حل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ضيفاً ثقيلاً على العاصمة الخرطوم وهو ثقل من حجم الزائر سياسياً ودولياً جاء بمقترحات التطبيع مع إسرائيل التي طرحها على الحكومة ،عدا الثقل الأمني الذي وقع على الأجهزة الأمنية يرتبط بتأمين حياته وتحركاته وضمان مغادرته البلاد سالماً.
هاجس إنجاح الزيارة أمنياً لم يكن يخص السلطات السودانية وحدها بل هو هاجس الجانب الأمريكي الذي استعجل ارسال طأئرتين قبل يوم من الزيارة على متنها أعداد من رجال المارينز و أجهزة تأمين عالية التطور والدقة وقد يكونوا مزودين بأسلحة خفيفة وحاسمة.
بمجرد وصولهم اي المارينز أجروا مسحا شاملا على مطار الخرطوم وراجعوا مع السلطات السودانية خطة التأمين وأبدوا بعض الملاحظات حسب مصادر تحدثت للصحيفة.
ليس ثمة أي مؤشر على وجود خطر على حياة بومبيو في السودان وهي بلاد لم يعرف إلا نادراً عمليات الاغتيال السياسي لكن فيما يبدو أن للأمريكان رأي آخر حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في الثامن من الشهر الجاري نشرة دورية حذّرت فيها مواطنيها الراغبين في السفر إلى السودان، ومن وجود عناصر وجيوب إرهابية تستهدف الرعايا الغربيين بالاغتيال والاختطاف، كما حذرت من جرائم خطف ونهب مسلح وسطو على المنازل والسيارات، إضافة إلى التحذير من احتمال استخدام قوات الشرطة السودانية وبقية الأجهزة الأمنية العنف في قمع المظاهرات السلمية التي تخرج من فترة لأخرى.
ووردت التحذيرات ضمن التحديث الدوري لنصائح السفر للمواطنين الأمريكيين الراغبين في التوجه لدول العالم المختلفة، متضمناً الأوضاع الصحية والأمنية في كل بلد على حدة بما يشمل التحذيرات من فيروس كورونا وهى تحذيرات يبدو أن ضيف الخرطوم (الثقيل) تحسب لها تماماً حيث حرص على ارتداء الكمامة مزينة بعلم بلاده كذلك وحرم بومبيو نفسه من مصافحة مستقبليه بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وبعودة لطائرتي المارينز في الخرطوم فقد حطتا بمدرج مطار الخرطوم يوم (الاثنين) أي قبل يوم من زيارة وزير الخارجية الأمريكي، إحداهما صغيرة الحجم لدرجة لفتت انتباه قوات التأمين بالمطار نزل منها ضابطان فقط يرجح أنهما من قوات المارينز، أما الثانية فخرج من جوفها نحو 20 جندياً ، تلك القوات حضرت كوفد مقدمة استقبلها وفد من السفارة الأمريكية بالخرطوم وعناصر التأمين فيها، برفقة مباحث المطار، ثم غادرت إلى مقر إقامتها.
منتصف نهار (الثلاثاء) أي عند الساعة الثانية عشرة (بالضبط) حطت طائرة مايك بومبيو بمطار الخرطوم الدولي بعد أن قطعت رحلتها مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم ومن داخل الطائرة غرد بومبيو في حسابه بتويتر وعبر عن سعادته بزيارة السودان.
حينما هبطت الطائرة في الخرطوم هنا بدأ الأمر مختلفاً فيما يتعلق بطريقة شركات المناولة الأرضية في استقبال الطائرات، طائرة الوزير كانت مجهزة بخصائص عالية التأمين، بمجرد هبوطها أحاطتها قوات المارينز وعدد قليل مباحث مطار الخرطوم، واستخبارات الجيش السوداني، بعد لحظات برز (سلم) من داخلها استخدمه الوزير في النزول إلى الأرض، وسط قبضة أمنية عالية، حيث كانت أكثر من ١٠سيارات تابعة للسفارة الأمريكية بالخرطوم تحركت ودخلت إلى مدرج المطار وبمجرد هبوط طائرة الوزير طوقتها بالكامل في شكل دائرة يتعرج محيطها قليلا بينما سيطر الأمريكان على محيط الطائرة ولم يسمح فيما يبدو إلا بدخول عدد قليل من السودانيين ولم يتمكن المصورون السودانيون من تصوير لحظة الوصول الا من مسافة بعيدة خلف السيارات وبمجرد استقباله من أحد قيادات الدولة، وفي دقائق صعيد الوزير الأمريكي إلى سيارته ولم يتوجه إلى صالة الإستقبال الرئيسة التي تخصص لتقديم واجب الضيافة .
الملاحظة الثانية أن المستقبل الرسمي للوزير في مطار الخرطوم لم يرافقه في السيارة المصفحة التي استجلبت خصيصا للوزير، وحسب مصادر (السوداني) أنه لم يتناول أي ضيافة كما درجت العادة في استقبال ضيوف البلاد (بالفول والبلح) والعصائر المحلية كثقافة سودانية قديمة متجددة، ما يدل على أنه حضر بخطة تأمينية حذرة وعالية الدقة.
