غير مصنف --

عبداللطيف البوني يكتب: النص, الواقع والارادة

(1 )
حين غفت أعين البنادق … الموت نام
نهض العشب بين الخنادق … الزهر قام
زهرة للجنوب ، زهرة للشمال وزهرة للسلام والتنمية
هذة الابيات لشاعرنا المجيد محمد المكي إبراهيم قالها مطلعا لقصيدة طويلة عصماء بمناسبة اتفاقية اديس اببا 1972 التي انهت الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب والتي كانت مندلعة منذ 1955م . لقد تعودت أن اضعها كرمية كلما اردت الترحيب باتفاقية سلام والشاهد انني وضعتها مرات كثيرة وهذا يعني كثرة اتفاقيات السلام وهذا بدوره يشي بأن النزاعات المسلحة ما برحت تراوح مكانها في هذا البلد المنكوب ومع ذلك لا نملك الا أن نرحب بكل ما شأنه أن يوقف نزيف الدم في اي بقعة من بقاع البلاد اذ ليس هناك ماهو اسوأ من الحرب وما تحدثه من خراب واحن تترسب في الدواخل. تأسيسا على هذا فاننا نرحب ومن القلب بما تم التوقيع عليه من اتفاقيات سلام بين اهل السودان في جوبا في يوم الاحد الفاتح من سبتمبر 2020م رغم تحفظاتنا التي كتبناها هنا اثناء عمليات التفاوض التي امتدت لمدة عام، فطالما في النهاية تم الاتفاق والتوقيع فلا نملك الا أن نقول مرحبا بالسلام مهما تدنت نسبة نجاحه لا بل من القلب نتمنى أن تخيب ظنونا ويفرض السلام كلمته فهذه البلاد قد اخذت كوتتها كاملة غير منقوصة من النزاعات والصراعات والاقتتال.

(2 )
لم اسعد في حياتي كيوم سعادتي بتوقيع اتفاقية السلام الشاملة CPA اي اتفاقية نيفاشا في 2005م والتي وقعها جون قرنق وعلي عثمان محمد طه اذ كنت مطلعا على نصوصها ودقة التفاصيل الواردة فيها وما تمهد له من تنمية وحرية واستقرار. لقد حظيت تلك الاتفاقية بشبه اجماع سوداني حتى الذين لديهم تحفظات على بعض بنودها اشادوا بمجملها لدرجة أن السيد الصادق المهدي والذي كان يومها اكبر معارض قال انهم يريدون أن يقوموا بعملية (جرتق ) للاتفاقية ولكن الموقعين يومها تلبستهم حالة انانية فانفردوا بالبوش والجرتق والدخلة كمان، ولعل هذا هو السبب الذي جاب خبر تلك الاتفاقية العظيمة فكانت النتيجة الانفصال الكئيب بدلا من الوحدة الجاذبة والحرب الاهلية في البلدين بدلا من بلد واحد وفوق البيعة حرب دولية بين البلدين (هجليج 2013 ) عوضا عن حرب محلية بين الشمال والجنوب لينطبق على الاتفاقية من حيث نصوصها البديعة وما افرزته من واقع مؤلم، معكوس قول شاعرنا المجيد محمد المهدي المجذوب (أيكون الخير في الشر انطوى؟) اذ شرها انطوى في بديع نصوصها.
(3 )
الذي نود أن نخلص اليه أن نصوص الاتفاقية شيء والواقع الذي سوف تنفذ فيه الاتفاقية شيء آخر ولكن الاهم منهما الارادة السياسية الموكل اليها تنفيذ الاتفاقية، ففيما يتعلق باتفاقية جوبا 192020م والتي نحن بصددها هنا انتهت مرحلة النصوص فاحتفلنا وهيصنا لذلك ولكن يبقى الواقع وهو للاسف واقع متغير لدرجة مخيفة فالسودان اليوم كل يوم هو في وضع جديد يصعب الامساك به، اما الموقعون على الاتفاقية فالنوايا علمها عند الله فالاخلاص وارد ولكن كذلك التكتيك وارد فاذا اراد اي طرف وقع على الاتفاقية أن يقطع بها فرقة فالشهادة والعمل الطيب وانتظار اتفاقيات قادمات اما إن كان الجميع مخلصا فالاخلاص عاقبته خير (ياربي الحتة دي عاوزة شوية تفصيل ؟).

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى