* شاهدت قبل يومين فيديو لجزء من حفل زواج بالولاية الشمالية متداول بكثرة في وسائط التواصل الاجتماعي ظهر في لقطة منه نائب رئيس المجلس السيادي قائد قوات الدعم السريع الفريق أول (حميدتي) مرتديا الزي القومي والكمامة وقفاز ازرق اللون للحماية من العدوى بالكورونا، مخاطبا الجمع ومهنئا العريس وأصحاب المناسبة، ذاكرا انه يحضر المناسبة بصفته الشخصية !
* ومن حقه بالطبع وحق أي مسؤول آخر في الدولة أن يحضر أي مناسبة اجتماعية سواء بصفته الرسمية او الشخصية حسب نوع وطبيعة المناسبة، مع الاحتفاظ بحقه في الاستفادة من موقعه الرسمي لتوفير كل وسائل الحماية والراحة له، وهو الأمر المعمول به في كل الدنيا، فلا يمكن لرئيس دولة (مثلا) أو أي مسؤول آخر يشغل منصبا دستوريا رفيعا أن يحضر مناسبة خاصة (ولو بصفته الشخصية) بدون أن توفر له الدولة وسائل الحماية والراحة حسب طبيعة ونوع والامتيازات التي يمنحها له المنصب الرسمي، على ان يكون كل شيء حسب القانون والبروتكولات الرسمية، ولكن يجب أن تكون الاشياء الشخصية التي لا علاقة لها بالدولة على حسابه الخاص، او حسبما ينص عليه القانون!
* كما يجب ان ينظم القانون قبول الهدايا الشخصية، عينية كانت او نقدية وطبيعتها ومقدارها وإجراءاتها، كما في معظم دول العالم، ومن يتخطى حدود القانون يجب أن يجد الحساب والعقاب المناسب، وهي اشياء لا تجد عندنا الاهتمام الكافي للأسف مما افرز الكثير من الممارسات الخاطئة والمفاسد عكس ما يحدث في معظم دول العالم حيث يخضع كل شيء للقانون والرقابة والمراجعة والحساب، ولا شك أننا تابعنا الكثير من القضايا في عدد من دول العالم، وقف فيها كبار المسؤولين أمام القضاء بتهمة انتهاك القانون الذي ينظم تلقي الهدايا ومنحها، ومنها التي يواجهها الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)!
* في الحقيقة ليس هذا هو موضوعي اليوم رغم اهميته الكبرى وضرورة مراجعة القوانين التي تنظمه حتى يعرف كل مسؤول حدود سلطاته وامتيازاته، ولا يتبختر بأموال وامكانيات الدولة كما يريد وكما يهوى (في الجاية والرايحة) بدون ان يحاسبه احد أو ينبهه أحد، فيختلط المال العام بالمال الخاص والحابل بالنابل، ولا يعرف احد اين مال الدول من مال المسؤول، ولا بد هنا من التطرق الى قانون مكافحة الثراء الحرام الذى يتضمن مادة خاصة عن (ابراء الذمة) والسؤال عن شهادات ابراء الذمة بعد سقوط النظام البائد، أم أن الاهمال لا يزال سيد الموقف كما كان خلال العهد البائد، الى ان يأتي يوم يزعم فيه كل من اغتنى من مال الدولة انه ورثه عن اسرته، بينما يعرف الكل انه لم يكن يملك (مليم أحمر) قبل اعتلائه ظهر الوظيفة الرسمية !
* موضوع اليوم هو الاسراف الشديد ومظاهر البذخ المقززة التي شهدها حفل الزواج بالولاية الشمالية، فلقد رأى كل من شاهد التسجيل المصور كمية النقود الضخمة التي وزعت كنقوط للمغنيين والمغنيات، والتنافس المحموم على هذا السلوك المشين في رشق المال بطريقة غريبة ومقززة مستوردة من (شارع الهرم) لا تشبه مجتمعنا بأي حال من الأحوال، تدل على المستوى الثقافي والأخلاقي المتدني الذي لا يصدر الا عن (مستجد نعمة) حصل على المال بسهولة شديدة، حتى ولو حدث ذلك بطريقة قانونية صحيحة، وهو ما أشك فيه، وإلا لما فرط فيه بهذه الطريقة، أو على الأقل لما تتبختر به بهذا السلوك المشين، الأمر الذي يجب ان يجد الادانة من الجميع، خاصة أئمة المساجد الذين لا ينشط غالبيتهم الا في توافه الامور، بينما لا يشغلهم ولا يرعبهم هذا السلوك المقزز الذي يتعارض مع الدين والاخلاق والعادات السودانية الجميلة !
* من المؤسف ان تشهد بلادنا هذه الظواهر الغريبة في المناسبات الخاصة بينما تعاني الغالبية من الفاقة والعوز والمسغبة، ويكون على رأس الحاضرين ثاني مسؤول في الدولة، بدون أن يوجه ولو كلمة نصح واحدة لمستجدي النعمة لاحترام مشاعر المواطنين!
صحيفة الجريدة