غير مصنف --

زهير السراج يكتب: عفوا يا سليل الفراديس !

* لم يغضب النيل الأبيض ويعبر فوق الحاجز الخرساني ويهدد حي المقرن والمناطق المجاورة بالغرق من فراغ، ولكنه فعل ذلك ليكشف الفساد والغباء والانانية البغيضة التي تعامل بها النظام البائد مع حرمه وداره ومجراه وامتداده الطبيعي الذى كان يتنفس فيه عندما يفيض بالماء والخير والنماء!

* الفساد والغباء والأنانية البغيضة التي سولت للنظام البائد أن يعتدى بكل صفاقة على شاطئه الشرقي والاقتطاع من جسمه الحي على امتداد المنطقة الواقعة بين كبرى الفتيحاب وكبرى النيل الأبيض (كبرى أم درمان) من ناحية الخرطوم، الموازية لفندق الهيلتون (سابقا) وحي المقرن، ودفنه بملايين الاطنان من التراب بتكلفة بلغت في ذلك الوقت أكثر من 60 مليار جنيه (حوالى 30 مليون دولار أمريكي)، ويجعل من مقبرته مشروعا لثراء الفاسدين بالبيع والايجار والحصول على العمولات الضخمة، وكأنه لم يبق إلا النيل ليوجعوه ويذبحوه ويرقصوا فوق جثته لاكتناز المال الحرام !

* كتبت وقتذاك (في عام 2002 و2003 ) عدة مقالات منتقدا ومهاجما الاعتداء على النيل وامتداداته الطبيعية، ومحاصرته وحرمانه من التمدد والتنفس، وما يترتب عن ذلك من آثار بيئية ضارة وكوارث طبيعية ولكن لم يكترث أحد ، بل ظل النظام البائد ممثلا في عضو الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني ومدير الصندوق القومي للتأمين السابق (عثمان سليمان ) سادرا في غيه وضلاله، مستغلا أموال التأمين الاجتماعي التي تقتطع من اجور وعرق ودم العاملين في الدولة لجلب ملايين الاطنان من التراب وردم النيل وذبحه وقتله والتمثيل بجثته، وتدمير البيئة الحية المحيطة به، وبيع الأرض بملايين الدولارات التي لا يعرف احد اين ذهبت، لإقامة غابات الاسمنت عليها ويحصل الفاسدون على أرباحهم وعمولاتهم، بينما الدولة تتفرج في سعادة غامرة، ولا غرو في ذلك ما دام الحركة والحزب ورئيس النظام البائد وزبانيته يقبضون أنصبتهم وعمولاتهم !

* أذكر أنني انتهزت فرصة مؤتمر صحفي عقده المدعو (عثمان سليمان) للحديث عن ما اسماه بالمشروع السياحي على ضفة النيل الابيض أو في الحقيقة (جثة النيل الأبيض)، وتحدثتُ بحرقة وغضب عن الآثار الضارة للمشروع، كما فضحت بالأرقام الأموال الضخمة التي أهدرت على عمليات الردم وكان بالإمكان صرفها على تشييد مستشفى أو إقامة مشروع لتشغيل الشباب وخريجي الجامعات الذين لا يجدون عملا، بدلا عن اهدارها في دفن النيل والتسبب في كوراث بيئة وطبيعية في المستقبل، فكان رده البائس أن “الشباب لا خوف عليهم، فالدفاع الشعبي يستوعب طاقاتهم وقدراتهم، ولن يقصر النظام في إنشاء المستشفيات والمشاريع التي لن تترك مريضا بلا علاج أو خريجا بلا عمل”، وكنت أعلم بالطبع أنه يكذب، فلن يقيم النظام مستشفى أو مشروعا ينتفع به الناس، أما الدفاع الشعبي فلقد كان مخططا لقتل الشباب وليس استيعاب طاقاتهم وقدراتهم، وعندما حاولت الحصول على فرصة ثانية للحديث رفضوا إعطائي الفرصة ، ولكنني لم اسكت وكتبت كل شيء في صحيفة (الأيام ) الغراء التي كنت أنشر فيها عمودي آنذاك، ولقد وضح جليا فيما بعد كذبهم وفسادهم وخداعهم !

* إنها جريمة فادحة لا تقل فداحة عن الجرائم الأخرى التي ارتكبها النظام البائد وسدنته، يجب ان يجروا بسببها الى المحاكم، وعلى رأسهم المخلوع الذى سمح بذلك ومدير الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي السابق المدعو (عثمان سليمان)، ويحاسبوا ويعاقبوا على كل متر من النيل ذبحوه وكل قرش أضاعوه ونهبوه!

* عفوا أيها النيل العظيم يا سليل الفراديس .. إن قدرك أن تعيش بيننا مهانا معذبا مثلنا، ولو كنتَ في بلد آخر لعشتَ عزيزا موفور الكرامة نبيلا موفقا في مسابك، حضنتك الاملاك في جنة الخلد ورَّفت على وضئ عُبابك !

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى