شكَّل النائب العام الأسبق تاج السر الحبر في 2019، لجنة التحقيق حول الأشخاص الذين اختفوا في أو بعد 3 يونيو 2019م، وهو تاريخ فض الاعتصام أمام قيادة الجيش، وتوقفت لجنة اختفاء الأشخاص عن العمل بالتزامن مع قرار النائب العام السابق مبارك محمود، الخاص بتكليف وكلاء نيابة بالإشراف على تشريح الجثامين، وهو قرار أصدره في 10 يونيو 2021م.
بدأت الجثث تتراكم في مشارح الخرطوم منذ أن قرَّرت لجنة المفقودين في 19 ديسمبر 2019م، منع دفن أي جثمان مجهولة الهوية إلا بعد تطبيق بروتوكولات الصليب الأحمر الدولي.. ولكن الأوضاع في المشارح مزرية ومأساوية في ظل تكدس (الجثث) التي ارتفع عددها إلى أكثر من (3) آلاف جثمان، طبقاً لمدير هيئة الطب العدلي بوزارة الصحة بالخرطوم د.هشام زين العابدين، ويرجع تكدُّس الجثث إلى قرار منع التشريح والدفن لمجهولي الهُوية الصادر 2019م، وكشف لجنة المفقودين، عن اعترافات قضائية لعمال وفنيي التشريح بعمليات بيع جثث مجهولي الهوية طبقاً لبيان لها (الاثنين)، تلك المعلومات الخطيرة أثارث ردود فعل واسعة وجدل سياسي وقانوني.
معلومات خطيرة
قالت لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص “المفقودين”، إن قرار النائب العام المُكلف خليفة أحمد المتعلق بتشريح ودفن الجثث، لا يتضمَّن التحقيق في أي شبهات جنائية.
ويبدأ العمل على تشريح ودفن ثلاث آلاف جثة، مجهولة الهوية، في مشارح العاصمة الخرطوم في 25 سبتمبر المقبل، بناءً على توجيهات النائب العام المُكلف، وسط اعتراضات من فئات عديدة بينهم محققون تابعون للنيابة العامة.
وقالت اللجنة، في بيان إن وضعها كعضو داخل لجنة التعامل مع الجثامين وكمراقب في آن واحد، غير سائغ قانوناً ولا يحقق الغرض الذي من أجله تشكلت اللجنة وهو التحقيق في انتهاكات أسفرت عن اختفاء الأشخاص قسريًا.
وأضافت:(لم يتضمَّن قرار اللجنة أي اختصاصات أو بيان لماهية هذه المراقبة، خصوصاً في ظل اختصاصات اللجنة الفنية التي تنتهي أعمالها بانتهاء دفن الموتى، مما يؤكد أن هذه اللجنة فنية وليست من مسؤولياتها التحقيق وفق ما نص عليه أمر تشكيلها).
فقدان الثقة
وأشار البيان إلى أن لجنة التعامل مع دفن الجثث تضم أطباء شرعيين تتهمهم لجنة المفقودين التي “من غير المتصوِّر أن تعمل ضمن لجنة تضم أعضاء يواجهون إجراءات جنائية تحت إشرافها من بينهم رئيس هيئة الطب العدلي التي تتولي أمر تشكيل اللجان الفنية.
وقالت اللجنة إن تحقيقاتها أكدت تجارة أعضاء بشرية داخل المشارح وعمليات بيع جثث لمجهولي الهوية، إضافة إلى تزوير تقارير التشريح ودفن جثامين من ضحايا فض الاعتصام وهي حالات اختفاء قسري.
وأشار البيان إلى أن تحقيقات لجنة المفقودين في المشارح توصلت إلى فقدان الثقة في الطب الشرع”، مما دعاها للتواصل مع جهات دولية ذات خبرة عالمية، حيث زار فريق الطب الشرعي والانثروبولوجيا البلاد.
وكشف عن أن تقرير هذا الفريق أشار إلى “افتقار السودان لنظام طب شرعي حقيقي ذو كفاءة ومصداقية ولا تتبع إجراءات التشريح المعايير الدولية وهي بحاجة إلى إصلاح على أوسع نطاق، واشترطت اللجنة مباشرة عملها ضمن لجنة التعامل مع الجثث ربطها بالتحقيقات حول وقائع فقدان الأشخاص قسريًا.
وأضافت: (لن نشارك في أعمل أو نشرف عليه أو نتحمَّل مسؤولية تطبيق البروتوكولات ما لم تتم الاستعانة بخبراء دوليين مع بعض الخبرات الوطنية ذات الكفاءة والمصداقية).
تمسُّك أسر ضحايا
وفي هذا المنحى تتمسَّك أسر ضحايا ثورة ديسمبر وفض الاعتصام في يونيو 2019م، وأعمال العنف التي تلتها بتحليل هذه الجثث لإثبات المتورطين في هذه العملية، حيث توجد في الخرطوم ثلاثة مشارح فقط في مستشفيات الحكومة، وأدى انقطاع التيار الكهربائي المتكرِّر إلى تحلُّل جزء كبير من الجثث المكدَّسة فيها، مما دعا المواطنون في المناطق القريبة من المشارح خلال الفترة الماضية إلى الاحتجاج مطالبين بإيجاد حل للأزمة، ومن المفترض أن تبدأ لجان التشريح للجثامين المجهولة والمكدسة في (3) مشارح، رئيسة عملها في الخامس والعشرين من سبتمبر الجاري، والتي تضم هيئة الطب العدلي والنيابة العامة والشرطة ومراقبين من المجتمع الدولي والمحلي فضلاً عن أسر المفقودين في البلاد.
