الراى السودانى
في مطلع يناير 2022، أبدى رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان، حرصه على استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية وتعيين رئيس وزراء مدني، عقب استقالة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، جاء ذلك لدى لقائه، مبعوث رئيس دولة جنوب السودان، ومستشار شؤون الرئاسة كوستيلو قرنق بالقصر الرئاسي بالخرطوم. في نفس الوقت أكد لدى لقائه رئيس بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) فولكر بيرتس، على ضرورة الإسراع بتعيين رئيس وزراء جديد خلفاً للمستقيل عبد الله حمدوك. ويبدو أن البرهان مواجهٌ بضغوط داخلية وخارجية من اجل تشكيل حكومة مدنية، خاصة أن الوقت قد مضى وبدأت سلبيات غياب الحكومة المدنية تظهر على مسرح الحياة العامة، وبالتالي يبدو أن البرهان سيتّجه الى تشكيل حكومة مدنية بمن حضر من القوى السياسية والمدنية, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون بتلك الحكومة نهاية للأزمة السياسية؟ أم بداية لأزمة جديدة أم استمرار للأزمة بصورة متجددة؟ كل الأسئلة مطروحة.
أشياء مطروحة
قال بعض المحللين، إنّ الدافع الأبرز للاجتماع الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ووفد من الجبهة الثورية هو التوافق على تعيين رئيس وزراء للحكومة الانتقالية للبدء في مُناقشة قضايا عديدة بما فيها الانتخابات.
كما كشفت مصادر تابعة للاتحاد الأفريقي أن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان طمأن الاتحاد بأن كافة الإجراءات لتعيين حكومة تكنوقراط، واختيار رئيس الوزراء قد اكتملت في الاجتماع الأخير مع أطراف العملية السلمية الموقعة لاتفاق جوبا لسلام السودان. وأكدت المصادر ان الاجتماع حسم شكل الحكم، والجهات التي تشكّل منها المجلس التشريعي الانتقالي، ومفوضية الانتخابات ومفوضية الترتيبات الأمنية، وإنشاء مفوضية مكافحة الفساد بديلاً للجنة إزالة التمكين للخروج من حالة التوهان السياسي إلى بر الأمان والاستقرار.
وفي السياق، أكد العميد الدكتور الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة، تشكيل واقع سياسي جديد خلال الفترة القادمة بالاستفادة من كل المُبادرات الوطنية الخَالصة التي تقودها الكيانات والجهات السودانية الحادبة على مصلحة السودان واستقراره والعاملة على إنجاح الفترة الانتقالية، وأضاف أنّ تشكيل الحكومة القادمة بكوادر خلاقة همّها السُّودان، أمرٌ يمثل رغبة وخيارات الأغلبية الصّامتة التي تأذّت من الفوضى والهمجية السياسية.
فراغٌ داخليٌّ
ويرى المحلل والصحفي هاشم عبد الفتاح ان المشهد الآن يجسد واحدة من أزمات الحكم في بلادنا، لأننا نشهد فراغاً سياسياً داخلياً ودستورياً، لذلك نجد المصاعب والأزمات التي نشهدها على المستوى السياسي والاقتصادي. ونظر عبد الفتاح إلى أن المشكلة ليست في تشكيل الحكومة بمن حضر، وانما في قبول التكليف وقبول الطرف الآخر في الشارع السياسي الذي يرفض التعامل أو الحوار مع المكون العسكري ومازال يرفع راياته الثلاثة في وجه المجلس السيادي، وقال لـ(الصيحة) لا أظن أن المسألة يمكن ان تمضي بالسلاسة او بالبساطة التي يتصوّرها البعض، ولا أظن أن تقبل أي شخصية بمقعد رئيس الوزراء في ظل الانقسام الكبير والتباين في وجهات النظر، ومضى بالقول إن واحدة من اسباب مغادرة حمدوك وتقديمه لاستقالته هو تشظي المكون المدني وغياب الرؤية الموحدة بين المكونات السياسية.
كبيرة وعميقة
ويقول عبد الفتاح إن البرهان سيلجأ الى خيار الأمر الواقع بفرض تشكيل الحكومة بمن حضر من القوى السياسية والمدنية رغم كل الظروف، ويبدو أن الرؤية قد تكون مقبولة أمام الرأي العام الخارجي الذي يريد حكومة مدنية بغض النظر عن ماهية وما لونها في مقابل استئناف المساعدات للسودان، وفي ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة والمشاكل السياسية الكبيرة فإن تشكيل الحكومة بمن حضر قد تجد رواجاً من الخارج عطفاً على حالة الانسداد في الأفق السياسي داخلياً حتى تتخطّى البلاد الأزمات الحالية.
العجز عن تشكيل حكومة
يرى المحلل السياسي محمد أحمد علي في حديثه لـ(الصيحة)، ان المكون العسكري في المجلس السيادي لجأ الى معالجات لم تثمر واستمرت لأكثر من خمسة اشهر رغم ان البرهان منذ استلامه مقاليد الحكم أعلن في خطابه بوضوح بأنه سيعلن رئيس وزراء مقبول لدى الشارع والقوى السياسية بعد ان حدد أهداف وفترة وما تبقى من الفترة الانتقالية، ولكن كل ذلك ذهب ادراج الرياح ومازال حتى اليوم عاجزاً عن تشكيل الحكومة، خاصة وان البلاد تعاني فراغاً دستورياً وتنفيذياً انعكس على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، واخطر ما في ذلك تدهور الأوضاع الأمنية، ما يضع البرهان أمام خيار واحد هو المضي في تشكيل الحكومة بمن حضر للخروج من عنق الزجاجة التي أدخل فيها البلاد، ويتساءل ولكن هل ستجد الحكومة التي مازالت في رحم الغيب القبول من الشارع الحي الممثل في لجان المقاومة وتجمع المهنيين؟ أم يضع أي تشكيل قادم في باب المواجهة مع الشارع.؟