اخبار السودانغير مصنف --

تقرير فولكر أمام مجلس الأمن.. اختلاف زوايا النظر

استمع مجلس الأمن الدولي أمس الأول لإحاطة مفصلة من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، تضمّنت سرداً لكل مجريات تتابع الأحداث في السودان على كل الأصعدة السياسية الأمنية والاقتصادية ومجالات حقوق الإنسان خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، ويأتي تقرير فولكر قبيل الافتتاح الرسمي لفعاليات اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر لها غداً الخميس، وقُوبل تقرير المبعوث بانتقادات من الحكومة، مشيرة إلى أنه حوى معلومات مغلوطة، ورأى مراقبون أن تقرير فولكر هذه المرة حوى تفاصيل دقيقة وتحدث بشفافية حول الوضع الراهن المعقد والمتأزم حتى الآن، برغم أنه نبه لبارقة أمل في إمكانية حدوث اختراق يمكن أن يدفع باتجاه تشكيل حكومة انتقالية تقود البلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة، وأتى التقرير أيضاً متزامناً مع بيان أصدره مجلس النواب على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية مايك مأكول، رحب بمشروع الدستور الإطاري للفترة الانتقالية لنقابة المحامين وجهودهم في اشراك بعض القوى المدنية حوله، من أجل وضع الأساس لبناء حكم مدني في أعقاب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، والذي اعتبره البيان وتقرير فولكر انقلاباً على الحكومة المدنية، وجاء التقرير أيضاً متزامناً مع مباشرة السفير الأمريكي جون قودفيري لمهامه في الخرطوم وشروعه في إجراء اتصالات مع أصحاب المصلحة من القوى المدنية.
صورةٌ قاتمةٌ
رغم إقراره بحدث تغيير منذ مايو المنصرم، إلا أن تقرير الوضع الاقتصادي والاجتماعي استمر في التدهور. وزادت الحوادث الأمنية التي تؤثر على المدنيين في جميع أرجاء البلاد، وبالمقابل ازدادت الاحتياجات الإنسانية بشكل مضطرد وأن التدهور سيستمر ما لم يتم التوصُّل إلى وضع سياسي لإعادة تشكيل حكومة ذات مصداقية تضطلع بوظائفها على نحو كامل بقيادة مدنية، حكومة قادرة على إعادة فرض سُلطة الدولة في جميع أرجاء البلاد وتهيئة الظروف لاستئناف التعاون الدولي، بما في ذلك تخفيف عبء المديونية.
جرد حساب
تقرير فولكر الربع سنوي نبه إلى انّ الانقلاب على مشارف اكتمال العام شهدت خلالها مظاهرات راح ضحيتها 117 شخصًا، فيما أصيب الآلاف في سياق هذه المظاهرات. وفي الوقت نفسه، رغماً عن ذلك تواصلت مساعي تحقيق أهداف الثورة.
تواصلت الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف ثورة أبرزها تشكيل نقابة مستقلة للصحفيين، عبر التنافس الانتخابي، ولفت أيضاً لعودة عناصر من السابق أزاحتهم الثورة، للواجهة من جديد.
قرارات واعدة
التقرير تضمن أيضاً قرار البرهان بعزم الجيش الانسحاب من السياسة. وأمّن عليه نائبه الفريق حميدتي لاحقاً رغم تشكيك البعض، غير أنّ الإعلان خلق زخمًا بين القوى المدنية، وظهر جراؤه عدد من المبادرات الرئيسية كاستجابة لذلك، تهدف إلى التوصُّل لرؤية مدنية مشتركة.
ونبه فولكر إلى مبادرة نقابة المحامين حول مشروع الدستور تجمع طيفًا واسعًا من القوى المدنية حول رؤية واحدة، بما في ذلك أحزاب قوى الحرية والتغيير – اللجنة المركزية التي اعتمدت عليها حكومة رئيس الوزراء السابق حمدوك وأطراف ذات صلة لم يكونوا في تلك الحكومة مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي، وبعض من موقعي اتفاق جوبا للسلام الذين ما زالوا موجودين في مجلس السيادة اليوم، وقال ان الآلية الثلاثة تعمل حالياً على مقارنة الرؤى الدستورية والسياسية التي تم إصدارها عبر مبادرات خلال الفترة الماضية، خاصة وأن الآلية تُحظى بقبول الأطراف بما فيهم الجيش.
