حمل خبراء واقتصاديون، الحكومة مسؤولية توالي ارتفاع سعر الدولار وبلوغه مائتي جنيه، موضحين أن أزمة الدولار الحالية ساهمت في خلقها سياسات الحكومة الحالية بصورة كبيرة (لأنها تجاهلت) النصح والرأي،
وأن (الصراع الصفري) بين طرفي اليسار واليمين، أوصل البلاد لهذه المرحلة، وصار المواطنون يتاجرون بالدولار (عينك ياتاجر)، واعتبروا أن تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين، تسببت في الانهيار الاقتصادي الراهن، وجعلت المواطنين والتجار (يشعرون ) أن البلاد غير مستقرة، وصاروا يتجهون لشراء العملة لحفظ أموالهم، وأن الكثير من أصحاب الشأن( يشعرون) أن الحكومة لا تمتلك احتياطي عملات حرة.
وقدم الخبراء (روشتة) لمعالجة انهيار الجنيه السوداني.
عينك يا تاجر
وطالب الخبير الاقتصادي بروفسير ابراهيم اونور، بايقاف شركات الاتصالات الأجنبية، لأنها تقوم بشراء الدولار من السوق الموازي ، بجانب تصدير سلع مثل السمسم والحبوب الزيتية مقابل تحويل أرباحها خارج السودان ، ومراجعة كل سجلات الصادر ، للشركات وللأفراد منذ 2012م ، لحصر حجم الأموال التي تم تجنيبها خارج القنوات الرسمية ، وذلك بهدف استردادها كاملة ، ثم وضع ضوابط جديدة (أكثر صرامة) بخصوص تصدير الذهب وتوريد عائداته للقنوات الرسمية.
وقال اونور لـ(السوداني) ان أزمة الدولار الحالية ساهمت في خلقها سياسات الحكومة الحالية بصورة كبيرة (لانها تجاهلت) نصح وآراء الخبراء وأضاف : توجد ثلاثة اسباب رئيسية وراء انهيار الجنيه السوداني بصورة ( غير مسبوقة) امام العملات الأجنبية الحرة.
وأوضح اونور، ان أول هذه الأسباب وجود كميات كبيرة من العملة الوطنية مخزنة خارج القطاع المصرفي، لاستخدامها للمضاربات، وايضا تمادي واستمرار الحكومة تحديدا بنك السودان، في طباعة عملات ورقية جديدة بفئات كبيرة مثل فئتي الخمسمائة والمائتي جنيه، رغم التحذير من ذلك منذ عام او قبل ذلك ، مبينا ان طباعة الفئات الكبيرة تسهم في زيادة الازمة، لأنها تساعد على تخزين كميات أكبر من العملة المحلية خارج القطاع المصرفي ، وان وجود الفئات الكبيرة يساعد او يشجع على تزوير العملة، لانه كلما ارتفعت قيمة العملة زادت الربحية لانها تقلل تكلفة التزوير، مؤكدا بان توفر هذين السببين خلق بيئة ( مواتية للمضاربات) ، التي نشهدها الآن على كل شيء بما فيهما الذهب والدولار.
وشدد اونور على ان السبب الثالث الذي ساهم في الأزمة الحالية هو الضعف الرقابي للدولة، خاصة و ان الكثير من هؤلاء التجار اصبحوا يتاجروا بالدولار والذهب خارج القنوات الرسمية (عينك ياتاجر)وبعلم الحكومة نفسها.
وكشف اونور ، عن وضع (روشتة) لانتشال الجنيه السوداني من الانهيار، موجها بالإسراع في تغيير العملة الوطنية، ووضع اجراءات جديدة مصرفية لفتح الحسابات المصرفية، كما يجب سحب الفئات الكبيرة من التداول، وإصدار فئات نقدية اقل، بجانب إطلاق يد الأمن الاقتصادي في(مطاردة ومصادرة) كل الأموال الكبيرة ، التي تتجاوز الحدود المسموح بها، والمكتشفة خارج البنوك بعد تبديل العملة. واشار اونور ، الى ان هذه الاجراءات تمثل (خطة إسعافية) لاحتواء الأزمة الحالية، اضافة الى ضرورة اتخاذ سياسات وإجراءات تخص بقية الصادرات والواردات، ولكنها تتطلب الاستقرار النسبي لسعر الصرف والتضخم ، والذي سيتحقق عبر هذه الخطة الإسعافية.
