يوصف الذهب دائما بأنه الملاذ الآمن، خاصة في ظل الأزمات التي تُلم بالاقتصادات الإقليمية أو العالمية، وعاش الاقتصاد العالمي مع نهاية عام 2019 أزمة جائحة فيروس كورونا، ثم جاءت أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا؛ لتضعا العالم أمام أحداث كبرى، من بينها مستقبل الدولار كعملة للتسويات الدولية في التمويل والتجارة.
وأعلنت روسيا أنها ستعتمد عملتها المحلية لتسوية صادراتها النفطية مع دول بعينها، كما نشرت بعض وسائل الإعلام أن السعودية تدرس إمكانية تسوية جزء من صادراتها النفطية للصين بالعملة الصينية، وهناك تعاملات تتم بين بعض الدول في ما يخص التجارة الخارجية بالعملات المحلية.
وواكبت ذلك أزمة الطاقة، التي تفجرت بعد النصف الأول من عام 2021، إذ أدى ذلك إلى رفع معدلات التضخم في أغلب اقتصادات العالم، فضلا عن انخفاض القيمة الشرائية للعديد من عملات الدول الناشئة، وهو ما شجع على الاتجاه لزيادة الطلب على الذهب من قبل الحكومات والأفراد؛ وبالتالي ارتفاع سعره في السوق الدولية.
وحسب تقرير مجلس الذهب العالمي في يناير/كانون الثاني 2022، فإن الطلب على الذهب عام 2021 ارتفع بشكل ملحوظ، وبلغ 4021 طنا، وشمل الطلب مختلف جوانب مكونات الشراء، سواء بالنسبة للسبائك الذهبية التي ارتفع الطلب عليها بنسبة 31%، وهو المستوى الأعلى منذ 8 سنوات عند مقدار 1180 طنا، كما زاد الطلب على المجوهرات ليصل إلى 2124 طنا، ليطابق ما كان عليه الطلب عام 2019، كما سعت البنوك المركزية لزيادة أرصدتها، بإضافة 463 طنا.
مستقبل الطلب على الذهب
يمكن وصف الوضع الحالي للحرب الروسية على أوكرانيا بأنها حالة استنزاف للطرفين؛ روسيا من جهة وأوروبا وأميركا من جهة أخرى، ومن هنا فنحن أمام سيناريوهات مفتوحة، لكن أبعاد هذه السيناريوهات أن يتم التوصل لحل سياسي في الأجل القصير.
وبناء على ذلك ستبقى مشكلة الطاقة متأججة، وتصاحبها أزمة الغذاء، وهو ما يعني بقاء معدلات التضخم مرتفعة، وكذلك استمرار المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، وكذلك بقاء حالة الترقب حول نظام عالمي نقدي جديد، يحاول التخلص من ربقة الدولار.
ولن يكون أمام الأفراد أو الحكومات سوى التوسع في اقتناء الذهب، للحفاظ على قيمة مدخرات الأفراد، أو تقوية أرصدة الاحتياطات لدى البنوك المركزية، وسوف يساعد ذلك على استمرار سعر الذهب مرتفعا، خلال المرحلة القادمة.
أما إذا تم التوصل لحل لقضية الطاقة، وتخفيض أسعار النفط والغاز في السوق الدولية، لما كانت عليه قبل النصف الثاني من عام 2021، سواء كان ذلك بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، أو وسيلة أخرى؛ فسوف تنخفض أسعار الذهب بمعدلات كبيرة.
والجدير بالذكر أن أسعار الذهب يوم الاثنين 18 أبريل/نيسان 2022 كانت عند 2001 دولار للأونصة للعقود الآجلة، و1994 دولارا للأونصة للعقود الفورية.
كيف يتحدد سعر الذهب في السوق الدولية؟
الذهب شأنه شأن باقي السلع التي يتم التداول عليها، تحدد سعره حركة العرض والطلب، وهناك عدة محددات لسعر الذهب في السوق الدولية؛ منها رواج بعض الأنشطة الاقتصادية وارتفاع الأرباح فيها؛ فمثلًا لو كانت سوق المال تحقق أرباحا عالية، والمخاطرة فيها قليلة، ينخفض سعر الذهب لأن المستثمرين أو المدخرين يتخلصون مما لديهم من الذهب للاستفادة من هذه الفرصة.
كذلك إذا منحت البنوك أسعار فائدة تفوق معدلات التضخم، وتساعد على ارتفاع قيمة القوة الشرائية للنقود، ينخفض سعر الذهب، فيتخلص المدخرون مما لديهم من ذهب، ليستفيدوا من سعر الفائدة المرتفع.
أيضا سياسة البنوك المركزية في الزيادة أو التخلص مما لديها من أرصدة من الذهب؛ فإذا رأت البنوك المركزية أنها بحاجة لسيولة، وقامت بالتخلص من بعض أرصدتها الذهبية، فسينخفض سعر الذهب.
وحدث ذلك بالفعل عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث تخلصت نسبة ليست بالقليلة من البنوك المركزية على مستوى العالم من بعض أرصدتها من الذهب لحاجتها للسيولة، بل فعل ذلك صندوق النقد الدولي، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار الذهب بنسبة ملحوظة.
وبعكس هذه الاتجاهات يتحقق رفع سعر الذهب، فاضطراب أسواق المال، أو تراجع أسعار الفائدة لأقل من معدلات التضخم بنسبة كبيرة، أو اتجاه البنوك المركزية لزيادة أرصدتها من الذهب، يؤدي كل ذلك إلى زيادة الطلب على الذهب، وبالتالي زيادة أسعاره في السوق المحلية أو الدولية.