وكان أطباء شرعيون كشفوا في العام 2021 عن عمليات تلاعب في أرقام جثث بمشرحة التميُّز، ودفنها دون التعرُّف عليها، وقدّم هؤلاء الأطباء استقالاتهم من لجان التشريح المُشكلة بواسطة النيابة العامة.
عدم تشريح
أكد مدير الطب العدلي بوزارة الصحة هشام زين العابدين، أن قرار المدعي العام بعدم تشريح الجثث جعل الجثامين تتراكم. وقال في مقابلة سابقة: “الجثث تراكمت في مشارح الطب الشرعي ولا يوجد ثلاجات كافية”.وأشار إلى أن قرار المدعي العام بدفن الجثامين سيمنع تراكمها، مبيِّناً أنه في حال عدم صدور هذا القرار سيزيد عدد الجثامين وتتحوَّل لكارثة إنسانية.
فتح ملف
وبدأ المحامي وليد الطيب محمد عبدالرحمن، حديثه بالقول ” إكرام الميت في دفنه”، وقال “لكن هنا في جناية تتعلق بهذه القضية”، وأضاف أي جثة وصلت المرشحة ينبغي أن يفتح لها ملف شامل وكامل ويتم تشريحها من قبل الطبيب الشرعي ومنه إلى الطب العدلي الشرعي لإبداء رأيه في تقرير الطبيب الشرعي.
وحذَّر وليد في تصريح لـ(الصيحة) أمس، من مغبة دفن الجثث دون إكمال كافة الإجراءات القانونية المتعلقة بالأمر، بجانب استخراج ملف بالجثمان، وقال: “لكن إذا الخطوة تمت تعد جريمة جديدة”.
عقيل يشرح الأسباب
وعزا مدير مشرحة بشائر، د. عقبل سوار الدهب، تكدُّس الجثث ، إلى أن لجنة المفقودين في العام 2019م، منعتهم من التشريح ومن دفن الجثامين مجهولة الهوية.
وقال عقيل في إفادة رصدتها (الصيحة): نحن كالعادة نستقبل مابين (2ـ3) جثامين مجهولة الهوية في مشرحة بشائر، وأضاف لكن صدر قرار من مدير هيئة الطب العدلي آنذاك هاشم فقيري، أن لجنة المفقودين أخطرته بأننا لا نشرح ولا ندفن.وأكد لذلك تكدَّست الجثث وصارت أزمة كبيرة منذ العام 2019م، إلى يومنا هذا.
تكوين لجنة
وشدَّد عضو لجان مقاومة الخرطوم مجدي تيراب، على ضرورة معرفة من هم في المشارح حتى لاتضيع الحقوق الموتى والمفقودين قبل ومنذ 2019، وقال: ” رأينا نعرف الجثامين ديل منو بالضبط”.
وطالب تيراب في تصريح لـ(الصيحة) أمس، بتكوين لجان من ذوي الاختصاصات المختلفة من النيابة والشرطة ووزارة الأوقاف، بجانب منظمات المجتمع المدني كشاهد عيان على القضية، معلناً رفضه للطريقة التي أدت إلى تكدُّس هذه الجثث في المشارح حتى وصلت إلى أكثر من (3) آلاف، وقال: ” الطريقة الموجودة بها الجثامين بها محاولة لطمس معالم الأدلة الخاصة بالجثامين”,وأضاف: “لأن الجثامين اتحللت بنسبة كبيرة والتصقت ببعض”.
وأعلن تيراب رفضهم القاطع لدفن الجثث دون إكمال الإجراءات القانونية المطلوبة، وقال: “دفن الجثث بهذه الخطوة يعد جريمة جديدة”، وأضاف “لأن الجميع يريد أن يعرف من هؤلاء بالإضافة إلى وجود بلاغات مفتوحة في الأقسام لعشرات المفقودين”.
ثلاجات ممتلئة
وبدوره قال مدير مشرحة أم درمان البروفيسور جمال يوسف ـ إن عدد الجثث بالمشرحة يبلغ (1543) جثماناً، مجهولة الهوية والأقراب، وبرأ ساحتهم من ضياع أي حقوق تجاه الجثامين، وقال: (نحن لم نضع أي حقوق للجثامين، بل لقد حافظنا عليها بقدر المستطاع).
ولفت البروف جمال في إفادة رصدتها (الصيحة) أن السعة الاستيعابية للثلاجة (100) والآن العدد تجاوز الـ(1500)، مؤكداً أن الجثامين كلها تم تشريحها ماعدا من 1ـ 1ـ 2021 إلى أبريل 2021، وأضاف: ” لظروف خارجة عن إرادتنا”.