الراى السودانى
(1 )
المعروف أن السياسات النقدية التي طبقت مؤخرا من رفع للدعم وتعويم للجنيه، كان خيارا قاسيا من ضمن الخيارات الاضطرارية التي لجأت اليها حكومة السودان، ليس هذا فحسب بل كانت مكرهة عليها من قبل الصندوق إياه وجماعة (الأصدقاء والداعمين والمانحين) الذين يجيدون لي الذراع وقد كان وقع تلك السياسات على المواطن قاسيا ولكنه أي المواطن كان مقدرا لظروف البلاد وكان واعيا لتعثر المسار السياسي والأهم انه كان مدركا بأن تجرع السم قد يكون مدخلا للعلاج لذلك يمكن أن نوجز تلك السياسات وأثرها في المثل السوداني البليغ (خيار أم خير لا هو خير ولا الموت أخير)
(2 )
سيكون من غير اللائق ان تبدي الحكومة زهوا بتلك السياسة وكأنها قد أتت بالوصفة السحرية التي تنقذ البلاد والعباد من ثالوث الفقر والجوع والمرض، فالطريق مازال طويلا . نعم كان المطلوب أن تنجح تلك السياسات لأن فشلها سيكون كارثة . كان متوقعا ان تزداد الأسعار ارتفاعا، وكان متوقعا أن يكسر الدولار حاجز الأربعمائة متجها نحو الخمسمائة في أيام معدودة، ولكن الحمد لله استقرت الأسعار نسبيا ولم يتجاوز الدولار السعر المعلن رسميا وذلك لأن الحكومة جات من الآخر في رفع الدعم وفي التعويم والأهم ان تجار السوق الأسود وتجار العملة ليسوا بتلك القوة المتخيلة، ومع ذلك مازالت المخاطر والعقبات على قفا من يشيل , عليه ستظل الحكومة وكذلك المواطن نائمين (نوم الديك في الحبل) كما يقول المثل السوداني.
(3 )
من أسوأ الظواهر المتعلقة بتلك السياسات ما ظلت الحكومة تعلنه صباح مساء عن موقفها من العملات الصعبة خاصة تلك المتعلقة بالتحويلات اليومية عبر البنوك إذ ظلت الحكومة تكشف عن الداخل والخارج من الدولار يوميا , طبعا القصد من ذلك القول ان هناك نموا مطردا في التحويلات البنكية وذلك لتثبت نجاح السياسة وتشجع الذين يريدون تحويل دولاراتهم عبر البنوك، ولكن خطورة هذا الأمر اذا أصبح مادة يومية في الإعلام واحتجب لأي سبب من الأسباب سوف يعتقد الناس ان هناك تراجعا في الإقبال على التحويلات البنكية وقد يكون ذلك مدخلا للعد التنازلي لهذا الأمر، ولكن الأهم من كل ذلك ان موقف الحكومة المالي تحديدا من العملات الصعبة ينبغي أن يكون سرا من أعظم أسرار الدولة مثله مثل أي سر عسكري . لاتوجد في الدنيا دولة ليس لديها أسرار .نعم الشفافية أحد متطلبات النظام الديمقراطي وحق من حقوق المواطنة ولكن الشفافية لا تعني ان تكون كل حاجات الدولة في السهلة، فالمصلحة العامة تتطلب التكتم أحيانا.
(4 )
تجار العملة والسوق الأسود ما كانوا يستأسدون على البلاد والعباد لولا أنهم كانوا يملكون أدق المعلومات عن أوضاع البلاد من السلع والعملات وعلى مدار الساعة، لذلك يعلمون جيدا متى وكيف يشترون ومتى وكيف يبيعون لأنهم يعلمون ما في جعبة الدولة على دور المليم لأن الدولة أصلا كانت ماشة أم فكو . فالذي يحدث الآن من إعلان يومي عن حصيلة الدولة من العملات الحرة، يمضي في اتجاه تعرية الدولة، لذلك نطلب من ناس بنك السودان وكافة المسؤولين الماليين في الدولة ان يمسكوا عليهم خشومهم ويكفوا عن فك أسرار الدولة، فاذا أرادوا تطمين الناس وحثهم على التحويلات الرسمية، يمكنهم ان يفعلوا ذلك بلغة عامة ليس فيها أي أرقام، فمن فضلكم بطلوا الحركات دي.
د. عبداللطيف البونى