العلاقة بين الذهب والنفط
في ظل الظروف الطبيعية، وبعيدا عن الأزمات والحروب، كان السائد هو وجود علاقة عكسية بين سعري النفط والذهب في السوق الدولية؛ فعندما كان يهبط سعر النفط يقوم المضاربون بتحويل أموالهم من سوق النفط إلى الذهب، فيزيد الطلب فيرتفع السعر، والعكس صحيح؛ عندما يرتفع سعر النفط يسحب المضاربون أموالهم من سوق الذهب ليتجهوا بها لأسواق النفط، فكان المعروض من الذهب يزيد؛ فيقل السعر.
أما ما يحدث في ظل استمرار أزمة الطاقة والغذاء منذ النصف الثاني من عام 2021، وكذلك التداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، فنحن أمام معادلة جديدة، تعدّ استثناء وليست أصلا، إذ تستمر أسعار كل من الذهب والنفط في حالة ارتفاع، لتوجد علاقة طردية بين سعري النفط والذهب.
كبار المنتجين والمصدرين
وفق ما هو منشور من بيانات عن مجلس الذهب العالمي، فإن العلاقة بين كبار المنتجين للذهب وكبار حائزيه ضعيفة؛ ففي الوقت الذي نجد فيه أن قائمة الخمسة الكبار من منتجي الذهب سنويًا تضم: الصين (368 طنا)، وروسيا (331 طنا)، وأستراليا (327 طنا)، وأميركا (190 طنا)، وكندا (170 طنا)، نجد أن قائمة الخمسة الكبار من حائزي الذهب تضم: أميركا (8133 طنا)، وألمانيا (3359 طنا)، وصندوق النقد الدولي (2814 طنا)، وإيطاليا (2451 طنا)، وفرنسا (2436 طنا).
ولكن هذه البيانات رغم أهميتها، فإنه يمكن الذهاب إلى أسباب قلة الإنتاج في بعض الدول لعدم وضع عملية الإنتاج ضمن أولوياتها، إما لاعتبارات اقتصادية، أو لاعتبارات إستراتيجية لاحتفاظها بالخام في أراضيها لأكبر فترة ممكنة، كما هو الحال في أميركا.
كما أن الدول المنتجة الكبيرة مثل الصين وروسيا قد ينظران لعملية الإنتاج على أنها أحد الموارد المهمة لزيادة الدخل، خاصة أنها سلعة مطلوبة، ويمكنها أن تولد فرص عمل مستمرة، سواء كانت فرص عمل مباشرة أو غير مباشرة، لأن عملية الإنتاج تتبعها عمليات أخرى؛ من تصنيع أو تجارة، سواء للخام أو المشغولات، أو لاعتبارات الاستخدام لشرائح الذهب في أشباه المواصلات التي تستخدم في الهواتف والحواسب الحديثة.
الذهب عربيا
تظهر البيانات المنشورة أن الدول العربية الخمس الكبرى الحائزة للذهب هي 4 دول نفطية، ودولة واحدة غير نفطية هي لبنان، والدول الخمس الكبار الحائزة للأرصدة الذهبية هي: السعودية (323 طنا)، ولبنان (286 طنا)، والجزائر (173 طنا)، وليبيا (116 طنا)، والعراق (96 طنا).
حتى أن مصر تتقدم دول عربية نفطية في حيازة الرصيد الذهبي؛ فمصر لديها 80 طنا من الذهب، في حين تمتلك الكويت 78 طنا، ثم قطر 56 طنا، ثم الإمارات 55 طنا.
ويمكن تفسير ذلك بأن عملات دول الخليج جميعًا مرتبطة بالدولار ومستقرة منذ سنوات طويلة، وقد يكون عدم إقبالها على زيادة أرصدتها من الذهب راجع لاستقرار عملتها، التي تحميها التدفقات النقدية الدولارية من صادرات النفط، وكذلك امتلاك هذه الدول أرصدة كبيرة من النفط والغاز.
أما من حيث تجارة الذهب، فتعد الإمارات هي الدولة الأكبر من حيث استيراد وتصدير الذهب والماس والأحجار الكريمة، ولكن من الملاحظات التي ينبغي أن نلفت النظر إليها أن التجارة في هذه السلع من الأبواب الواسعة لعمليات غسل الأموال بشكل عام في جميع دول العالم.
أنواع الذهب
ثمة عدة تصنيفات لأنواع الذهب في مختلف عمليات التعامل عليه، فمثلا من حيث تصنيفه كخام أو مشغولات ذهبية، أو من حيث كونه سبائك أو عملات للدول من الذهب الخالص، أو من حيث نوع الخام، إذ توجد 4 أنواع، أنقاها الذهب الأصفر، ثم الذهب الأبيض، ثم الذهب الوردي، ثم الذهب الأخضر، وتختلف هذه الأنواع من حيث نسب خلط الذهب بمعادن أخرى كالنحاس أو البلاتين أو البلاديوم، أو الفضة.
أما من حيث الأنواع التي يحدد بها سعر الذهب بناء على نقائه أو نسبة الذهب في المشغولات، فهناك ما يعرف بالقيراط كمحدد لصفاء نوع الذهب، ومنها الأنواع الآتية: قيراط 24، و21، و18، و14.