الصراع الصفري
وارجع الخبير المصرفي د. لؤي عبدالمنعم، السبب الرئيسي لارتفاع سعر الدولار، (انخفاض الإنتاج وفشل الكثير من عمليات الصادر)، كذلك تصريحات المسؤولين في الحكومة، حول زيادة الأجور وعدم وجود أموال وموارد كافية لتغطيتها، وان هناك (إحباطا شديداً ) لدى المواطن من ارتفاع أسعار السلع ، وقال لـ(السوداني) ان (اي انسان وطني حتى لو كان الحديث صحيحا) لايصرح به، وزاد هذه التصريحات تسببت في (انهيار) اقتصادي، وارتفاع الأسعار بالاسواق، وجعلت المواطنين والتجار (يشعرون) ان البلاد غير مستقرة، وصاروا يتجهون لشراء العملة لحفظ اموالهم، كذلك قرارات وزارة الصناعة والتجارة حول استيراد السيارات للمغتربين انعكست سلبا على تحويلاتهم ، وأدت للاحجام عن التحويل والاستثمار مما شكل ضغطا على السوق الموازي.
واكد لؤي، ان الزيادة في قيمة الدولار لا تعكس قيمته الحقيقية، ولكن (الطلب عليه أكثر)، موضحاً أن حالات المظاهرات والفيضانات خلقت حالة من عدم الاستقرار ، وبرزت في ضعف الحكومة لمواجهة هذه المشكلات والتحسب اليها، لافتا الى ان هذه المؤشرات انعكست سلبا على المواطنين و(الشعور) بحالة عدم الاستقرار يزيد الطلب على الدولار في السوق.
واعتبر لؤي، أن تصريحات المسؤولين في الحكومة الانتقالية من الجانبين المدني والعسكري، وتبادل الاتهامات لم يكن كل ذلك في (صالح البلاد)، وأدى (لاضطراب وشعور أن البلد غير مستقرة)، ما دفع المواطنين لشراء الدولار لحفظ أموالهم من (التآكل)، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن شبيه بأزمة (شح السيولة) جعل المواطنين يسحبون أموالهم من البنوك آنذاك.
وشدد لؤي، على أن أسباباً سياسية والتعامل بـ(إقصاء) كان وراء (رد فعل) من الطرف الآخر لابعاد الفصيل الآخر، وان (الصراع الصفري) بين طرفي اليسار القابض على السلطة، واليمين الذي يتقدم صفوف المعارضة ، مما أوصل البلاد لهذه المرحلة، داعيا إلى ضرورة قيام جلسة حوار على (طاولة مصالحة وطنية) تجمع شمل البلاد.
شعور وخلل
ويرى الخبير الاقتصادي، د هيثم فتحي، أن الكثير من أصحاب الشأن(يشعرون) أن الحكومة لا تمتلك احتياطي عملات حرة، يمكنها من تحقيق استقرار سعر الصرف، وقال لـ(السوداني) إن الاقتصاد السوداني مايزال يعتمد على (المعلومات والشائعات) أحياناً سواء كانت صحيحة أو خطأ ويتأثر بها، وفي الفترة السابقة كان سعر الصرف يتحسن عندما تحدثت اللجنة الاقتصادية عن( عقوبات) للمتعاملين بالنقد الاجنبي وإقرار بعض السياسات والإجراءات لتصدير الذهب، موضحاً أن الطلب على الدولار يتزايد يومياً، حيث إن المواطنبن يشترون الدولار كمخزن للقيمة لأنهم يرون أن الجنيه السوداني في تدهور مستمر ، خاصة بعد تصريحات وتحليلات حكومية بنية رفع قيمة الدولار الجمركي ورفع الدعم عن الخبز والمحروقات والكهرباء، مع قرارات متعددة بخصوص الصادرات والواردات السودانية.