الوزير تحرك من المطار مباشرة إلى مقر مجلس الوزراء وهناك كانت الترتيبات على أشدها.
ومن مجلس الوزراء توجه الضيف لمجلس السيادة للقاء عبد الفتاح البرهان، وغادر البلاد عند الثالثة ظهراً.
ملاحظة تأمينية أخرى تكشف حجم الحذر الأمريكي إذ لم يقابل الوزير الصحافة السودانية ولم يعقد مؤتمرا صحفيا ولا تصريحات صحفية، كما أنه لم يفكر في زيارة اي موقع آخر كما فعل وزير الخارجية الألماني وزوار آخرون بزيارة محيط الاعتصام.
الخطة
على الجانب السوداني وضعت رئاسة قوات الشرطة السودانية خطة رأتها محكمة لتغطية زيارة بومبيو، منذ وصوله وحتى مغادرته، الخطة لم تكن عادية لذلك كان يشرف عليها مدير عام الشرطة الفريق أول عزالدين الشيخ ووالي الخرطوم – رئيس لجنة أمن الولاية أيمن خالد نمر، ومدير شرطة ولاية الخرطوم، اللواء ياسر الكتيابي.
خصصت لتنفيذ هذه الخطة التأمينية قوة قوامها (616) ضابطا وضابط صف وجندي، على أن ينتشروا وفق محاور في مواقع استراتيجية على امتداد الشوارع التي تمثل خط سير الوزير.
محاور التأمين
مصادر (السوداني) كشفت عن أن خطة التأمين كانت بقيادة لواء شرطة، وعميدين وأربعة برتبة العقيد، وضابطين برتبة المقدم، وكانت انطلاقتها من مطار الخرطوم، بنشر 5 ضباط بينهم مدير إدارة مباحث المطار ونائبه، و66 ضابط صف وجندي، هؤلاء انتشروا في جميع مداخل المطار ومخارجه وفي الصالات والساحات الداخلية، إلى جانب 10 سيارات، منذ وصول الضيف وحتى مغادرته، فضلاً عن تأمين الصالة الرئاسية وجمع المعلومات ورصد حركة السير حول المطار.
محور ثان
قيادة الشرطة وضعت في خطتها محورا ثانيا يشمل تأمين خط سير وفد الوزير الذي حرسه الماريز، من المطار إلى مجلس الوزراء، وكلف له 13 ضابطاً و(71) فردا، ينتشرون على امتداد الطريق، بصورة منتظمة، على متن 9 سيارات، فضلاً عن تغطية المسطحات المائية بقوات خاصة على متن زورقين، تحسباً لأي طارئ يأت من (النيل)، إلى أن وصل الضيف إلى مقر إقامته.
محور ثالث
حسب معلومات (السوداني) أن الخطة شملت محوراً ثالثاً لاكتمال عملية التأمين، هذا المحور بقيادة 10 ضباط و107 أفراد و12 متحركاً، خصص لعملية تأمين القصر من الخارج ومجلس الوزراء إلى جانب تنظيم حركة المرور بقوات شرطة المرور ضمن العدد المذكور، هذه القوة كانت تعمل بدقة على فك الاختناقات وإخلاء الطريق من السيارات.
دائرة خارجية.
الخطة لم تختصر على الدوائر القريبة من الحدث فقط بل امتدت إلى تأمين خارجي بوحدة سميت (الدائرة الخارجية) بقيادة رائد و20 ضابطا و122 فرداً، القوة هذه انتشرت حول الولاية وشملت قوات المباحث والفيدرالية والشرطة الأمنية الخاصة والأمن والمعلومات إلى جانب فرق المسطحات المائية.
إعجاب المارينز
المصادر قالت إن رئاسة لجنة أمن الولاية قيمت خطة تأمين بومبيو بدرجة نجاح عالية، عقب تنفيذها دون خروقات أو ثغرات، ووافقت الترتيبات الأمنية التي وضعت من أجلها، مصادر أخرى كشفت لـ(السوداني) عن تلقي مباحث مطار الخرطوم لكلمات شكر وإعجاب من قبل قوات المارينز عن طريق موظفين سودانيين بالسفارة الأمريكية، شكرهم واعجابهم بخطة التأمين التي نفذتها الشرطة السودانية لزيارة وزير خارجيتهم مايك بومبيو.
المصدر أكد أن الخطة صممت للوزير الأمريكي ولا تعني بالضرورة تطبيقها على ضيوف آخرين أو حتى لبومبيو ذاته إذا ماعاد إلى البلاد.
وعلى كل غادر وزير الخارجية الأمريكي للبحرين في إطار جولته الإقليمية وترك وراءه زخما سياسيا وجدلا حول التطبيع لكن زيارته بحسب البعض ربما بددت هواجس و مخاوف دبلوماسيين غربيين يرغبون في زيارة البلاد.
عبد الحميد عوض:محمد أزهري
صحيفة السوداني