وقد أعرب جميع المعنيين تقريبًا، بما في ذلك الجيش على وجه الخصوص، عن رغبتهم في أن يكون للآلية الثلاثية دورٌ من أجل التوصل لحل.
وقال إنه متفائل برغم الاختلافات، لأن هناك إجماعا واسع النطاق الآن على عدة أمور من بينها الحاجة إلى رئيس دولة مدني ورئيس وزراء مستقل ومجلس وزراء من الخبراء أو التكنوقراط لا من قادة الأحزاب. هناك أيضًا إجماع على أنّ قضية العدالة الانتقالية يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات.
وأن الفرصة سانحة لإنهاء هذه الأزمة وعلى القوى العسكرية والمدنية أن تغتنمها.
حالة حقوق الإنسان
أقر التقرير باستمرار تدهور حالة حقوق الإنسان، حيث قُتِل 20 متظاهرًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية وأُصيب ما لا يقل عن 1700 شخص، وأدان التقرير الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، فضلاً عن استهدافها للمرافق الصحية والطواقم الطبية، ولفت التقرير أيضاً لاستمرار العنف مما يدعو للقلق خاصة بدارفور والنيل الازرق رغم اتفاقات المصالحات، غير أنّ استدامة هذه الاتفاقات تبقى غير مُؤكّدة في غياب سلطة الدولة الفعالة، واشار إلى ان غياب الاتفاق السياسي يسهم في عدم تنفيذ اتفاق السلام، وحدد التقرير ١١،٧ مليون شخص يواجهون أزمة الجوع بسبب عدم الاستقرار والكوارث.
وخلص تقرير فولكر إلى أنّ السودان رغم مرور عام من الانقلاب يفتقر إلى حكومة شرعية تضطلع بوظائفها بشكل كامل، وإن انسحاب الجيش
يوفر فرصة سانحة للجيش والقوى السياسية للتوصل إلى اتفاق بشأن المضي قدمًا، غير أن عامل الوقت مهم للغاية، فكلما طال أمد الشلل السياسي، كلما كان من الأصعب العودة إلى المرحلة الانتقالية التي تم تكليف “يونيتامس” بالمساعدة فيها، ودعا كل الأطراف لاغتنام الفرصة والتوصل إلى اتفاق ذي مصداقية بشأن حلّ يتمتع بالشرعية.
معلومات مغلوطة
مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة السفير الحارث إدريس، وجّـه انتقادات لاذعـة لتقرير فولكر بيرتس رئيس البعثة الاممية لدعم الانتقال في السودان أمام مجلس الأمن الدولي أمس، وقال الحارث إن تقرير فولكر احتوى على معلومات مغلوطة ومضللـة عن الأوضاع في السودان تقع خارج تفويض البعثـة الأممية.
واتهم المندوب، فولكر بأنه لم يكن محايداً في تقريره عن السودان. ونبه إلى أن افادات فولكر عن التحرش الجنسي والاغتصاب مبنيـة على بيانات سماعية فقط. وأشار إلى ان بعثة “يونيتامس” حصرت كل جهودها في تنفيذ الانتقال وأهملت الأهداف الثلاثة الأخرى التي تقع ضمن تفويضها، وهي دعم اتفاق سلام جوبا، وتقديم المُساعدات للسودان، والمساهمة في تنفيذ الترتيبات الأمنية. وجدد السفير الحارث، التزام السودان للعمل مع الأسرة الدوليـــة لمعالجـة تحديات الانتقال، كما جدد التزام شركاء الفترة الانتقالية بانتقال سلس وتكوين حكومة انتقالية تفضي لانتخابات حرة وتحول ديمقراطي في السودان.
لم يتجاوز صلاحيته
السفير والخبير الدبلوماسي الصادق المقلي نفى أن فولكر لم يتجاوز ولايته، وقال إن الهدف الأساسي من “يونيتامس” وفق القرار ٢٥٢٤ هو دعم التحول الديمقراطي في السودان، وأن القرار ٢٥٩٤ فوض “يونيتامس” لتسهيل حوار وطني يفضي إلى دعم التحول الديمقراطي، ولا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي في ظل الانقلاب والاحتقان السياسي، وقال المقلي في إفادته لـ”الصيحة” هذا ما ظلت تعمل فيه الآلية الثلاثية المُعترف بها دولياً، من تسهيل للحوار والتوافق الوطني منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، واشار لإشادة فولكر بتخريج القوى الأمنية المشتركة، كما قال إن قرار البرهان في الرابع من يوليو الماضي خلق زخماً لدى القوى السياسية ببروز مبادرات متقاطعة ومتناقضة في رؤاها.. فمثلاً مبادرتا أهل السودان والتوافق الوطني تصران على بقاء المؤسسة العسكرية في السلطة، بالرغم من أن الأخيرة قالت خلاف ذلك، أما المبادرة الأخرى للجنة تسيير المحامين والتى صاغت مشروعاً لدستور الفترة الانتقالية بالإضافة إلى قوى سياسية وثورية أخرى ترفض أي شراكة وأي دور للمؤسسة العسكرية في السلطة.
