غير مصنف 2

السودان ….العودة إلى مربع العنف المفرط

السودان اليوم:
في 17 أغسطس من العام الماضي، والذي حمل فيه هذا اليوم اسم (فرح السودان)، احتفى السودانيون بالاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي يقضي بتقاسم السلطة بينهما خلال الفترة الانتقالية، و كانت آمال السودانيون مُشرعة وكانت طبول الشباب وزغاريد النساء في الشوارع تُثقب أستار الصمت الطويل، وتطوي صفحات الغضب والحزن الذي فجرته مجزرة فض الاعتصام بداخل كل البيوت، تقافز الأطفال والصبية من فوق متاريس الغضب التي نصبوها الثوار في تلك الأيام الحالكة التي سبقت يوم (فرح السودان) ، وتبادل الثوار بينهم العناق والتبريكات بانتصار ثورتهم وغايتها المتمثلة في تعبيد الطريق لحكم مدني ديمقراطي، ولم يتبقى في جراب الثوار غير تعزيز الثقة بأن الحكومة المدنية التي سوف تتشكل بموجب هذا الاتفاف ، فإنها قطعاً ستستكمل أهداف الثورة دون إلتفاف ودون ولاء أو مصلحة تجاه أي كتلة سياسية أو مجتمعية غير الكتلة الثورية صاحبة الثورة وصاحبة مشروع التغيير، وهاهو عام مضى على (فرح السودان) ، وبالأمس تجددت ذكراه وخرجت جموع الثوار وكأنهم يحملون نعش فرح السودان الملفوف بخيوط الخذلان والاحباط والتقاعس المُريب عن إتمام مهام وأهداف الثورة ، كانوا يحملونه بين أياديهم ويحلمون بأن تُوقظه حكومتهم من غفوته قبل أن يتضطروا لمواراته الثرى الأبدى.
بيان حمدوك
قُبيل احتشاد الثوار نهار الـ17 من أغسطس في الذكرى الأولى لتوقيع الوثيقة الدستورية، خرج رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عبر بيان جماهيري بمناسبة مرور عام على توقيع الوثيقة الدستورية، التي تشكلت على إثرها هياكل الحكومة الانتقالية، وتعيين الولاة المدنيين، وعدها خطوة في طريق إكمال بناء الحكم المدني. وأوضح حمدوك أن الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية جاءتا بهدف وقف نزيف الدم السوداني الغالي، وأن نفتح للشعب والوطن آفاق لمستقبل أفضل تظلله رايات شعارات الثورة حرية، سلام وعدالة. وشدد على أن قضايا تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا أحد أهم المهام التي تواجههم ويعملون من أجلها لإنتاج نموذج سوداني للعدالة الانتقالية يفتح الأبواب للمستقبل ويعبد الدروب للانتقال. وأوضح أن جهاز الدولة يحتاج الي إعادة بناء وتركة التمكين تحتاج إلى تفكيك والخدمة المدنية تحتاج لتحديث وتطوير ليصبح محايد بين المواطنات والمواطنين وخدمي وفاعل، وختم حمدوك بيانه بالقول أن هذه المهمة تحتاج إلى كل الدعم السياسي والشعبي الممكن والعمل بروح الوحدة، والعمل من أجل إحداث التغيير وإنجاز مهام البناء والتعمير.
عودة العنف المفرط
وعندما خرج الآف من المتظاهرين السلميين بالعاصمة الخرطوم، الإثنين المنصرم، رافعين شعار” جرد الحساب”، للمطالبة باستكمال الثورة، في الذكرى الأولى لتوقيع الوثيقة الدستورية التي مهدت لبدء الفترة الانتقالية. قابلتهم القوات الشرطية من أمام بوابات مجلس الوزراء التي احتشد بالقرب منها المتظاهرين لتسليم رئيس الوزراء مطالبهم، قابلتهم بوابلٍ من القنابل المُسيلة للدموع، للدرجة التي ظن فيها الثوار بأن نظام البشير قد عاد من بعد السقوط. وقوبل تصرف قوات الشرطة باستهجان واسع وسط المتظاهرين الذين حاولوا ارجاع عبوات الغاز الى القوة التي تطلقها وسط حالة من الغضب الشديد. وروى عدد من شهود عيان لـ”الجريدة” إن رجال بزي مدني على متن سيارات مكشوفة اعتقلوا العديد من المتظاهرين في مشهد أعاد للأذهان تصرفات جهاز المخابرات في العهد السابق حيث كانت عمليات الاعتقال تتم بكثافة أثناء المواكب الاحتجاجية، فضلا أن (الجريدة) نفسها ومن داخل الحشد رصدت ردود أفعال الثوار التي كانت غاضبة ورافضة للمسلك العنيف التي اتبعته القوات الأمنية لمجرد مطالبة الثوار بخروج حمدوك نفسه لاستلام المذكرة، وبعضهم كان يردد (لساها ما سقطت). وكان قبل انطلاق المواكب الجماهيرية، نهار أمس الأول، بدأت قوات مشتركة من الجيش والشرطة، في تنظيم حركة المرور، وتحويل بعض الشوارع عن مساراتها الطبيعية، لفك الاختناق المروري، وتسهيل حركة المواطنين، كما أغلق الجيش الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة. وكانت حكومة الخرطوم أصدرت بياناً صباح الإثنين تعهدت فيه بحماية موكب المتظاهرين انطلاقاً من الحق في حرية التعبير لكنها نبهت إلى ضرورة التزام المحتجين بالمواقيت المُعلنة من منظمي المواكب والالتزام كذلك بحظر التجوال الصحي الذي يبدأ عند الساعة السادسة مساء مع مراعاة الاحترازات الصحية لمجابهة جائحة كورونا.
حديث المنصات
