أيامٌ معدودات تبقَّت لانطلاقة العام الدراسي الجديد، بعد إجازة طالت واستطالت؛ ورغم ذلك ما زال (جدل) المناهج مستمراً، بين وزارتي التربية والتعليم ممثلة في المركز القومي للمناهج والبحث العلمي، ووزارة الشؤون الدينية، والتي قال وزيرها نصر الدين مُفرِّح في تعميم صحفي إنه اطَّلع عبر إدارة الأصول والمناهج بالوزارة على مقرر التربية الإسلامية للصف الأول؛ فوجد به ما يزيد عن الـ(22) ملاحظة في الأحاديث، والسيرة، والصور التوضيحية..
ومن هنا تتوارد الأسئلة: هل اتَّبع المركز القومي للمناهج والبحث العلمي، الأُسس العلمية في (رحلة بحثه) عن مناهج جديدة؟ وهل يحقُّ لوزارة الشؤون الدينية التدخل في (مسألة) المناهج ؟؟ وقبل ذلك كله هل كانت المناهج (القديمة) في حاجة للتغيير أو التعديل، إبتداءً؟؟!!
المعلِّمون.. آخر من يعلم!!
اللافت في أمر هذه المناهج؛ غض النظر عن اتفاق أو اختلاف الناس حولها، هو عدم ظهورها للعلن حتى الآن، رغم أن العام الدراسي على الأبواب، صحيح أن وزارة الشؤون الدينية اطلعت على نسخة من مقرر الصف الأول الابتدائي (مثار الجدل والضجة)، لكن ماذا عن المعلمين الذين يُفترض أن يكونوا قد اطلعوا على المنهج بل (حفظوه)..؟!
(السوداني) سألت الأستاذ جمال ناصر (مُدير مدرسة بالخرطوم) عن المنهج الجديد فقال إن كل المعلِّمين لم يرونه ولا يعرفون عنه شيئاً، ناهيك أن يكونوا قد تلقوا عليه تدريبات أو ماشابه ذلك، فقط يسمعون الجدل الدائر حوله في (الميديا)، مُشدِّداً على أن المنهج القديم كان جديرا بالتغيير الكلي لأنه مُترهِّل جداً وفوق طاقة استيعاب التلاميذ بل والأساتذة أنفسهم لما حواه من (حشو) ومواد لا تصلح للتدريس.
تدخُّل بـ(القانون)
ويقول الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي دكتور عادل حسن حمزة لـ(السوداني): إنَّ تدخل المجمع في موضوع المناهج الدراسية تم عبر دائرة مختصة هي (دائرة الأصول والمناهج) والتي تضم علماء يحملون شهادات عليا، ويؤدون مهامهم بمنهجية تامة، مؤكدا أن هذه الدائرة وبعد اجتماع مُطوَّل أصدرت توصياتها والتي أخذت وزارة التربية والتعليم بجزء منها، على سبيل المثال فإنَّ عملية تغيير المناهج تحتاج أولاً لعقد مؤتمر جامع يحدِّد بشكل قاطع الهدف من تغيير المناهج والفائدة المرجوَّة من ذلك والخطوات التي ينبغي اتباعها لإخراج المناهج بصورة جيدة. وشدَّد دكتور عادل على أن تدخُّل وزارة الشؤون الدينية لا يُعتبر فُضولاً البتة، بل هو من صميم مهامها بنص قرار رئاسة مجلس الوزراء والذي حمل الرقم (70) وجعل من وزارة الشئون الدينية شريكاً في وضع المناهج كافة وليس منهج التربية الإسلامية وحده، لأنه ربما يرد في تلك المناهج ما هو مُتعارضٌ مع الدين الإسلامي الذي يعتنقه أغلبية أهل السودان.
التزام منهجية
لكن في الاتجاه الآخر، يمضي خبير المناهج عمر بابكر سليمان، حين يقول لـ(السوداني): بحُكم قُربي من عمل اللجان التي تعمل الآن في المناهج، أشهدُ أن مدير المركز القومي للمناهج د. عمر القراي قد التزم بمنهجية تامة في مسألة تنقيح المناهج وليس تغييرها كما يعتقد الكثيرون، حيث تم تكوين لجان متخصصة ضمَّت خيرة الخبراء في مجال التربية والتعليم، والذين عملوا بمهنية تامة تُبشِّر بأن التغيير الذي ستشهده المناهج سيكون مفيداً جداً للتلاميذ. وأشار سليمان إلى أن عملية تغيير المناهج وكل ما يخص التربية والتعليم هو شأن مجتمع ولذا بالضرورة أن يستوعب توجهات المجتمع، وأفضل طريقة لذلك هو تكوين لجان مختصة وهذا بالضبط ما فعله مدير المركز القومي لتطوير المناهج.
الوفاء بالعهود
واتساقاً مع ما ذكره خبير المناهج عمر سليمان، شدَّد مدير المركز القومي للمناهج د. عمر القراي على أنَّ الشعب السوداني هو من يحدد ماذا يريد عبر طرح آرائه، وأكد في حديث سابق – قبل الشروع في تغيير المناهج- أنه سيتم تكوين لجان للمنهج يشارك فيها كل الخبراء من أبناء السودان، وهذا ما أكده عمر سليمان حين قال لـ(السوداني) إن اللجان ضمت خبراء مشهود لهم بالكفاءة في كل التخصصات.
(22) ملاحظة
لكن في الاتجاه الآخر يؤكد وزير الشؤون الدينية نصر الدين مفرح أن المركز القومي تخطاهم في عملية تغيير المناهج وانهم اطلعوا عبر إدارة الأصول والمناهج بالوزارة على مقرر التربية الإسلامية للصف الأول، بعد صدوره؛ ووجدوا به ما يزيد عن الـ(22) ملاحظة في الأحاديث، والسيرة، والصور التوضيحية”. وأضاف “هناك نقاط يمكن أن تمثل اختلافا وتشكل رأيًا مناهضًا لهذا المنهج، وهو ما كان لإدارة المناهج أن تغض الطرف عنه”. وتابع الوزير “هذا المنهج سننشئ عليه أمة لا ينبغي أن يكون مثار جدل واختلاف.
تغيير دوري للمناهج
وبسؤالنا لخبير المناهج عمر سليمان عن أحقية مشاركة وزارة الشؤون الدينية في المناهج حسب قرار رئاسة مجلس الورزاء، الذي ذكره الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي قال عمر سليمان: أنا لم أطلع على هذا القرار لكن في رأيي أن أية جهة تسهم في تطوير المناهج ينبغي مشاركتها. وأضاف أن المناهج في كل دول العالم ليست (مُحصّنة) من التغيير، بل حسب الأسس العلمية المُتبعة منذ القِدَم يجب أن يكون التغيير للمناهج كل (8) سنوات، وفي تقديري مع المتغيرات السريعة في عالم اليوم يجب أن يكون تغيير المناهج كل (5) سنوات، مؤكداً أن المنهج القديم وعلاوة على أنه استمر لقرابة الثلاثين عاما، إلا أن تغييره كان ضرورياً لأنه منذ ظهوره وجد نقداً لاذعاً لكونه مُترهِّلاً ومحشوَّاً وفوق طاقة التلاميذ الجسدية والذهنية.
الخرطوم: ياسر الكُردي
الخرطوم: (صحيفة السوداني)