الراى السودانى
شهدت الأسابيع القليلة الماضية عودة الولايات المتحدة الأميركية -بشكل عملي- من جديد إلى ملف سد النهضة الأثيوبي، وبدت سياسات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن تتضح بصورة مباشرة إزاء الملف الأخطر الذي يواجه القرن الأفريقي.. فهل تقود واشنطن تحولاً بالملف؟ وهل تملك الولايات المتحدة مفتاح الحل؟
بداية الانخراط الأميركي الواضح في الملف في عهد بايدن جاءت عبر تعيين مبعوث أميركي خاص للقرن الأفريقي. ثم توالت بعد ذلك المواقف الأميركية التي تصب في إطار “دعم الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وأثيوبيا) للتوصل لاتفاق” وذلك مع بدء العد التنازلي للملء الثاني للسد، مع الإصرار الإثيوبي على موعده المحدد سلفاً.
وضمن المساعي الأميركية للانخراط بشكل واسع في ملف الأزمة، جاءت لقاءات المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مع المسؤولين في القاهرة ثم في السودان ثم في أديس أبابا، بشكل متتابع، لتعكس تلك المساعي، وتنبئ بدور أميركي أوسع في الفترة المقبلة، تحيطه عدة تحديات، من بينها الرفض الإثيوبي لوساطات خارج الاتحاد الأفريقي؛ فقد سبق لأديس أبابا وأن رفضت مقترحاً سودانيا -أيدته مصر- بإشراك رباعية دولية (من الاتحادين الأفريقي والأوروبي، والولايات المتحدة والأمم المتحدة) للوساطة في ملف المفاوضات.
محللون سودانيون، شرحوا في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، توقعاتهم للدور الأميركي في الأسابيع المقبلة، وهو الدور الذي وصفوه بأنه قد يقود تحولاً محدوداً في الملف، مؤكدين ما بدا من حرص واشنطن على التعامل بإيجابية مع الملف.
في البداية، يقول المحلل السياسي السوداني، محمد علي فزاري، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى نزع فتيل التوتر بين السودان ومصر وأثيوبيا فيما يتعلق بقضية سد النهضة، وكذا نزع التوتر الحدودي بين السودان وأثيوبيا”، وذلك في معرض حديثه عن الجولة الأفريقية الأخيرة للمبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان.
وفي تقدير فزاري، فإن “الدور الأميركي سيكون بارزاً في هذه الفترة؛ لا سيما أن واشنطن قوة عظمى مؤثرة، وكانت قد رعت اتفاق سد النهضة إبان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عندما دعا وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث للاتفاق.
ويذكر أن مساعي واشنطن لإقرار اتفاق بين الدول الثلاث لم تنجح، ذلك بعد أن قطعت المفاوضات تحت رعاية أميركية أشواطاً طويلة أفضت لمسودة اتفاق، وقعت عليها القاهرة بالأحرف الأولى، فيما غابت أديس أبابا عن جلسة التوقيع، معلنة انسحابها، ما أفضل الوساطة الأميركية حينها.
ويوضح المحلل السياسي السوداني، أن “إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، يبدو أنها تتطلع لدور أكبر في هذه المنطقة الحيوية والحساسة، وتخشى واشنطن نشوب نزاع في هذه المنطقة يجرها إلى حالة من عدم الاستقرار، وبالتالي جاءت جولة المبعوث الأميركي الأفريقية الأخيرة، في إطار إقناع الجانب الأثيوبي بعدم اتخاذ أي قرار أحادث بشأن الملء الثاني للسد قبل التوصل لاتفاق ملزم”.
ويرى أن التحركات الدبلوماسية المكوكية التي تقوم بها واشنطن في منطقة القرن الأفريقي “داعمة للاستقرار”، علاوة على أنها “تأتي أيضاً مع الصراع بين القوى العظمى (..) أعتقد بأن الصراع بين روسيا وأميركا والصين عجّل بالتحركات الأميركية وإرسال مبعوث خاص”.
