تقرير: أميرة الجعلي
أثارت الانباء التي تحدثت عن اعتزام رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تقديم استقالته مساء امس الاول التي صدرت في شكل تسريبات اعلامية من قبل مكتبه لبعض الوكالات والقنوات الاجنبية المقربة من الرجل، أثارت ردود فعل واسعة، حيث قلل البعض من التسريبات واعتبرها بالونة اختبار، وقالوا ان الرجل ليست لديه القدرة على القيام بهذه الخطوة، فيما دعم البعض الآخر الخطوة باعتبار ان الرجل فشل سياسياً في ادارة الفترة الانتقالية، كما أنه فقد السند الشعبي بعد عودته مجدداً لمنصبه بعد (٢٥) أكتوبر الماضي وفقاً للاتفاق السياسي بينه وبين رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، كما انتقد البعض الآخر تسريب خبر الاستقالة في الإعلام، ورأوا ان الرجل إذا كان جاداً في خطوته كان عليه اتخاذها فوراً دون التمهيد لها، وأشاروا الى ان خطوة تسريب الاستقالة دليل على تردده وعدم قدرته على اتخاذ اية قرارات مصيرية، ولم تمض ساعات وتسربت انباء اخرى عن تراجعه عن الخطوة، لذلك مازال السؤال مطروحاً هل يتجرأ حمدوك هذه المرة ويقدم استقالته فعلياً ام سيستمر في منصبه ومواصلة مهامه .
العودة وتعقيدات الوضع
والآن مضى شهر على عودة حمدوك مجدداً لمنصبه رئيساً للوزراء، ولكن يرى المراقبون انه خلال هذا الشهر لم يفعل الرجل شيئاً ولم يتخذ اية خطوات عملية على أرض الواقع، كما أنه فشل في تكوين حكومته رغم انه اعلن منذ عودته انه سيتم تكوينها خلال اسبوعين، وبحسب المراقبين فإن عودة حمدوك لم تحقن الدماء كما برر لعودته مجدداً، واوضحوا ان المشهد السياسي في السودان زاد تعقيداً وتفجرت الصراعات بين مكونات المجلس المركزي للحرية والتغيير، كما أن المجتمع الدولي حتى الآن ظل مراقباً فقط للاتفاق السياسي الذي رحب به، لكنه لم يفك العزلة التي اتخذها بعد إجراءات (٢٥) أكتوبر.
سلك يعلق
وكتب خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء السابق تعليقاً على استقالة حمدوك قائلاً: (بغض النظر عن صحة الأنباء التي راجت عن استقالة د. عبد الله حمدوك من عدمها، فقد لفت انتباهي خبر نشرته الصحافية المدققة أ. مها التلب، ذكرت فيه أن سبب الاستقالة هو عدم توافق القوى السياسية، كما اتصل بي صحافي أجنبي من إحدى كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية مستفسراً عن صحة أخبار وصلته بأن سبب استقالة د. عبد الله حمدوك هو تخاذل الحرية والتغيير عن دعم خطواته الأخيرة).
وقال عمر: (إن الأزمة الحالية هي نتاج مباشر للانقلاب العسكري، وتكرار الحديث عن القوى السياسية وعدم توافقها هو في الأصل تماهٍ مع خطاب الانقلابيين وتبرير لما اقترفوه من جرم في حق البلاد).
لم يعد رقماً مؤثراً
اما القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار فقد اكد لـ (الانتباهة) ان استقالة حمدوك من عدمها اصبحت لا تعني الثوار في شيء وليست قضية بالنسبة لهم، واوضح ان الرجل بعد (21) نوفمبر وضع في خانة الصفر على الشمال، وقال ان الثوار يضعون حمدوك والبرهان في خانة واحدة، وان الحرية والتغيير بشقيها (أ ـ ب) يتحدثون عن شراكة مع العسكر، واضاف ان الشارع تخطى مسألة الشراكة.
واعتبر كرار الاستقالة كرت ضغط يريد حمدوك استخدامه ليحتفظ ببعض ماء الوجه امام القوى التي صنعت الثورة، واضاف قائلاً: (ان كان كرت ضغط وتهديد فلن يعمل في ظل هذه الظروف، وحتى ان استقال وذهب فإنه بالنسبة للثورة لم يعد رقماً مؤثراً).
