يبدو ان قيادات الشرطة السودانية، في الأيام الأخيرة، ادركت ان الدور الذي كانت تقوم به هو أقل بكثير مما يجب عليها القيام به، وبدت ملامح رجل الشرطة تعود الى الشارع والأسواق والطرقات، وأبلى مدير عام الشرطة السودانية بلاءً حسناً في التعامل مع ازمة ولاية كسلا وكان له دور كبير في رتق عملية الثقوب الأمنية التي كادت ان تجعل من كسلا ساحة للإنفلات الأمني وكان سيدخل البلاد في ازمة جديدة مستفحلة عصية الإحتواء.
كما لاحظ البعض عودة رجل المرور بصور دائمة في الشوارع والطرقات ونقاط الكباري، وظهر رجل الشرطة في كثير من المواقف والمواقع التي تجسد قيمته وسط المجتمع واكد فعلاً انه جزء لايتجزأ منه بالفعل وليس بالقول، وحدث كل هذا الشروق والبزوغ لشمس الشرطة بعد مغادرة مدير ها السابق عادل بشائر منصبه، وهذا يؤكد مما لامجال للشك فيه ان بعض الاصلاح يكون سببه اشخاص وكذلك الإخفاق المؤسسي فرجل واحد قد يكون سبباً خلق عداء كبير بين المواطن ومؤسسة عريضة فيها من القيادات والأفراد من هم فعلاً مكاناً للتقدير والإحترام، وقيمة المؤسسة وقائدها في احترام هذا الشعب العظيم والعمل من أجل عيونه، وان يكون الوطن هو الهم الأول الذي يعلو على كل المصالح، وفي الشرطة اسماء مازالت تحتفظ بمكانتها حتى بعد مغادرتها كرسي الادارة ليس لأنهم كانوا مجرد اسماء اختبأت خلف الواجهات السياسية بل لأنهم كانوا رمزاً للصمود والشرف والإمانة وخدمة الشعب كانوا فعلا عيون ساهرة، ومقامك حيث الشعب أقامك، وبالأمس قام مدير عام الشرطة الفريق عزالدين الشيخ علي بزيارة مفاجئة لمجمع الذهب بالخرطوم في إطار حملة الدولة لهزيمة الدولار، وتجاره تلك المافيا التي تشكل دولة قائمة بذاتها، بسلطة المال التي يمكن ان يفعل به المرء كل شئ، ووقوف مدير عام الشرطة في هذه المهمة يغلق باباً كبيرا بين تجار الدولار وبعض ضعفاء النفوس من القوات النظامية، فحسب المصادر الأكيدة من دهاليز وأزقة البنايات التي تعتبر وكراً لهؤلاء يتم البيع في الذمم وكذلك الشراء والمقايضة في مزاد علني، وتقدم الرشاوى على طبق شهي وتاجر الدولار مستعد ان يقدم بيت (طابقين مفروش) بجانب العروض المالية الضخمة من سيارات وأموال مهولة، في زمن يعجز فيه الشخص عن شراء الدواء لأمه التي ترقد طريحة الفراش بمستشفى لايوجد فيه حتى جهاز اوكسجين وهنا قد يغيب الضمير غيابا غير مبرر، ولكن قد يحدث، فالضمير لايمنع الخطيئة، فقط ربما يمنع التلذذ بها بعد فوات الأوان، لذلك محاربة كبار تجار الدولار تحتاج فعلاً لمحاربين أكبر من قيادات وطنية خالصة ونزيهة، لإجراء عملية صادقة غير قابلة للتفاوض مع هؤلاء المجرمين الذين عبثوا بقوت العباد وادخلو البلاد في ( خرم إبرة )، وبكى الصغار وناموا بلا حليب لارتفاع سعره الجنوني، وهم لايشعرون بل يمارسون لعبة الدولار كهوايتهم اليومية، وحتى العقوبة التي حددت من سجن عشر سنين تعتبر عقوبة سهلة لاتتماشى مع حجم الجريمة التي ارتكبوها في حق ملايين البشر، وماذا لو أودعتهم السجن وقاموا بممارسة مهنتهم من الجناح الخاص في السجن بطريقة اخرى أكثر بشاعة بأقل رشوة.
على العموم لابد من ان يكون هنالك وعي وضمير وإحساس وطني وصدق وأمانة قبل كل شئ، ان وجد في أغوار كل شخص سوداني، مسؤول كان او مواطن، رجل شرطة او رجل شارع، طبيب او كمساري، فسنتقدم بالفعل في كل مانريده ونقصده لنخرج الى بر الأمان، لأن الخوف ان لاتكون الانقاذ دمرتنا اقتصاديا، الخشية من ان تكون دمرت أخلاقنا ونحن لاندري !!
طيف أخير :
عقبال الخير يترادم والدنيا تمش دغرية.
صحيفة الجريدة