الخرطوم: هنادي النور ــ هالة حافظ
تعكف وزارة المالية والطاقة هذه الأيام على دراسة زيادة أسعار المحروقات، وعزت ذلك الى ارتفاع سعره عالمياً، والشاهد أن حكومة الفترة الانتقالية في نسختها الأولي قامت بتحرير جزئي في الثاني من أبريل 2020م، حيث قفزت بسعر المحروقات بنسبة 400%، وفي التاسع من يونيو من العام الحالي تخلت الحكومة في نسختها الثانية عن دعم الوقود وترك تحديد سعره وفقاً للاسعار العالمية، وقالت وزارة المالية وقتها في بيان لها إن السودان حرّر أسعار البنزين والديزل بالكامل، مضيفة أن الأسعار السابقة ستُلغى وستُطرح بدلاً منها أسعار جديدة قالت إنها تتماشى مع تكاليف الاستيراد، وتعد الخطوة ضمن الإصلاحات الصارمة التي طبقتها الحكومة بمراقبة صندوق النقد الدولي على أمل إنعاش اقتصاده والحصول على إعفاء من الديون واجتذاب التمويل، والثابت أن هذه الإصلاحات صعدت بمعدل التضخم السنوي إلى 363 في المئة في أبريل وارتفاع كبير في الأسعار، وقال البيان إنه وفقاً للتكاليف الحالية فإن سعر البنزين تحدد عند 290 جنيهاً سودانياً للتر ارتفاعاً من 150 جنيهاً. وتحدد سعر الديزل عند 285 جنيهاً للتر، ارتفاعاً من 125 جنيهاً. وأضاف البيان أن القرار وجه بتكوين لجان متخصصة لدراسة كيفية توفير دعم مباشر لقطاعات الزراعة والكهرباء والمواصلات لتعويض هذه القطاعات عن عبء ترشيد دعم الوقود. وقال إن سياسة تحرير أسعار الوقود التي أتت متأخرة جداً كفيلة بإزالة العديد من التشوهات في الاقتصاد، حيث تنفق الدولة حوالى المليار دولار سنوياً كدعم للمحروقات.
وفي مطلع يوليو أعلن وزير الطاقة السابق جادين علي أن حكومة السودان رفعت أسعار الوقود للمرة الأولى منذ رفع الدعم. وقال: (هذه الزيادة الطفيفة في الأسعار جاءت وفق التقييم الشهري لأسعار البنزين والديزل، وقد تمت وفق الأسعار العالمية). وأضاف قائلاً: (إذا انخفض السعر العالمي الشهر المقبل، سيتم خفض الأسعار، وهذه سياسة تطبق في معظم دول العالم)، وارتفع سعر البنزين من 290 جنيهاً سودانياً للتر إلى 320 جنيهاً، في حين صعد سعر الديزل إلى 305 جنيهات للتر من 285 جنيهاً، حسبما نقلت (رويترز) عن شاهد.
وقرابة خمسة أشهر ظل سعر الوقود ثابتاً عند 1300 جنيه لجالون البنزين و1282 لجالون الجازولين في التاسع من يوليو الماضي، وسط صعوبات اقتصادية بالغة وتوقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 500 بالمئة، وخروج العديد من الأعمال عن دائرة الإنتاج.
ووفقاً للبيان فإن الأسعار الجديدة تخضع لتكلفة الاستيراد التي تشكل ما بين 71 بالمئة إلى 75 بالمئة من سعر الوقود، مضافة إليها تكاليف النقل ورسوم الموانئ وضريبة القيمة المضافة وهامش ربح شركات التوزيع، وهذه التكاليف تشكل مجتمعة ما بين 25 بالمئة و 29 بالمئة من سعر البيع المستهلك.
