(1)
كان الإمام الصادق المهدي أبعدُ نظراً، وأشملُ نظرةً، وألمعُ بصيرةً وهو يُبصر بعيون زرقاء اليمامة إلى الفتن التي تتمدد الآن كقطع الليل المدلهم في سماء البلاد ويحذر منها ويقرع الأجراس في وقت مبكر، فقد كانت أبرز خلافات حزب الأمة القومي مع حلفائه في قوى الحراك الثوري هو «الوصفة» في عملية اختيار ولاة الولايات التي تعاني من الهشاشة الأمنية والنزاع القبلي ، إذ كان يرى أن يتم اختيار ولاة ذوي خلفية عسكرية لمناطق النزاع القبلي مع مراعاة عدم إنتمائهم لأيٍّ من المكونات القبلية والإثنية بالمنطقة المعنية، لكن للأسف تم تجاهل وجهة النظر تلك.
فقد كان خطأ كبيراً أن يتم اختيار والي كسلا من إحدى المكونات والأطراف المتصارعة، وهو أمرٌ قد تفهمه أطراف الصراع القبلي والإثني على أنه انحياز وتحامل من جانب الحكومة، طبقاً للحساسيات التي لم تنتبه لها السلطات ولم تأخذ فيها برأي أصحاب البصيرة وشمول النظر..
(2)
لكن دعونا الآن من البكاء على الأطلال واللبن والمسكوب ، بل دعونا الآن من التلاوم والإلقاء بالمسؤولية على الأطراف المختلفة، فالمطلوب الآن وبسرعة جداً وقف النزيف، وإطفاء الحرائق، فكسلا الولاية المنكوبة لاتحتمل الآن أكثر مما جرى، والتدخل السريع والحاسم لوقف شلالات الدماء وإطفاء الحرائق يتطلب قراراً حازماً وقوة وحكمة وتدبُّر وسرعة في اتخاذ القرار وليس المطلوب الآن المشاورات ولا الترضيات فأيِّ تلكوء من الحكومة في اتخاذ القرار هو صب للزيت على الحرائق المشتعلة حالياً في كسلا المحترقة، وأيِّ تردد وإبطاء في اتخاذ الموقف الحاسم هو إنكاء للجرح النازف بغزارة… والسؤال الأهم : ما المطلوب عمله الآن على وجه السرعة؟؟..
(3)
ليس هناك حلاً يمكن أن يسهم في تخفيف وطأة الحرائق والنزيف إلا أن يبادر والي كسلا بتقديم استقالته حقناً لدماء أهله ومواطني ولايته فإن فعل يكون قد اتخذ القرار الشجاع والصائب والأكثر حكمة وهذا موقف سيسجله له التأريخ بلا شك ، صحيح أن الوالي عمار يتعرض الآن لضغوط كثيفة من مناصريه تحمله على «العناد» و»ركوب الراس» ، وتحدي الطرف الآخر، لكن قوة الوالي وحكمته وشجاعته في اتخاذ القرار الذي يحقن الدماء ويطفيء الحرائق، وليس التحدي والركون لدعاة الفتنة..افعلها أيها الوالي الهمام سيذكرك التأريخ، وتكون قد أحييتَ نفوساً قد شارفت على الهلاك ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) …فإن اتخذ عمار هذا القرار من تلقاء نفسه حباً وكرامة كان بها، وإن لم يفعل فعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وتتخذ القرار بالإعفاء، لأن المعادلة ببساطة هي أن استمرار الوالي يعني استمرار النزيف والحرائق ، واستمرار النزيف والحرائق يعنيان المزيد من ازهاق الأرواح البريئة وتمدد الحرائق ليس في الشرق وحده بل في كل أطراف البلاد التي تعاني من السيولة الأمنية والهشاشة السياسية.
(4)
حسناً… السؤال التالي: وماذا بعد استقالة أو إقالة عمار؟ النظرة الوطنية الشاملة وبُعد النظر والحكمة تقتضي الأخذ برأي الإمام الصادق المهدي في اختيار والٍ قومي من خارج الولاية وليس له أي انتماء للمكونات الإثنية المتصارعة، وذي خلفية عسكرية حاسمة وحكيمة…شكراً الصادق المهدي على فكرك المتوازن ونظرتك الثاقبة وبصيرتك المتقدة……اللهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين….
صحيفة الانتباهة