بعبارات بسيطة رفعت متظاهرة أمام مجلس الوزراء في موكب “جرد الحساب” يوم الاثنين، ورقة مكتوبة عليها (يسمكم يا كيزان دي مشاكل أسرية)، والرسالة هي أن الذي يجري الآن في الساحة ما هو إلا من مظاهر اختلاف الأسرة الواحدة أو كما يفهم، والتي يمكن أن تحل مشاكلها بجلسة أسرية أو تحت “ظل الضحى”.
ولكن المثير للمخاوف في هذا المشهد أن الصورة تغيرت داخل البيت الواحد عندما شعر الابناء أنهم أصبحوا مهملين ولا أحد يستمع لآرائهم، لذلك ظلوا يقفون ويهتفون ويهددون بالخروج حتى وإن كان ولي الأمر موجودًا, ويمكنه أن يستجيب لطلباتهم ويستمع لأصواتهم ويعمل لتحسين معيشتهم.
التهديد بالخروج والتصعيد الثوري، جاء لأن ولي الأمر ربما كان منشغلا أو لديه قضايا أخرى يعمل عليها في التوقيت الذي كان تتعالى فيه الهتافات بالشارع فكلف من ينوب عنه لتهدئة الوضع وتطييب الخواطر، لكن الخطوة رفضت لأن من كانوا يهتفون هم من يمثلون الحاضنة للبيت، وعليه اتضحت خيارات الشارع نوعاً لتبرز التساؤلات عن خيارات الحكومة في مواجهة هذه الغضبة، وإلى أي مدى ستصل؟!
خيارات مفتوحة
الشعور بالاستفزاز قد يدفع إلى مواقف بديلة غير منظورة في الواقع الحالي، وهو ما دفع تجمع المهنيين ليقول إن كل خيارات التصعيد وعودة المتاريس في مواجهة الحكومة تظل مفتوحة ويجري التنسيق لها وتقييمها مع تنسيقيات لجان المقاومة.
غير أن السقوف عند الثوار مرتفعة وإحساسهم بملكيتهم ناصية التغيير تجعل منهم قوة لا تقبل أنصاف الحلول ولديهم القدرة على إطلاق الاتهامات لرئاسة مجلس الوزراء باستفزاز الثوار حين قامت بإرسال أحد موظفيها لاستقبال مواكب “جرد الحساب”، معللاً ذلك بانشغال رئيس الوزراء، ويرون في ذلك مسلكاً غير مقبول، إلى جانب تدخل الشرطة والقوات النظامية واستخدام العنف لتفريق المواكب. وقال التجمع (كان على رئيس الوزراء وطاقمه التحلي بفضيلة الاستماع لمن أتوا بهم للمناصب بل ومخاطبتهم بما يستجيب لمطالبهم)، وأضاف (إن مثل هذا الاستفزاز سيجعل خيارات التصعيد مفتوحة على كل الاحتمالات).
عامل ضغط
التهديد بالتصعيد الثوري ليس أمراً جديداً على تجمع المهنيين لأنه سبق وهدد حال نصت الوثيقة الدستورية على إعطاء حصانة مطلقة لأعضاء المجلس السيادي فإن التصعيد سيكون سلاح المقاومة لإجهاض أي قرار لتأكيد أحقية المقاومة في التغيير والمراقبة، وأن المطالب لن تموت وأن “الشارع صاحي”، وربما هذا يشكل عوامل ضغط على الحكومة للعمل وتسريع الإنتاج وفق ما حددته وثيقة الثورة.
أمر مخيف
لم يجد الشارع السوداني تبريراً لعدم تنفيذ ما وعد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتنفيذه في غضون (15) يوماً ولذلك قرر التصعيد وعودة المتاريس لأنه يرى في ذلك بطئاً شديداً صاحب استكمال مهمام الثورة التي رسمت لها خارطة طريق, ذلك ما صوره القيادي بتجمع المهنيين د. الوليد علي أحمد لـ(الصيحة)، ولاحظ أن هنالك مهاماً تنفيذية يقوم بها مجلس السيادة مما يعد تغولاً على صلاحيات مجلس الوزراء، واعتبر تلك (حاجة مخيفة) وتدهوراً في العلاقات، واستغرب من الحديث حول الدعوة للإجماع حول الحكومة ورأى أن الحكومة الحالية حصل حولها إجماع غير مسبوق لسنة كاملة وأنها الوحيدة التي حصلها عليها إجماع منذ الاستقلال ولكنها لم تستفد من ذلك ورأى أن الحكومة إذا قل دعم الشارع لها ذلك تعبير على عدم شفافيتها وأضاف: أي حكومة لا تحظى بدعم الرأي العام أنها غير شفافة. وتساءل لماذا التراخي والتكاسل وعدم الحساسية بمطالب الجماهير في ظل حكم انتقالي؟ وشعارات حرية وسلام وعدالة، وقال: متوقع من السلطة توفيرها بيد أنه قال: ثلاث حاجات غير موجودة الآن، وهي الحريات فإن مواكب الثوار تضرب والعدالة لم يتم حتى الآن محاسبة المجرمين من فض الاعتصام أو غيره أما السلام (سايقاه) مؤسسات تشريفية دون إكمال ما جاء في الوثيقة.
