* لا ادرى لماذا يسافر رئيس مجلس السيادة ونائبه ورئيس الوزراء وعدد كبير من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة لحضور توقيع اتفاق بالأحرف الاولى والمشاركة فى احتفالات تحت ظل ظروف مأساوية وحالة افلاس تعيشها البلاد لا تكفى لتوفير الدواء بأسعار مناسبة للمواطنين، دعك من بقية السلع والمواد والخدمات الضرورية، وكأن الحياء انعدم في البلد، أو ان المواطنين يعيشون في امن وامان ورفاهية تُخوّل للمسؤولين السفر لحضور مناسبة توقيع بالأحرف الاولى وتحميل البلد مصاريفا باهظة، عدا الأموال التي انفقت على المفاوضات خلال عام كامل!
* لو كان السفر لحضور مراسم توقيع الاتفاق النهائي لوجدنا العذر للوفد الرفيع والعدد الكبير، ولكنه كان من اجل حضور مراسم التوقيع بالأحرف الاولى فقط، ما يعنى أنه ستكون هنالك مناسبة أخرى للتوقيع النهائي، ولقد سمعنا من يقول إنها ستكون في قطر، ومن يقول انها ستكون في الأمارات، ولا يدرى أحد لماذا لا تكون داخل السودان، بدلا من العبء المالي الضخم التي ستتحمله الدولة فى سفر المسؤولين ونثرياتهم خصما على حياة الناس، في وقت نحتاج فيه الى كل مليم احمر لتفادى الانهيار الذى يمكن أن يحدث في أي وقت في كل المجالات وليس فقط المجال الاقتصادي، ولا شك أن عدد الذين سيحضرون الاتفاق النهائي سيكون أضعاف من حضروا التوقيع بالأحرف الأولى !
* يحدث ذلك بينما البلد في حالة انهيار كامل في جميع النواحي، يتهددها الغرق والجوع والغلاء وانهيار الامن والاحتراب الأهلي، ولا يوجد فيها ما يبشر بخير، وكان من الأجدى إذا كان هنالك بعض المال انفاقه على الاحتياجات الاساسية للمواطنين الذين يعيش 75 % منهم تحت مستوى الفقر، ولا يستطيعون توفير ثمن لقمة الغذاء او حقنة الدواء، ويعيشون كالأموات بل أن الأموات افضل حالا منهم لانهم ماتوا وارتاحوا وحصل كل منهم على شبر دفن فيه، بينما يعانى معظم الاحياء من الحصول على متر واحد يستر عورتهم في الدنيا القاسية قبل أن يرحلوا عنها ويجدون اخيرا الشبر الذى يسترهم، إن لم تصبح المقابر سلعة تباع في الأسواق لا يقدر على شرائها إلا الاثرياء، فيضطر الناس الى التسول لشرائها وشراء الاكفان، وهو أمر قد يظنه البعض خياليا، ولكنه واقع معاش، فلولا الكثير من أهل الخير وروح التكافل في المجتمع السوداني لدُفن البعض عراة في هذا الزمن، ولا أحد يضمن ألا يحدث ذلك غدا مع التغييرات الكبيرة في تقاليد الناس وعاداتهم واخلاقهم!
* وما يدعو للأسف والحزن أن عددا من الذين سافروا الى جوبا وعلى رأسهم الدكتور حمدوك، لم تراودهم مجرد فكرة عارضة لمواساة متضرري الفيضانات والسيول بكلمة، دعك من زيارتهم في أحيائهم واتخاذ اجراءات عاجلة لحمايتهم ومساعدتهم والاهتمام بهم، وهو أمر محير وغريب وغير مفهوم وغير مقبول من شخص تقلد منصبه بإجماع الشعب بعد الثورة العظيمة التي اسقطت النظام البائد، وأقولها له بصراحة إن كثيرا من تصرفاته ولا مبالاته واحجامه عن تفقد الناس في مواقعهم، والاكتفاء بتسيير اعمال الدولة ومخاطبة الناس عبر اجهزة الاعلام من مكتبه تثير الكثير من الغضب والتذمر، ولقد استغلها فلول النظام البائد للسخرية منه بانه خائف على حياته بسبب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها، ولا يعرف احد حتى الان النتيجة التي توصلت اليها لجنة التحقيق رغم انقضاء حوالى ستة أشهر من وقوع المحاولة الفاشلة، وهو ما يجعل الكثيرين يزعمون انها مفبركة لتخويفه أو انقاذ شعبيته المتدهورة !
* نفس التجاهل وجده الكثير من الاحداث وعلى رأسها الصراع القبلي والانفلات الأمني في ولاية كسلا التي اكتفى الدكتور حمدوك بإرسال وفد وزاري لزيارتها، ولا يعرف أحد ماذا فعل هناك، بينما كان من المفروض أن يتولى بنفسه حل هذا الأزمة الحادة في موقعها والاجتماع بالقيادات الاهلية المتصارعة والوصول الى حل مقبول للجميع، بدلا من الاكتفاء بالحل الأمني والجلوس في مكتبه وارسال وفد هش وكأن كسلا ولاية في امريكا، أو ان الدماء التي تسيل على شوارعها لا قيمة لها !
* خاطبت قبل يومين الفريق البرهان، بأن السلطة ليست احتفالات ومواكب وصفارات إنذار وسفريات، وانما وسيلة لخدمة الشعب، وها أنا اخاطب الدكتور حمدوك بنفس العبارات، وليته يستمع إليها قبل أن تدور الدائرة فيستمع الى الشعب الذى اتى به يطالبه بالرحيل!
صحيفة الجريدة