وفي المقابل اكد محافظ مشروع الجزيرة السابق عمر مرزوق لـ (الانتباهة) انه حال تمت زيادة اسعار الوقود فإن ذلك سيؤثر حتماً بصورة سلبية في موسم الحصاد الصيفي وتحضيرات الموسم الشتوي في جميع مدخلات الانتاج وارتفاع التكاليف.
ومن المتوقع أن تتمثل زيادة الوقود في رفع معدلات التضخم الذي بدا في التراجع بسبب استقرار التكاليف الإنتاجية والخدمية، ويشير مصدر باحدى الشركات الحكومية الى ان آخر تسعيرة كانت في شهر يوليو، حيث بلغ سعر برميل الجازولين اكثر من 76 دولاراً، وخلال شهر اكتوبر بلغ 91،9 دولار ومنذ شهر نوفمبر وحتى الآن بلغ سعر برميل الجاز 92،06، ونبه الى وجود زيادة كبيرة في السعر العالمي رغم استقرار سعر الصرف، مشيداً بمحفظة السلع الاستراتيجية التي قامت بدورها بكفاءة عالية وساهمت في تثبيت سعر الصرف، ولكن السعر العالمي به زيادة كبيرة وهذا يساهم في زيادة المنتج، مبيناً ان سعر الرسوم الحكومية ما بين 20% الى 22% منها 17% رسوم ضرائب و3% جمارك و 2% رسوم متشابهة.
وقطع بان الاسعار المحلية سوف تزيد خاصة بعد زيادتها عالمياً، وبذلك يكون تم تنفيذ مبدأ التحرير، واردف قائلاً: (اذ الدولة تبنت مبدأ التحرير يجب ان تحرر السعر للمنتج، لجهة ان منتج المصفاة لا يكفي الاستهلاك)، واشار الى ان جميع البواخر التي تم استيرادها من الخارج جاءت باسعار عالية، ولكن تحاول المجموعة الحكومية مع الدول الاخرى اجراء مباحثات وصولاً لتسوية ومفاهمات بالا تكون بنفس السعر العالمي، وانما الوصول الى حل وسط لكي لا يتأثر المواطن بالزيادة، الا انه افاد بانه لم يتم التوصل حتى الآن الى اتفاق.
فيما قال مصدر بالشركات الخاصة ان الوقود عالمياً مرتفع، ولكن محلياً الزيادة تسيطر عليها الدولة من خلال انتاجها بالسعر القديم، واشار في حديثه لـ (الإنتباهة) الى ان الاستيراد تأثر باغلاق الميناء، ولكن حال تم ذلك بالتأكيد ستكون هناك زيادة.
وفي ذات السياق اكدت احدى شركات القطاع الخاص ان هنالك زيادة كبيرة عالمياً ولكن محليا لم تظهر بعد، واردف قائلاً: (في انتظار تدخل الدولة لجهة ان السودان يعتبر ارخص سعر في البورصة)، مطالباً الدولة في حديثه لـ (الإنتباهة) بضرورة مراجعة الرسوم المفروضة على الشركات، ونبه الى انه في حال لم تتم الزيادة سوف تتوقف بعض الشركات عن الاستيراد.
فشل ذريع
ويتوقع مراقبون اقتصاديون انعكاسات كارثية على المستهلك في حال رفع أسعار الوقود بنسبة عالية، لجهة أن أكثر من 60% من السودانيين يعيشون حالياً تحت خط الفقر، وسيتأثرون أكثر بهذه الزيادة التي ستنعكس مباشرة في تكلفة النقل، وبالتالي أسعار السلع والخدمات الاساسية، لاسيما أنه قبل الزيادة كان المستهلك يعاني كثيراً من أجل توفير احتياجاته الأساسية، ومن المؤكد أن الزيادة الحالية ستفاقم الأوضاع وتزيدها سوءاً.
