غير مصنف --

لقاء حمدوك والحلو.. فرصة جديدة لاستكمال السلام

على نحو مفاجئ وغير معلن، التقى رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك برئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان_شمال عبدالعزيز آدم الحلو في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ووفقاً لما أورده موقع “سودان تربيون” فإن حمدوك غادر صباح الأربعاء إلى أديس أبابا في زيارة غير معلنة وانخرط فور وصوله في جلسة مباحثات مع الحلو الذي وصل إلى العاصمة الاثيوبية قادماً من العاصمة الكينية نيروبي، وذلك لمناقشة رؤيته للوصول إلى اتفاق سلام وكسر جمود التفاوض في جوبا، وكشفت المصادر أن اللقاء تم بترتيب من الحكومة الاثيوبية وطرف ثالث غير حكومة جنوب السودان.
وكشفت المصادر أن الحلو أبلغ حكومة جنوب السودان رغبته في لقاء رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، لبحث عملية السلام واستئناف التفاوض من جديد.

لقاء كاودة وملف السلام:

في التاسع من يناير الماضي، وصل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى كاودا، معقل حركة الحلو بدعوة من الأخير، في أول زيارة لمسؤول سوداني إلى المنطقة لأكثر من عقد من الزمان، عبر طائرة برنامج الغذاء العالمي، واستقبل حمدوك في كاودا بحفاوة، وخاطب جماهير كاودا وعبر عن أمله وعمله في الوصول إلى سلام عادل وشامل.
ولكن بالرغم من الفوائد الكبيرة للزيارة وقتها على الصعيد الانساني والاغاثي، من فتح للمرات ووصول الغذاء والدواء للمنطقة القفولة والمعزولة عن بقية ولاية جنوب كردفان، وفتحت مجالاً واسعاً للمنظمات للعمل، خاصة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إلا أن الزيارة لم تنعكس ايجاباً على الجانب السياسي في المفاوضات التي تجري في جوبا.
وتعثرت كثيراً وتأخرت المفاوضات بين وفد الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو، ولم تتجاوز المحطة الأولى من اعلان المبادي وتحديد ملفات التفاوض، بينما انتهى التفاوض مع بقية حركات الكفاح المسلح، التي تنضوي تحت تحالف الجبهة الثورية، ووقعت الأطراف بالأحرف الأولى على اتفاق سلام وجد ترحيباً رسمياً كبيراً، بالرغم من أنه وصف بأنه جزئي وناقص، وناشد المتحدثون في حفل التوقيع عبدالعزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور بضرورة الاسراع والالتحاق بالسلام.

انسحاب وتعليق التفاوض:

علقت وانسحبت الحركة الشعبية من التفاوضات أكثر من مرة، بسبب ما اعتبرته خروقات من قبل الحكومة الانتقالية لوقف اطلاق النار، وانسحبت في العشرين من أغسطس من التفاوض وقدمت شكوى رسمية للوساطة، أوضحت موقفها من رئاسة قائد قوات الدعم السريع لوفد الحكومة الانتقالية المفاوض، واعتبرت الحركة أن قوات الدعم السريع التي يقودها رئيس وفد التفاوض الفريق أول محمد حمدان دقلو ارتكبت انتهاكات بشعة ضد المواطنين العزل في مدن وأرياف السودان، وذكرت الحركة في بيان انسحابها من التفاوض أن الدعم السريع يرتكب انتهاكات في بورتسودان وكسلا والقضارف والجنينة وحجر تونجو ونيرتتي وفتابرنو وقريضة وأم دافوق ومستري ولقاوة والدلنج وكادوقلي، ومناطق أخرى من السودان، وأورد البيان أن القوات تورطت في أحداث خور الورل التي وقعت مؤخراً.