بالونة اختبار
ويقول مراقبون انه رغم التسريبات الصحفية عن رغبة حمدوك في الاستقالة من منصبه رئيساً للوزراء، الا ان مواقف الرجل السياسية لا تبعث على اليقين من خطوته القادمة، اذ من المرجح ان تكون بالونة اختبار لمعرفة ردود فعل الشارع السياسي المنقسم على نفسه، وقالوا بالرغم من عودة حمدوك الى منصبه رئيساً للوزراء عقب توقيعه على الاعلان السياسي، الا ان العجز السياسي اصبح هو السمة البارزة لاداء الرجل، خاصة مع استمرار التظاهرات الشعبية الرافضة للاعلان السياسي واجراءات البرهان الصادرة في (٢٥) اكتوبر الماضي.
زاد الطين بلةً
وبحسب المراقبين فقد زادت الطين بلة استجابته وتسلمه مسودة الميثاق السياسي الذي قدمته مجموعة من الحرية والتغيير، واشتمل الميثاق على تراجعات كبيرة عما وقع عليه حمدوك في الاعلان السياسي مع البرهان. واضطر حمدوك لاصدار بيان عقب ضغوط من المكون العسكري اعلن فيه ان الميثاق السياسي قيد التشاور مع اطراف العملية السياسية. واجرى حمدوك مزيداً من الاجراءات التي تختص بتعيينات الخدمة المدنية اعاد فيها كل من اعفاه البرهان وفق قرارات (٢٥) اكتوبر. وبدا الأمر كأنه مراجعات وتراجعات عن كل قرارات البرهان الذي قال في خطابه امام الخريجين في اكاديمية نميري العسكرية انه لا تراجع عن القرارات التي اصدرها.
لكن مع مظاهرات (١٩) ديسمبر التي شهدت استشهاد اثنين من الثوار مع اتهامات اخرى وجد حمدوك نفسه في موقف حرج، حيث انه اعلن ان عودته لحقن دماء الثوار والمحافظة على انجازات الثورة، لكن مع استمرار المواجهات ووقوع ضحايا يعجز حمدوك للمرة الثانية عن تحقيق اهدافه التي اعلنها بمناسبة عودته لمنصبه.
وترافق مع ذلك تذمر وسط المكون العسكري لبطء حمدوك في تكوين حكومة الكفاءات المستقلة التي قال انها تتطلب توافقاً سياسياً.
الاستقالة الخيار الأنسب
ويرى المراقبون انه مع استمرار الازمة السياسية وعجز حمدوك عن تكوين الحكومة وتردده في اتخاذ اي قرار سياسي سوى تعيينات الخدمة المدنية واعادة منسوبي الحرية والتغيير، فإن خيار الاستقالة هو الانسب، لأنه سيفتح الباب لاختيار شخصية جديدة تتميز بالقدرة على اتخاذ القرار وتكوين حكومة مستقلة وبعيدة عن نفوذ قوى الحرية والتغيير، كما ان استمرار حمدوك يعني استفحال الازمة السياسية وخروج الفترة الانتقالية من مسارها.
ارتياح وسط القوى السياسية
وفي ذات الاثناء علمت (الإنتباهة) ان استقالة حمدوك وجدت ترحيباً من بعض القوى السياسية المستندة لقرارات البرهان، كما وجدت ارتياحاً وسط بعض اعضاء مجلس السيادة. لكن في المقابل تعارض بعض القوى السياسية استقالة حمدوك لانها ستقوي نفوذ المكون العسكري، كما سيصعب الاتفاق على رئيس وزراء جديد.
وتؤكد مصادر لـ (الانتباهة) ــ رفضت ذكر اسمها ــ ان المجتمع الدولي رغم حرصه على عودة حمدوك الا ان استقالته تمثل مخرجاً للأزمة السياسية الراهنة، شريطة اختيار شخصية تحظى بموافقة ودعم القوى السياسية والثورية, وترجح بعض المصادر تراجع حمدوك عن استقالته تحت دعاوى الضغوط الداخلية والخارجية، الا ان استمراره يعني تواصل الازمة السياسية واعادة بروز الخلافات على السطح من جديد.
لا رصيد له في البقاء
فيما يرى المحلل السياسي حسن الساعوري في حديثه لـ (الانتباهة) أن حمدوك اصبح كرتاً محروقاً في الشارع ولدى الحرية والتغيير الجانحين، واضاف قائلاً: (ربما بدأ المجتمع الدولي يراجع موقفه منه)، واكد ان حمدوك اصبح لا رصيد له في البقاء.
واشار الساعوري إلى ان هناك شللاً حكومياً، واضاف قائلاً: (هو رئيس وزراء ولم يستطع فعل شيء ولا يمكن استمراره هكذا، واذا كان الرجل عاجزاً عن العمل عليه ان يذهب)، لافتاً الى انه فقد شعبيته والتنظيمات والمجتمع الدولي ولم يقدم الا فشلاً، لكنه استدرك في ذات الوقت ان تكون الانباء التي راجت عن استقالته تهديداً للمكون العسكري.