في مساء أمس الأول الإثنين، وبعد أن تم فض الحشود من أمام بوابة مجلس الوزراء، عادت الشوارع الداخلية في الأحياء للمظاهرات الليلية، وتخندق بعض الثوار في الشوارع الرئيسية داخل الأحياء، وتم إشعال إطارات العربات، وقام آخرون بتتريس الشوارع. اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بتوجيه أكبر حملة إدانة للحكومة الانتقالية بالسماح لقواتها باستخدام العنف المفرط مهما كانت المبررات، ووجه رواد مواقع التواصل الاجتماعي النقد المباشر لرئيس الوزراء وحكومته بأنهم أفقدوا الشارع خاصية التعاطف والدعم للحكومة، وبدأ واضحاً من خلال رصد (الجريدة) لردود الأفعال من داخل منصات التواصل الاجتماعي بأن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والذي كان يُحظى بدعم شعبي غير مسبوق، بدأ واضحاً انحدار سريع ومفاجئ في رصيد حمدوك من الدعم والتأييد والمناصرة الشعبية، وحملت كثير من (البوسات) أوصاف غير إيجابية لشخصية حمدوك القيادية وطبيعته في إدارة الفترة الانتقالية، أما صفحات لجان مقاومة الأحياء وعدد من المجموعات الثورية، فقد ضجت بلغة الوعيد بالاستمرار في التصعيد الثوري وفك القداسة لأي كائنٍ كان يريد أن يعبث بأهداف الثورة وغاياتها، وتحسرت صفحات المجموعات الثورية على دماء الشهداء الذين لم تنجح الحكومة حتى الآن في القصاص لدمائهم الذكية، وتداول الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي عدد من الصور لقوات الأمن وهي تعتقل عدد من الثوار، وربطوا ذلك بالعودة لذات الصور ومقاطع الفيديو التي كان يتداولها الناشطون أيام الحراك الثوري في عهد المخلوع البشير.
مسؤولية وكلاء النيابة
تحالف الحرية والتغيير لم يكن بالطبع مسروراً بالذي حدث من عنف ، وعلى الفور تبارى عدد كبير من قيادات الحرية والتغيير في إدانة استخدام العنف ضد المتظاهرين، ورأوا أن بيان ولاية الخرطوم كان واضحاً وشفافاً في ترحيبه بحرية التظاهر واستعداده لحماية المواكب من قبل القوات الأمنية، وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير، دكتور أزهري علي، في تصريحات لـ(الجريدة) بأن استخدام العنف مرفوض لدينا تماماً، وأن حق التظاهر السلمي غير أنه بات مكفولاً بالقانون، فهو حق انتزعه الشعب السوداني عبر معارك ضارية مع المنظومة الأمنية في عهد المخلوع، وأضاف أزهري بأن بيان ولاية الخرطوم استبق التظاهرات وبالفعل سارت المظاهرات بسلميتها المعهودة ولم يعترض طريقها أي عوائق أمنية حتى استقرت عند مدخل مجلس الوزراء، وزاد بأن العنف الذي حدث هناك كان عنفاً محصوراً في منطقة محددة وبالتالي من المفترض أن تكون لجنة أمن الولاية قد أخطرت وكلاء النيابات بمرافقة القوات الشرطية، ولهذا يجب توجيه أسئلة مباشرة لوكلاء النيابة عن الكيفية التي حدث بها عنف القوات الشرطية وأسبابها ومن كان يقف ورائها ومن نفذها، وشدد أزهري بأنه لا يجب السماح لعودة العنف والاعتقالات التعسفية بأية حال من الأحوال، مقراً بأن ذلكمن صميم مهام حكومة الفترة الانتقالية عبر مجلسيها السيادي والوزراء.
إطلاق سراح بالضمان
المحامي و الناشطة الحقوقية، سامية أرقاوي، كانت حاضرة مع مجموعة من المحامين في داخل الحشد الجماهيري في مليونية (جرد الحساب) أمام بوابة مجلس الوزراء، ورصدت أرقاوي اللحظات الحرجة التي تم فيها إطلاق القنابل المُسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، وقالت في إفادات لـ(الجريدة) ، نحن مجموعة من المحامين والناشطين الحقوقيين، كالعادة نخرج مع المواكب منذ أيام الحراك الثوري في عهد المخلوع، وأمس الأول كنا نقف إلى جانب الثوار تلبيةً لنداء الخروج من أجل (جرد الحساب)، وعند بوابة المجلس لم نرى غير منتهى الممارسة السلمية لحق التظاهر من قبل الثوار، ولكنه ودون سابق إنذار انهالت علينا بكثافة لم أشهدتها طوال أيام الحراك الثوري، وابلٌ من قاذفات الغاز المُسيل للدموع، ومما أحال الساحة لسحابة من الدخان سقط على إثره كثير من الثوار، وأضافت بأنها رأت بأم عينها مشهد لشاب ثائر يسقط على الأرض ويتقطع (الذبد) من فمه جراء الاختناق بالغاز، وتابعت أرقاوي بأنهم كمحامين اسرعوافي الخروج من المنطقة، ولكن بعض زملاء المهنة لاحظوا وجود بكاسي عليها أشخاص بالزي المدني يقتادون بعض الثوار فوق الباكسي ويضربونهم، وقالت أنهم هرولوا إلى قسم الشرطة بالخرطوم شمال ، وتابعوا كل الإجراءات الخاصة بإطلاق سراح نحو 24 ثائر بالضمان المالي، مؤكدة بأن كل الإجراءات هذه قاموا بها هم كمحامين ولم يروا والي الخرطوم إطلاقاً في القسم، مؤكدة بأن بعض الثوار كانت عليهم آثار ضرب مبرح

The post السودان ….العودة إلى مربع العنف المفرط appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى