السودان اليو
(لو كُنتُ أعلم أنك رئيس الوفد المصري لما سمحتُ لك بدخول السودان) قالها رئيس الوفد السودانى وهو يسحب الكرسي ليجلس على صدر الاجتماع بقاعة من قاعات الخرطوم في إجتماع بين مسؤلين أمنيين بين مصر والسودان في زمن ما عندما تفاجأ بأن رئيس الوفد المصري هو من أبعده عن القاهرة كشخصٍ غير مرغوبٍ فيه في يومٍ ما وسرد له (الحكاية) فلم يجد الآخر إلا الاعتذار معلقاً ما حدث على (شمّاعة) التعليمات العليا وتصافى الرجلان فكليهما ضابطا أمن ويتقنان رسم الابتسامة رغم الوجع . تذكرتُ الحادثة وأنا أختم مقال الامس والذى تناولت فيه أن مستوي العلاقات المصرية السودانية دون الطموح الذى يلبى تطلعات وآمال الشعبين الشقيقين ويجب أن تنعتق من (بيع) الكلام والامانى والنظرة المقروسة تاريخياً في العقلية المصرية و للأسف مازال من بين طبقة المثقفين المصريين من تسيطر عليه عقلية (وما السودان إلا للغيد والعبيد والذهب) وقد سبق لى أن تناولت تلك العلاقة المائلة والمتحاملة والاستعلائية من مصر نحو السودان في ثمانية مقالات حتى (تململت) الصحيفة متضجرة وطلبوا منى أن أتوقف فاقلقنا القلم ، تناولت ركون الشخصية السودانية نحو المهادنة والصمت حيال كل الحملات التى كانت يحركها الاعلام المصري كلما شعر ببوادر عافية إقتصادية وأمنية (يتمغى) بها السودان والمواقف كثيرة لا تحصى حتى أشفق وهزأ وهذى من زيارة الرئيس التركى لسواكن و زيارة الشيخة موزة لأهرامات البجراوية حتى نعتوها ساخرين من الضيف والمُضيّف أنها صغيرة كمثلثات الجبنة لا تسوى شيئاً ، وعندما أعلن السودان عن منحة قطرية لتطوير السياحة الاثرية فقد الفراعنة صوابهم شتماً وسخرية وتقليلاً منّا وعندما ركّز الاعلام السودانى على حضارته وغهراماته أتونا بالتاريخ معكوساً حتى كاد عمرو أديب أن يكسر شاشة التلفاز مستشيطاً من الغضب لأن السودان قال (مجرد قول) أن لديه إهرامات ! ولكن هل كل هذا (الضيق) المصري يأتى صدفة هكذا وهل في كل مرة تصدق الخرطوم تبرير مصر الرسمية بأن ما يصدر من إعلامها الخاص هو حرية رأي ولا دخل لها به وتختم قولها أن لا تهتم الخرطوم لما يقال (من شوية العيال) . برأيي أن ما ورد في مقال الأمس أن السودان لو أوكل ملف العلاقات المصرية السودانية لخريجى الجامعات المصرية لوفر على نفسه كثيراً من العناء وما قصدته هو ما ما لخصته جملة الضابط السودانى التى وردت في صدر المقال فهم أكثر الناس دراية ومعرفة بطريقة التفكير المصرية و هم أقدر الناس على استيعاب الجملة والضحكة و وضعهما في السياق المقصود وهم أدري الناس بمزاج المفاوض المصري الذى يميل الى الدعابة في سبيل الوصول الى الهدف لذا تحتاج لذات المرونه العصيّة عن الاختراق والتأثر وهذه لا تتوفر إلا لمن عاش ودرس بمصر .
(برأيي) أن سعى مصر الرسمية للإقعاد بالسودان ليس بالجديد ولن يتوقف طالما ظللنا لا نري سوقاً غير مصر ولا دراسة ولاعلاج غير مصر فسنظل مورداً خصباً للدولار والعجول و الكركدى . نعم لا نعفى حكومات الخرطوم المتعاقبة عن مسؤليتها في وضع العراقيل والجبايات الضخمة أمام المستثمر السودانى والتصنيع الوطنى و تسببها في إنسياب (حِلل) الالومنيوم وأفران الكهرباء فتشجيع الصناعة الوطنية اولويه قصوى يجب أخذها في الاعتبار وكذلك حصر صادر المواشى الحية على القطاع الخاص و إكتفاء الحكومة بتحصيل رسوم التصدير لتذهب الارباح لجيب المُصدر هو أكبر خطأ ظلت ترتكبه حكومات الخرطوم فأين القطيع القومى والصادر القومى . يومياً أكثر من مائتى طن من اللحوم تغادر مطار الخرطوم فكم نصيب الاقتصاد القومى منها؟ وقس على ذلك الخضروات والفواكهة وفى المقابل ماذا يأتينا من مصر أسماك وخضروات كتبت عنها مجلدات بحبر الصرف الصحي ومادة السيانيد فما الذي يجبرنا على ذلك؟ اليست هو المخطط الذى يسوقنا سوقاً بلا وعي لهجر الزراعة وإمتهان تجارة الدولار وتسكع شبابنا بإشارات المرور يبيعون كل ما هو وارد من مصر ؟ فهم يدركون ذلك ويريدونه لنا فإن زرعنا فأين ستذهب منتجاتهم و (برأيي) فان أكثر المستفيدين من هذا (الغباء) السودانى هى المحروسة مصر لذا وإن أبدوا الكلام المعسول فلن تروق لهم اى نهضة وتنمية بالسودان الحديقة الخلفية الوارفة والارض البكر والعجول السمينة ! فالى متى ستعدل الخرطوم البوصلة وتري أين مصلحتها الحقيقة والبداية (برأيي) هى إدارة ملفات البلدين بمختصين (صعاليك) درسوا بمصر (يقلبون) الكلمة مائة مرة قبل أن يكتبوها فتلك البداية الصحيحة.
قبل ما أنسى:
السمسار عصمت المكوجى بالزقازيق كنا نتردد عليه نبحثُ عن شقة وفى كل مرة نجد المحل مغلق ونجد صبى يجلس على كنبة بجوارالباب والأرض (مرشوشة بالماء) فيقول لنا أنه خرج مع زبون وسيرجع حالاً . بعد ثلاثة أيام وجدنا السمسار فحكينا له قصة الغلام فقال أنه سافر الى (المنيا) بصعيد مصر وأنه يدفع للصبي (قرشين) للابقاء على الزبائن حتى لا يذهبوا لغيره . أظن السودان يحتاج لمكوجى درس هُناك.
The post علاقتنا بمصر و الوجع المزمن.. بقلم صبري محمد علي appeared first on السودان اليوم.