واعتبرت الحركة الشعبية قوات الدعم السريع قوات معادية للمواطنين وللسلام، وبالتالي ذكرت بأن قائدها يفتقد للحياد وأنه غير مؤهل لقيادة وفد التفاوض، وأكدت الحركة عدم قبولها بقيادة قائد قوات الدعم السريع لرئاسة وفد الحكومة الانتقالية للمفاوضات.
ومع تأكيدها المستمر بالالتزام بمنبر جوبا وبالعمل والتفاوض للوصول لسلام عادل وشامل، تفيد بعض الأنباء بأن الحركة الشعبية بقيادة الحلو تراجعت عن موقفها وعادت للتفاوض، في الوقت الذي كان وفد الحكومة وبقية حركات الكفاح المسلح يحتفلون بما توصلوا إليه من اتفاق، على أمل أن تتكامل المفاوضات مع بقية الحركات ليصبح السلام شاملاً، ولكن قبيل استئناف التفاوض مع الحركة الشعبية، جاء لقاء حمدوك_الحلو لكسر الجمود في المواقف بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال.

وما يبعث الأمل في استئناف المفاوضات بصورة جيدة هذه المرة، أن الحركة الشعبية في تطور لافت، وقعت اعلاناً سياسياً مع تجمع الاجسام المطلبية “تام” في الثالث والعشرين من أغسطس الماضي، حمل الإعلان 20 بنداً جاء في البند الـ 18 نصاً ” ضرورة نقل ملف التفاوض إلى الجهاز التنفيذي (مجلس الوزراء) والاسراع بتكملة إنشاء مفوضية السلام وتمكينها من القيام بدورها وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، واتساقاً مع تطلعات الجماهير”.

الاعلان السياسي الموقع بين الحركة الشعبية وتجمع الاجسام المطلبية هو آخر موقف معلن للحركة من قضايا السلام وعملية التفاوض، وهو يعكس رغبتها في التفاوض مع مجلس الوزراء، ويفسر أيضاً تعثر المفاوضات بينها ووفد الحكومة الذي يقوده نائب رئيس مجلس السيادة.

فرصة جيدة لتحقيق السلام:

هناك عدد من الإشارات تؤكد أن التفاوض بين الحركة الشعبية بقيادة الحلو ومجلس الوزراء بقيادة عبدالله حمدوك سيمضي نحو نهايات جيدة لعدد من العوامل، منها الموقف المعلن للحركة برغبتها ومطالبتها بنقل ملف التفاوض لمجلس الوزراء، وكذلك العلاقة المميزة بين قيادة الحركة الشعبية ورئيس الوزراء، والذي سمحت له الحركة بزيارة معقلها الرئيسي في كاودا وإلقاء خطاب جماهيري بشر فيه بميلاد عهد جديد، وشرح خلاله تصوره للسلام الذي يقوم على خمسة محاور، منها التنمية الاقتصادية، بما يخاطب قضايا التهميش والتنمية غير المتوازنة، من بناء للمراكز الخدمية، المستشفيات والمدارس والطرق وخلق التنمية في حزام التمازج، ومحور الحكم والادارة الذي يخاطب عدد من القضايا مثل الهوية وعلاقة الدين بالدولة والمواطنة والمشاركة العادلة في أجهزة الحكم وشكله بصورة عامة، والمحور الثالث هو الترتيبات الأمنية لبناء جيش وطني يعالج قضايا التعدد ويرى فيه السودانيون أنفسهم جميعاً ، ورابعاً قضايا العون الانساني، ورفع العراقيل والعقبات التي تقف أمام وصول الاغاثة للمتضررين، وخامساً محور القوانين والتشريعات التي عالج العدالة الانتقالية والمصالحات المجتمعية.