وفي ختام حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية”، يتحدث فزاري عن الموقف السوداني بقوله: “من الواضح أن الموقف السوداني أقوى في هذه المرحلة؛ ذلك أن الدبلوماسية السودانية نجحت في إحداث اختراق كبير وحقيقي بعد إقناع رئيس الكونغو الديمقراطية رئيس الاتحاد الأفريقي بزيارة الخرطوم وطرح وساطة بين الدول الثلاث، ونتوقع أن تثمر في القريب العاجل”.
وكان الناطق الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، قد قال في حوار سابق مع موقع “سكاي نيوز عربية” إن “الحل لابد أن يكون في يد الدول الثلاث.. نحن لن ندخر جهداً للعب دور إيجابي ودعم أي جهود وسنبذل كل ما في وسعنا لتشجيع استئناف الحوار بين البلدان”، رافضاً الحديث أو التدخل في “فرضيات مستقبلية”.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوداني، طلال إسماعيل، بأن “الولايات المتحدة الأميركية تحاول أن تعمل بصورة جادة على حل ملف سد النهضة في ظل إدارة بايدن، ذلك أن هناك تجربة سابقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار وهي أن أثيوبيا رفضت التوقيع على اتفاق في عهد ترامب بعد المفاوضات التي رعتها واشنطن، وهذا الأمر أزعج الإدارة الأميركية وقتها، وكانت هناك لهجة حادة من إدارة ترامب”.
“أما الآن، إدارة بايدن غيرت طريقة التعامل مع الملف؛ وعينت مبعوثاً أميركياً للقرن الأفريقي، وهو ما يشير بوضوح إلى مدى جدية واشنطن في علاج هذا الملف، وتغيير طريقة التعامل مع ملف سد النهضة”، وفق إسماعيل، الذي يشير لدى حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن “الإدارة الأميركية الحالية تحاول جاهدة أن تطور من وساطة الاتحاد الأفريقي، وهي تدرك تماماً التعنت الأثيوبي في عدم دخول أي أطراف أخرى في المفاوضات؛ لأنها (أديس أبابا) تريد أن تكسب زمناً بهذا التسويف، وهي تقتصر فقط على دور الاتحاد الأفريقي ودور الخبراء من الاتحاد”.
ويلفت إلى أن “الجولة الأخيرة التي قام بها المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي وشملت الدول الثلاث (مصر والسودان وأثيوبيا) تؤكد جدية واشنطن في الملف”، مشدداً على أنه “يمكن أن نشهد تحولاً في التفاوض -ليس تحولاً كبيراً بالطبع- فالمبعوث الأميركي عندما التقى بوزيرة الخارجية السودانية ألمح إلى دخول المجتمع الدولي بالمفاوضات، لكن لم يتم توضيح تحت أية صيغة”.
ويختتم المحلل السياسي حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية”، بالإشارة إلى أن “واشنطن سياستها قائمة على عدم خسارة أي طرف من الأطراف الثلاثة في الملف، وهي تبدي مرونة في التعامل مع إثيوبيا مثلما تنظر بعين الاعتبار لمطالب السودان ومصر في مفاوضات سد النهضة.. وأعتقد بأن هذا يشكل تحولاً إلى نوع ما مقارنة بسياسة إدارة ترامب”.
عقبة على طريق الوساطة
وبدوره، فإن المحلل السياسي السوداني، كمال كرار، يقول في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “الدور الأميركي أتى متأخراً هذه المرة.. وكانت الولايات المتحدة قد حاولت سابقاً التدخل”، موضحاً أن “إصرار إثيوبيا على عدم تدويل القضية والاكتفاء بالدور الأفريقي يقف عقبة أمام أية وساطة أميركية”.
ويلفت كرار إلى أن “قضية ملء السد والإصرار الأثيوبي ترتبط بمشاكل داخلية تواجه النظام الأثيوبي، وهو الآن ورقة سياسية لبقاء آبي أحمد في منصبه”، مردفاً: “الوقت ينفد، والحل في نظري الذهاب إلى مجلس الأمن؛ ليتحمل مسؤوليته، وإلا تطور الأمر لتصعيد عسكري لمنع إثيوبيا من فرض الأمر الواقع”، على حد قوله.