وأكد هيثم، أن التراجع المتواصل لأداء القطاعات الإنتاجية الحقيقية الرئيسية الزراعة والصناعة، أدى لظهور إختناقات في القطاعات الإنتاجية، مما تسبب في ارتفاع الاسعار للمنتجات المحلية والمستوردة، وذكر لا بد من إصلاح الدعم بالانتقال من دعم الاستهلاك إلى دعم الإنتاج، لانه من اكبر مستهلكات العملات الاجنبية في البلاد، واضاف : الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون حزمة واحدة بعيداً عن الحلول الجزئية، وإعادة النظر بصورة جادة في السياسات المالية والنقدية.
وشدد هيثم، على ان ميزان المدفوعات يعاني من( خلل كبير) حيث نجد أن فاتورة الاستيراد أكثر من عائدات الصادرات، وذلك يشكل (ضغطا مستمرا) على الجنيه السوداني ، ويجعل الدولة تلجأ للتمويل عبر العجز والاستدانة من النظام المصرفي، وطباعة النقود ، لتحملها أعباء توفير مبالغ ضخمة تذهب في دعم الوقود والمحروقات والكهرباء، وهذا يضاعف من التضخم مما اوصله لنسبة فاقت 140% ، وكل ذلك يسبب ارتفاع مستمر للدولار مقابل الجنيه.
وانتقد هيثم، الحكومة لانها لم تعمل حتى الآن على تحسين الميزان التجارى عبر زيادة الصادرات، وترشيد الواردات من السلع الترفيهية، لان التصدير هو ( العمود الفقري) للدولة حالياً ولاحل سوى الانتاج المحلي والإنتاج من اجل الصادر. وافاد ان الذي سيؤثر بنسبة كبيرة على استقرار الجنيه أو ارتفاعه خلال الفترة المقبلة هو( الانتاج والصادر) وليس (التصريحات)، خاصة ان الاقتصاد السوداني يعتمد على المعلومات والشائعات وتصريحات المسؤولين الحكوميين ويتأثر بها.
ونبه إلى أن البلاد تحتاج لمبلغ فرق ميزان المدفوعات حوالي ٤ مليارات دولار تقريباً، كذلك إلى أن ( المتاجرة والمضاربة) في العملة هي ليست السبب الرئيسي لارتفاع الدولار وانخفاض سعر الجنيه السوداني، انما اتجاه المواطنين لاستبدال أموالهم بالدولار حتى يحفظوا قيمتها، وهنالك فرق في الطلب وما هو متاح فعلاً من عملة صعبة، يأتي نتيجة انخفاض الصادر وتعثر تحويلات المغتربين بسبب جائحة كورونا، وزيادة الطلب من أجل شراء مدخلات الإنتاج ودقيق الخبز والأغراض الأخرى.
ودعا هيثم، الحكومة للقضاء على العجز في الموازنة الداخلية، وإيقاف الصرف (غير ذي العائد) واتخاذ خطوات سياسية تؤدي للتوافق والوفاق السياسي، ومعالجة الحروب وعدم الاستقرار ثم العمل على زيادة الإنتاج وتنشيط القطاعات الإنتاجية خاصة القطاع الزراعي.
واشار هيثم، إلى أن كل المعالجات الأمنية والشرطة ( فشلت) في حل مشكلة انهيار الجنيه أمام الدولار، نظراً لندرة العملات الصعبة، بسبب تدني الإنتاج وهي مثل (الأدوية المسكنة) التي تخفف الوجع لكن لا تلغيه، ويشير إلى أن الأزمة اقتصادية بحتة والحل يكون اقتصاديا ، أن تحديد سعر الصرف للدولار يعتمد على آلية السوق المتمثلة في الطلب والعرض.
الخرطوم :ابتهاج متوكل
الخرطوم: (صحيفة السوداني)