تراخٍ واضح
ولأن الخطة التصعيدية مفتوحة دون سقوفات وأن المقصود به ليست الحكومة وحدها فإن د. الوليد يرى أن الخطة ستمضي إلى لحظة خروج السلطة المدنية ببيان مصحوب بتوقيتات وقرارات محددة في القضايا التي أشار إليها منها قرار بإنشاء مفوضية السلام وقرار آخر بدعم لجنة فض الاعتصام لتوضيح الخطوة التالية وتضع خطوات واضحة للشارع، وجزم بأن التصعيد ليس مستهدفاً به الحكومة فقط، وإنما الحاضنة السياسية لها وهي قوى الحرية والتغيير ويرى فيه تراخياً واضحاً في إنجاز مهام المجلس التشريعي وأنها مسؤولية مشتركة بينها والحكومة، وشدد على ضرورة أن تصحح نفسها وهياكلها ولفت إلى أن تجمع المهنيين تحدث مع تحالف قوى التغيير فيما يتعلق بتكوين المجلس المركزي دون وجود رؤية. وشدد على ضرورة وجود رؤية وميثاق، وقال: الحاصل الآن لا يوجد ميثاق وإنما أجهزة وأفراد ومراكز قوى داخل قوى التغيير يتم من خلالها تمرير الأجندات، ونوه إلى قضية إقالة الوزراء قال جزء منهم كان على علم وآخر ليس له علم بذلك، وأضاف (سمعنا من الأخبار وفي الوسائط) وأكد أنه في ظل غياب المجلس التشريعي من حق الشعب أن يعرف، وقال: الشعب لم يعلم حتى إجبار بعض الوزراء على الاستقالة. وعاد د. الوليد بأن هنالك تداخلات في السلطات بين الجهاز التنفيذ والسيادي على مستوى الاقتصاد والسلام والعلاقات الخارجية. مشيراً إلى قضية العلاقة مع إسرائيل وقضية صفقة السيارات للمجلس السيادي.
الشعب يريد
على وزن الشعب يريد إسقاط النظام، الآن هنالك دعوة بأن الشعب يريد أن يعرف ولابد من مبررات وشفافية مقدرين، فوق ذلك أن الذي حدث خلال الثلاثين عاماً لا يمكن أن إصلاحه بين يوم وليلة، بيد أن الشارع يريد أن يرى كما قال د. وليد الحكومة وقد شرعت في البناء بحفر الساس وصب القواعد على الأرض وبدأت في رفع الأعمدة، غير أنه قال إن الشعب السوداني لا يرى هذا، ولذلك لابد للحكومة أن تسرع الخطى لتحقيق تطلعات الشارع فيما يتعلق بحل الضائقة المالية والمحاكمة وتحقيق السلام.
المماطلة والتأخير
وقالت لجان المقاومة السودانية، إن تصعيدها الثوري قد بدأ من جديد للضغط على حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لتنفيذ مطالب تصحيح مسار الثورة. وذكر بيان صادر عن عدد من لجان المقاومة في الخرطوم أن ذلك التصعيد سيتم عبر كافة آليات العمل السلمي لتحقيق المطالب كاملة غير منقوصة، مشيراً إلى أن “المماطلة والتأخير في الاستجابة لجميع المذكرات المطلبية السابقة يوجبان على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وشركاء الحكم والجهات المختصة، الرد المباشر لتوضيح الأسباب”. وكانت لجان المقاومة قد تقدمت، في يونيو الماضي، بجملة من المطالب، أبرزها “القصاص لشهداء الثورة”، واستكمال هياكل السلطة الانتقالية، ومحاكمة رموز النظام السابق، وتفكيك وجود النظام في المؤسسات الحكومية، وتصحيح مسار التفاوض مع حركات الكفاح المسلح لتحقيق السلام.
لا حاجة
رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في تصريحات رأى لاستكمال مطلوبات الثورة أن الأمر يحتاج لوقت والالتفاف حولها من قبل قوى الثورة ربما ذلك يقود لوجود من يرى ضرورة منحها مزيداً من الوقت لإنجاز مرحلة التحول الديمقراطي والمدني ربما التصعيد بمفهومه الذي يراه الشارع العام لا يخدم قضية المواطن كما يراه البعض فيما ينظر إليه بعض المراقبين أنها حتمية لزيادة وتيرة العمل وإنجاز المهام.
ولا يرى العضو بلجان المقاومة أحمد فضل في حديثه لـ(الصيحة) بصورة شخصية التصعيد ضرورة ملحة لجهة أن الدولة، أي حكومة حمدوك (ماشة) في التقدم ولا يمكن أن نضع العراقيل حولها رغم أنه أقر بوجود بطء في عملها، ولكن قال: من الأفضل (شويه ما يكون) بمعنى لا يكون هنالك تصعيد على حد قول بيان تجمع المهنيين.
تقرير – صلاح مختار
الخرطوم: (صحيفة الصيحة)