وقال المقلي، فولكر شهد بما سمع وبما رأى بأم عينيه، فحديثه عن انتهاكات حقوق الإنسان واستمرار استعمال السلطات للعنف المفرط ضد المتظاهرين وقتل أكثر من 117، وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف شاب، معلومة رصدتها بالأسماء لجنة الاطباء المركزية و لم تنفيها السلطات التى عجزت عن كشف مرتكبي جرائم القتل وسط المُحتجين ونسبت التُّهمة إلى طرف ثالث، وأضاف وحتى لجان التحقيق حول هذه الأحداث ما برحت حبيسة الأدراج، ولم تكن سوى جرعة لتسكين غضب أسر الشهداء. وتابع المقلي أما الحديث عن فشل فولكر في دعم اتفاق السلام والعمل على حشد الدعم الدولي لإنفادها، قال إنّ تنفيذ اتفاقية السلام مُهمّة مُكلّفة ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في وجود تعليق المُساعدات الدولية عن السودان، وهذا القرار لا شأن لفولكر فيه، فهو مجرد موظف دولي مهامه محددة في قراري مجلس الأمن 2524 و٢٥٩٤، لدعم التحول الديمقراطي والتوافق الوطني، ولا سبيل لتحقيق ذلك في ظل الأزمة السياسية الراهنة وهذه الظروف غير المواتية من عدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني.. ولذلك لا أرى سنداً تقوم عليه اتهامات المندوب الدائم لفولكر في هذه الجزئية.. فالمسؤول الأول والأخير عن عجز الدولة في إنفاذ اتفاقية السلام هي هذه العزلة الدولية والإقليمية وتعليق المساعدات من المجتمع الدولي.. وذلك لشح موارد الدولة التي لم يكن لها من مصدر غير الجبايات وجيب المواطن، كما أقر بذلك وزير المالية نفسه..!
قول الحقيقة
الخبير في العلاقات الدولية البروفيسور عبده مختار قال كل الذين تم تعيينهم مؤخراً لا يتوقع منهم قول الحقيقة، واضاف هذه الفترة الانقلابية هي فترة حكم سلطوي لا نتوقع من ينتمي لها أن يقر ويعترف بانتهاكات حقوق الإنسان وقتل المتظاهرين السلميين. وقال هؤلاء لا يمثلون الثورة ولا الشعب، بل يمثلون السلطة الانقلابية المسيطرة على الأمور الآن في البلاد، فلا يملكون شيئا غير الدفاع عن هذه السلطة العسكرية الانقلابية.
ظلمٌ
الخبير في العلاقات الدولية عبد الرحمن أبو خريس اعتبر تقرير فولكر جاء في مرحلة وتوقيت مهمين بعد تسلم السفير الأمريكي لمهمته بالخرطوم ومباشرة سفير السودان بواشنطن لمهامه، غير أن أبو خريس وصف تقرير المبعوث بغير المتوازن، واشار إلى أنه تغافل عن الخطوات الإيجابية التي اتخذها في الرابع من يوليو وغيرها من خطوات ولم يبرز بشكل كافٍ مبادرات القوى السياسية، وأبرزها مبادرة الجد، ولفت الى أنه رغم ما يثار بشأنها إلا أنها وجدت زخما وتكتلت خلفها العديد من القوى المدنية، وأضاف ابو خريس في افادته “للصيحة” أن فولكر ظلم الجهد الداخلي، وقال هنالك العديد من المبادرات والحراك تتطلب الإبراز وعكسها واخضاعها للتحليل وعرض المواقف للمجتمع الدولي، واشار إلى أن التقرير خلا من عكس حجم المساعدات المادية واللوجستية التي قدمتها البعثة للقوى المدنية من أجل تحقيق التحول الديمقراطي، ولفت الى أن فولكر عكس جهود بعثته للمجلس بغرض إعطاء مؤشرات باستمرار عمل البعثة والتمديد لها.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى