فجأة ارتفع صوت الاحزاب السياسية تطالب بتمثيلها في حكومة حمدوك الثانية .. الحكومة الاولى كان حظها سيئا .. من حيث المشاركة ومن حيث الدعم .. رغم أن قناعة الكثيرين كانت بضرورة أن تدفع الاحزاب بكوادرها الرئيسة والفاعلة .. واصحاب الخبرة والكفاءة .. حتى تسهم اسهاما حقيقيا في انجاز التغيير المطلوب .. وحتى تحصل الحكومة على دعم حقيقي من القوى السياسية المكونة له والمشاركة فيه .. الا أن المفاجأة الكبرى .. والتي لم يقف الكثيرون عند تحليلها واستكناه كنهها .. كان أن ازورت الاحزاب السياسية عن المشاركة في السلطة التي جاءتها تجرجر اذيالها .. قبل نحو عام من تاريخ يوم الناس هذا .. وحتي من شغلوا مواقع سواء أكانت دستورية أم تنفيذية هنا أم هناك .. ورغم سيماهم الحزبية التي كانت تتبدى في وجوههم .. الا انهم كانوا متخفين خلف لافتات اخرى .. منها الكفاءة والخبرة .. واحيانا التكنوقراط .. ورغم أن البعض قد استحسن أن تزهد احزابنا في السلطة .. ورغم أن بعض هذا البعض قد احتفة بأن تكتفي الاحزاب بدعم الحكومة ومساندتها .. دون المشاركة الفعلية فيها .. الا أن خيبة واحباط من راهنوا على هذا الموقف الوطني للاحزاب .. قد جاءت سريعا .. حين فوجيء المراقبون .. بان تلك الاحزاب .. و امام اول اختبار للحكومة قد تغير موقفها بالكامل .. ففي حين اكتفى بعضها بحجب دعمه عن الحكومة .. فقد مضى البعض الآخر شوطا اضافيا .. حين انتقل الى موقع المعارضة .. يمارس النقد والتجهيل ضد الحكومة ومنسوبيها صباح مساء.. اما قمة التراجيديا فقد تبدت في أن مجموعة ثالثة من الاحزاب .. قد اصابت من يتابع حركتها بزغللة العيون .. فمنسوبوها يشغلون المقاعد .. دستورية او تنفيذية .. صباحا .. وناشطوها يسلقون الحكومة بألسنة حداد مساء .. وكان الاكثر حيرة ودهشة امام كل هذا .. هو السيد رئيس الوزراء نفسه .. الذي اتخذه البعض .. حائط تنشين .. يجربون فيه سهامهم .. حتى اذا ما فاجأهم بحل الحكومة .. استشعروا لاول مرة الخطر .. وادركوا خطورة ان يكونوا خارج الفعل السياسي ..!
ويبدوا أن حل الحكومة و قبول استقالة بعض الوزراء .. بل واعفاء وزير واحد .. قد اشعل في الاحزاب جذوة الحذر بل والخوف من القادم .. ولئن كانت اجراءات حمدوك المفاجئة قد فتحت اعين الاحزاب على مكامن الخطر .. فان المقاعد الشاغرة في الحكومة قد فتحت شهيتها للمشاركة الفعلية هذه المرة .. وهذا الموقف يطرح سؤالا مهما .. كيف ستجري الامور .. و من سيكون له حق ترشيح الوزراء .. ولمن ستكون الكلمة النهائية في اعتماد هذا الوزير او ذاك .. هل يستطيع كل حزب أن يحتفظ بحقه في حمل مرشحه مباشرة الى كرسي الوزارة .. ؟ باعتبار أن المرشح يمثله وان الحزب وحده من سيتحمل نجاحه او اخفاقه ..؟ ام ان رئيس الوزراء سيتمسك بحقه في اختيار وزرائه .. باعتباره المسئول عنهم وعن ادائهم .. وان نجاح الوزير .. اي وزير .. وفشله يتحمله في نهاية الامر رئيس الوزراء ..؟
يقول مقربون من دوائر صنع القرار .. في هذه المرحلة .. ان رئيس الوزراء لم يبد اي امتعاض او حتي تحفظ .. علي ما يصفه البعض بتكالب الاحزاب علي المشاركة في حكومته .. بل انه و في ظل صمتٍ
يبدأ منه .. ثم يحيط بكل شيء .. راح يصيغ مواصفات قياسية وشروط صارمة .. لشاغل كل منصب على حدة .. وانه سيترك للاحزاب ترشيح من تراه لهذا المنصب او ذاك .. ولكنه في المقابل سيتمسك بحقه في تطبيق مواصفاته التي وضعها وشروطه التي حددها على كل مرشح يرفع اليه اسمه .. كما انه سيحتفظ بحقه في البحث خارج الدوائر المحيطة به .. حال لم تنطبق المواصفات والشروط على القوائم التي ستنهال عليه هذه المرة من الاحزاب ..!
هل قلنا هذه المرة ..؟ فماذا عن المرة السابقة ..؟ ولم لم يكن حماس الاحزاب طاغيا حين كانت ( السكك ) سالكة الى حمدوك .. والمقاعد شاغرة من حوله ..؟ يقول بعض العالمين ببواطن الامور داخل الاحزاب نفسها .. سببان دفعا الاحزاب للزهد في المشاركة قبل عام من اﻵن .. الاول تهيب تجربة الحكم في ظل ظروف بالغة التعقيد .. مجهولة المستقبل .. اما الثاني فغير بعيد عن المجهول ايضا .. فهو تهيب او تحسب وقوع انقلاب عسكري .. صحيح انه كان سيطيح بكل شيء .. ولكن الصحيح ايضا .. انه كان سيقود الوزراء الي ( الدروة ) والله اعلم ..!
صحيفة السوداني