ويقول الخبير الاقتصادي كمال كرار ان اية زيادة في اسعار المحروقات الآن ستكون نتيجة لحزمة الاجراءات الاقتصادية للعامين الماضيين، واشار في حديثه لـ (الانتباهة) الى ان تلك الزيادات ساهمت في ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي، فضلاً عن ان المحروقات تدخل في القطاعات الانتاجية والخدمية، الا ان اية زيادة فيها تؤثر سلباً في هذه القطاعات، واضاف قائلاً: (ان الاتجاه الذي ساد في الفترة السابقة برفع يدها عن دعم المحروقات واستيرادها وتركها للقطاع الخاص اضر ضرراً كبيراً بالاقتصاد خاصة بمتوسطي ومحدودي الدخل، لتأثير ذلك في حركة النقل)، واردف قائلاً: (الزيادات التي طبقت بحجة رفع الدعم لم تتم اضافتها في الميزانية للصحة او التعليم او حتى التنمية)، وذكر بأنه اذا كان الغرض من رفع الدعم في السابق توفير مبالغ لكي تذهب الى التنمية فقد فشل هذا الهدف فشلا ذريعاً، وتابع قائلاً: (الآن يتم التحدث عن رفع الدعم مرة اخرى، رغم ارتفاع الاسعار في الاصل بصورة كبيرة فوق طاقة المواطن والقطاعات الانتاجية بشكل كبير)، وقطع بأن اية زيادة تعتبر صباً للزيت على النار في ما يتعلق بالتضخم وغلاء الاسعار، وبالتالي ضرب الاقتصاد في مقتل، خاصة مع عدم الاتعاظ من التجارب السابقة، وذلك لأن الزيادة في اسعار المحروقات تعمل على هزيمة التنمية وتحسين الوضع الاقتصادي للناس، واوضح ان الاتجاه حالياً يسير في نفس الطريق القديم، وعليه يتوقع ما هو اسوأ على الصعيد الاقتصادي، وقطع بأن هذا الأمر سيزيد السخط الجماهيري ويشعل الثورة في الشوارع اضافة للمشكلات السياسية الموجودة اصلاً، ولفت الى ان زيادة اسعار الوقود تؤثر بصورة سلبية في حصاد الموسم الصيفي وتحضيرات الموسم الشتوي، ونبه الى ان هذه الزيادات يمكن ان تكون سبباً في فشل الموسم الشتوي.
زيادات متوقعة
وبالرغم من ان الزيادة المتوقعة سوف تعمل على مضاعفة التكاليف الإنتاجية للسلع والخدمات، وستؤدي بالتالي إلى انهيار كبير في العديد من القطاعات الإنتاجية، ومن ثم زيادة معدلات البطالة واتساع قاعدة الفقر بالبلاد وزيادة في تمزيق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، خاصة أن معظم أصحاب الدخول الثابتة وأصحاب الأعمال والأنشطة الصغيرة والمتوسطة سيجدون صعوبة كبيرة في القدرة على الاستمرار في السوق بسبب التراجع الكبير المتوقع في القوة الشرائية للمستهلك العادي.. الا أن رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد د. الفاتح عثمان يؤكد أنه سيتم اتخاذ هذا القرار باعتبار ان هذه السياسة التي اقرتها الحكومة السابقة بشقيها المدني والعسكري بتحرير سعر الوقود والارتباط بأسعار السوق العالمى، وقال لـ (الإنتباهة) ان زيادات اسعار الوقود كانت متوقعة قبل شهر من الآن، الا انها لم تكن بنسبة كبيرة لجهة ان سياسة الحكومة اعتمدت على التسعير الحر للاسعار العالمية، واكد ان أسعار البترول العالمية مرتفعة، مبيناً ان سعر البرميل ارتفع من (٦٠) دولاراً الى (٨٥) دولاراً، واشار الى ان زيادة الاسعار كانت متواصلة الا انها وصلت قمتها قبل اسبوعين، اذ انها صادفت التوترات التي حدثت في السودان، وقد تأجل اتخاذ القرار، لكن كانت الاحوال مستقرة في الحكومة القديمة.
الانتباهة