@ قد يتبادر للذهن أن هنالك ثمة علاقة وثيقة بين الارتفاع الفجائي لسلعة السكر الذي يقترب سعر جواله لحوالي 7 الف جنيه وبين الاضراب الذي نفذه العاملون بشركة سكر كنانة وقد دخل يومه السابع، سبق أن تناولنا في هذه المساحة من رحيق السنابل أن أسعار السكر سوف تقفز بصورة جنونية لأسباب كنا قد تناولنا بعضها وصدق كل ما توقعناه، ما يحدث الآن في سوق السكر لا علاقة له باضراب العاملين في كنانة لأن سلعة السكر أصبحت السلعة البديلة للمضاربة في الدولار خاصة بعد ارتفاع المطالبة بتغيير العملة وخطورة الاحتفاظ بها في شكل دولار او عملة محلية تراكمت في أيدي التجار خاصة في ظل أزمة انعدام السيولة لعدم توفر الثقة في البنوك قبل سقوط نظام الانقاذ.
@ لم يعد الدولار سلعة مأمونة العواقب في أي لحظة والدليل على ذلك الهجمة الأمنية هذه الايام على تجار الدولار، الى جانب ازدياد احتمالات تغيير العملة اتجه التجار الى تحويل الكاش الى سلعة يمكن ان تحقق ارباحاً سريعة بجانب لا تشكل خطورة على الاقتصاد في حالة الاحتفاظ بها او تخزينها مثل الدولار لتبدأ هجرة مكثفة من تجارة الدولار الى المتاجرة في السكر الذي ازداد الطلب عليه ليرتفع فجأة من 1600 الى 2600 جنيه وفي كل مرة تقوم مصانع السكر برفع اسعار البيع مع أسعار السوق الموازي . اذا كانت النظرية الاقتصادية تقول ان ارتفاع سعر السلعة يتحدد بمعدل الطلب عليها وهكذا الحال بالنسبة لسلعة السكر التي ارتبط معدل زيادة الطلب عليها بموسم رمضان الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك، حالياً لا يوجد استهلاك يرفع وتائر الطلب على السكر غير التخزين والمضاربة بعد أن احتل السكر مكانة التجارة في الدولار .
@ قطع تجار السكر الطريق أمام الحكومة لأي محاولة من شأنها تغيير العملة ما لم تضع الحكومة يدها على الكميات المهولة من السكر المخزنة في كل بقعة من بقاع السودان وما ينطبق على سلعة السكر ينطبق على القمح الذي يشهد عملية إقبال واسعة على شرائه وتخزينه، لن تنجح عملية تغيير العملة قبل أن تتم حصر كميات السكر والقمح المخزنة لدى التجار، أصبحت عمليات التخزين التي يقوم بها التجار والمضاربون في السلع الاستهلاكية وسيلة إنتقال من المضاربة في سلعة الدولار الذي ركزت عليه الحكومة أكثر من بقية السلع الاخرى التي تشهد مضاربة تشكل قوام الازمة الراهنة الارتفاع الجنوني في أسعارها.
@ الحلول الامنية تجاه المضاربين وتجار العملة لن تقود وحدها لمحاصرة الازمة والتغلب عليها فلابد من اتباع عدة طرق أخرى ولعل من المهم في هذه المرحلة تحديد الهدف والمطلوب وإحكام القبضة على معظم السلع الاساسية ومعرفة من هم مورديها واسعارها وكمياتها وأماكن تخزينها والاشتراط على التجار التبليغ الفوري عن الكميات التي بطرفهم لمعرفة حجم المخزون للحيلولة دون تسرب كميات الى التهريب او التخزين بغرض الاحتكار ورفع الاسعار والأهم من كل ذلك التحكم في الاستيراد لسد الفجوة وتوفير التمويل اللازم حتى لا تحدث ندرة تخلق ارتفاع في الاسعار او اللجوء للتهريب، مشروع سلعتي الذي اعلنته وزارة التجارة والصناعة سيصطدم بحقيقة صعوبة الحصول على السلع العشر المستهدفة لأنها اصبحت في أيدي المضاربين وما عادت بعد في ايدي المصنعين والموردين، إدارة الازمة الراهنة تبدأ بمعرفة اتجاهات السلع في الاسواق ومعرفة حركتها وكل ذلك لن يحدث في ظل عدم توفر المعلومة والاحصائيات التي تمكن مراكز اتخاذ القرار من ادارة الازمة التي فشلت فيها وزارة التجارة التي ما عادت تتوفر لديها المعلومة.
صحيفة الجريدة