودان هو الخلل الواضح في السياسة المالية لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي والتي أدت إلى تدهور أداء القطاعات الاقتصادية الإنتاجية وزيادة حجم الصرف الحكومي، فضلاً عن عدم التناسق مع السياسة النقدية التي يصدرها بنك السودان المركزي.
كساد
وأمَّن الخبير الاقتصادي د.محمد الناير، بأن السياسة النقدية مسؤولة عن حالة الكساد التي تصيب الاقتصاد حالياً، باعتبار أن البنك المركزي هو المسؤول عن السياسة النقدية وضخ العملة أو التوازن في الاقتصاد مابين معدَّل نمو الكتلة النقدية أو عرض النقود مقابل المؤشرات الأخرى الحفاظ على معدَّلات التضخم حتى لا يرتفع وهي موازنة صعبة جداً، بيد أنه قطع بأن هذا الأمر لا يعفي وزارة المالية باعتبار أنه لابد أن يكون هنالك تنسيق تام بين السياستين المالية والنقدية وزاد “لا يعقل أن تفرض وزارة المالية رسوماً وضرائب لم تحدث في تاريخ السودان، مشيراً إلى أنها فُرضت رسوماً وضرائب في 2022 لا حصر لها منها زيادة أسعار الخبز وزيادة الوقود لأكثر من مرة وزيادة أسعار الدواء وزيادة الكهرباء والمياه وزيادة أسعار الغاز، فهذه زيادات كبيرة جداً فضلاً عن القفزة الكبيرة التي حصلت في الدولار الجمركي،إذ أن الزيادات هذه أثرت سلباً على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد بصورة كبيرة واستمرت حتى مطلع العام الحالي 2023 حتى قبل الموازنة مضيفاً أن هنالك زيادة كبيرة في استخراج الأوراق الثبوتية مثل الجواز والرخصة وترخيص السيارات وغيرها، وهذا ما دمغها به الناير عدم إعفاء السياسة المالية أو وزارة المالية من المسؤولية، بل قطع بأنها هي مسؤولة بالكامل بجانب البنك المركزي مع الفصل بأن البنك المركزي مسؤول من السياسات النقدية ووزارة المالية مسؤولة عن السياسات المالية، لكن نبَّه إلى أنه لابد أن يتم ذلك بتناغم تام وتنسيق بين السياسة النقدية والمالية وإلا لن تتحقق الأهداف المرجوة أن لم يكن هنالك تنسيق تام، وشدَّد على ضرورة المعالجة بصورة سريعة لأن الوضع الاقتصادي الآن مستدركاً “صحيح أن الناس سعيدة بمؤشرات التضخم والتقارير التي تصدر رغم تحفظنا عليها أنها لم تكن بالدقة المطلوبة لعدم وجود مسح حديث لميزانية الأسرة، حيث كان أعدت آخرها قبل 16 عاماً، في 2007 ولم يتم تحديثها، بينما تقول المؤشرات العالمية إنه يُفترض أي دولة تحدث ميزانية الأسرة كل خمس سنوات، حتى تستطيع الوصول لأوزان السلع والخدمات التي يستخدمها المواطن بصورة دقيقة، وبالتالي يتم حساب التضخم بصورة صحيحة، وأضاف الناير “لكن رغم سعادة الدولة بهذا النزول الكبير في معدَّل التضخم إذا سلمنا أنه حقيقة فبالمقابل هناك خطر دائم للاقتصاد السوداني وهو ما يشهده النشاط التجاري الآن من حالة الركود التضخمي غير مسبوق، وأردف:” لا يوجد أي نشاط تجاري يُذكر الآن وبالتالي لديه انعكاسات كبيرة على القطاع الخاص بأكمله من جهة، وتوقع الناير إغلاق كثير جداً من المؤسسات وتشريد عدد كبير جداً من العمال، وبالتالي لن تجد الدولة الإيرادات الضريبية التي تصل مجملها حوالي 57.5% من إجمالي الموازنة، فضلاً عن أن الموازنة نفسها متضخمة، وقال:”نحن دائماً نضرب مثلاً ونقول لا يعقل العام الماضي كان جملة الإيرادات 2.9 ترليون جنيه، وجاءت بعد فرض مزيد من الرسوم والضرائب، ثم تأتي التقديرات في العام الذي يليه 2023 ليكون 7.3 ترليون، يعني زيادة بنسبة 152% عن العام الماضي، واعتبرها زيادة غير مسبوقة، مشيراً إلى أن معدَّل نمو الإيرادات في الموازنات بصورة عامة على مستوى العالم يفترض يتراوح ما بين 5-10 أو 15% على الأكثر، وشدَّد على ضرورة التنسيق في السياسات والعمل على تحريك النشاط الاقتصادي في البلاد بصورة أساسية.