من غير الثقافة الموسوعية للقانوني الضليع الراحل عبد العزيز شدو كان الرجل مستودعاً اللطف والظرف وخفة الروح، وله حزمة من الحكايات والسخريات الصغيرة الموحية تنافس بجدارة مستطرف الابشيهي. حكى يوماً لخاصته عن شخصية معروفة بمجتمع مدني بحضورها المشهود في كل وفيات الأعيان والمشاهير بالمدينة من السراة والأثرياء. وقد كان يمثل حضوراً مشهوداً من خروج الجثمان من المنزل حتى المقابر ويقضي الثلاثة أيام المعهودة بتفاصيلها بلا غياب. وفي احدى الأيام لسوء حظه مات اثنان من كبار أثرياء مدني ولم يكن بين موت الأول والثاني إلا ساعة زمان، فصار الأمر عنده كما يقول برناردشو غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع. وكان يحلم باصطياد وجبات المأتمين الفاخرين إن صحّت التسمية، وكان يحلم أن يكون الفارق اسبوعاً على الأقل ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
هنا لم يستطع الرجل الامساك عن ضيقه وخيبة أمله صائحاً بلا مبالاة وسط جمهرة بالمقابر: (هسّع نحنا نتقطّع)!
إن حالة الرجل في ظني مثل حالة صديقنا دكتور حمدوك الراهنة، الذي ماتت له في ساعة واحدة الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ومباحثات السلام والسوق وأمن الولايات وخلاف الولاة وتنكّر المجتمع الدولي وانسداد الطرق القومية وموت الأمل وموت دنيا!. كل هذه الكبائر ماتت للرجل في ساعة واحدة، ولذا فإني اقترح عليه أن يخرج في أقصر مخاطبة جماهيرية في التاريخ في تلاث كلمات: (هسّع أنا اتقطّع)!
صحيفة الانتباهة