ما بين عبدالله حمدوك وعبدالعزيز الحلو :

بالإضافة إلى ما تقدم من مؤشرات تدل على العلاقة الطيبة بين حمدوك والحركة الشعبية، وكذلك اتفاقه مع تصورها ورؤيتها للسودان الجديد الذي طالب الحركة الشعبية وناشدها بالعمل المشترك لبناءه، هناك مشتركات كثيرة بين حمدوك والحلو، حيث تزاملا في مدرسة الدلنج الأميرية الوسطى، والتقيا مرة أخرى في جامعة الخرطوم، حيث درس حمدوك في كلية الزراعة والحلو في كلية الاقتصاد، وكوّنا معاً أول رابطة لأبناء جنوب كردفان في جامعة الخرطوم في سبعينيات القرن الماضي، وكان أن ترأس الرابطة الزعيم الراحل يوسف كوه مكي، وهو أيضاً من زملاء الحلو في الحركة الشعبية ومن القيادات الملهمة للحركة الشعبية.
تفيد بعض المعلومات أن حمدوك والحلو التقيا سياسياً وفكرياً في الحزب الشيوعي، ما يعني اتفاقاً حول التصورات تجاه الأسباب الجذرية للمشكل السوداني، وكذلك في الحلول المطروحة، وتكاد رؤية حمدوك تتطابق مع رؤية الحلو في خطاب

هما الجماهيري في كاودا، وفي الرؤية التي يطرحها كل طرف في الخطابات والتصريحات حول مستقبل السودان.

ماذا تريد الحركة الشعبية لتحرير السودان ؟

يقول البعض بأن اتفاق جوبا للسلام جاوب عن سؤال علاقة الدين بالدولة عندما نص صراحة في القضايا القومية على ” الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات على أن يتضمن ذلك في دستور البلاد وقوانينها”.
لكن وبالرغم من ذلك، ترى الحركة الشعبية أنه لابد من النص على العلمانية صراحة في الاتفاق، وأن تكون من القضايا فوق الدستورية، لضمان عدم تعديلها، وفي آخر اعلان سياسي لها مع تجمع الأجسام المطلبية، تطرح الحركة الشعبية في أسس بناء الدولة السودانية عدد من النقاط، ونصت على أن الدولة السودانية دولة مستقلة ذات سيادة يقوم نظام الحكم فيها على أساس الديموقراطية والتعددية واللامركزية في ظل دولة المواطنة المتساوية، واستصحاباً لتجربة نظام الانقاذ، ترى الحركة الشعبية ضرورة الفصل التام بين الدين والدولة كواجب ثوري حتمي وضروري لاستدامة الدولة الديموقراطية ومدخلاً عادلاً للسلام الشامل، على أن يضمن في حزمة ” المبادئ فوق الدستورية ” وفق الإجراءات التي ستتبع في التوافق والاجماع على تحديد تلك المبادئ، وكذلك منع قيام الاحزاب والتنظيمات السياسية على الأسس والمرجعيات الدينية والجهوية والاثنية، وإلغاء كافة القوانين من 1983 وحتى 17 أغسطس 2019 والعودة للعمل بقوانين 1974 لحين التوافق على دستور دائم للبلاد.
ومن المقترحات التي تطرحها الحركة الشعبية أن يكون المنبر التفاوضي هو أحد آليات صناعة الدستور الدائم وضرورة توافق وضمان الاجماع الشعبي على المبادئ والقيم الأساسية التي تكّون حزمة مبادئ فوق دستورية تمثّل دليل وموجه لكتابة الدستور الدائم.
تقف أمام نقل ملف التفاوض إلى مجلس الوزراء عقبات كثيرة، منها أن مجلس السيادة أخد الملف وحقق تقدماً ملحوظاً ووصل لاتفاق، وبحكم الأمر الواقع، سكتت الحاضنة السياسية ودعمت اتفاق السلام، لكن هناك تساؤل يلوح في الأفق حول إمكانية استئناف تفاوض جديد يقوده مجلس الوزراء للوصول إلى سلام مع الحركات المتبقية، خاصة الحلو وعبدالواحد، وهو أمر نظرياً يبدو ممكناً وخياراً مطروحاً.

تقرير – حافظ كبير

الخرطوم: (صحيفة الجريدة)

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى