خلفية : الوضع الاقتصادى الراهن أصبح معقداً وصعباً نتيجة لاستمرار إتساع الفجوة بين العرض (الانتاج المحلى) والطلب الفائض فى القطاع العام (إبتلاع الانفاق غير التنموى إجمالى إيرادات الدولة واكثر ) وعدم اتباع سياسات فعالة لمعالجة الوضع بدلاً من اتخاذ سياسات حدت كثيراً من الواردات ،واضرت بالصادرات نتيجة لعدم توفر الحافز الانتاجى ،وفشلت فى جذب مدخرات سوداني المهجر والاستثمار الاجنبى المباشر . هذا الوضع أدى الى اختناقات فى الأسواق ، مما نتج عنه ارتفاع حدة الصدمات التضخمية ، حيث ارتفع متوسط معدل التضخم بحسب بيانات الجهاز المركزى للاحصاء من 25% فى نهاية ديسمبر 2017م ،الى 73% فى نهاية ديسمبر 2018م ، ما يعنى ارتفاع حركة الاسعار بنسبة 192% فى عام 2018م . ورغم انخفاض المعدل الى 57% بنهاية عام 2019م ، الا انه سرعان ما صعد الى 114.2% بنهاية مايو 2020م ،بنسبة زيادة مقدارها 100% .
هذا أدى الى تراجع النمو الاقتصادى الحقيقى (القيمة المضافة لحجم الاقتصاد الكلى) الذى بلغ ناقص واحد فى المائة فى العام 2019م، وناقص 12% فى الخمسة أشهر الاولى من عام 2020م ، بناءً على توقعات موازنة 2020م ، بالنسبة لمعدل التضخم (29%) والنمو (3%) للعام بأكمله . هذا يؤشر الى ان الاقتصاد يمر حالياً بحالة كساد تضخمى غير مسبوقة ، ما يتطلب معالجة مشكلة التضخم الجامح كأولوية قصوى قبل الشروع فى اى سياسات او اجراءات ، مثل زيادة المواهى والأجور ، من شأنها صب مزيد من الزيت على نار غلاء الاسعار الملتهبة ، الشئ الذى ظللنا نحذر منه لاكثر من ثلاثين عاماً دون جدوى.
مدخل : فى أول مؤتمر صحفى له بعد توليه منصبه (23 سبتمبر 2019م) ، أعلن السيد وزير مالية الحكومة الانتقالية عن برنامج اقتصادى“نهضوى“ من ثلاثة مراحل ، أهمها فى هذة العجالة : الاولى (اكتوبر 2019م الى يونيو 2020م ) تطلق فيها مبادرات أصلاحية بهدف كبح جماح التضخم وتوفير السلع الاساسية ، والثانية ( يوليو 2020م الى نهاية العام ) يبدأ فيها التعامل مع قضية الدعم وزيادة الأجور ( للاستزادة : انظر للكاتب: “البرنامج الاقتصادى للحكومة الانتقالية .. قراءة متانية “) .
أيضاً فى اول جلسة له بعد أداء القسم ، حدد مجلس الوزراء الانتقالى عشرة اولويات لانجازها خلال الستة أشهر الاولى من عمره من ضمنها : ” معالجة الأزمة الاقتصادية وإنهاء فلتان الأسعار ” ( الراكوبة، 10 سبتمبر، 2019م ) . ليس لنا خلاف مع السيد الوزير والحكومة الانتقالية حول جدوى وسلامة اول سلم اسبقيات الاصلاح الاقتصادى المتمثل فى كبح جماح التضخم , “وإنهاء فلتان الاسعار، قبل التعامل مع قضيتى الدعم وزيادة الاجور “.
ولكن كما أوضحنا فى صدر هذا المقال بالارقام الرسمية ، فبدلاً من ” إنهاء فلتان الاسعار “،صار التضخم كالحصان العاير ومدنه سوط فى ظل غياب مبادرات الاصلاح الموعودة. للأسف ، فى ظل هذا الوضع قررت الحكومة القفز فوق جدول اولوياتها والبدء فى المرحلة الثانية من اسبقياتها بزيادة المرتبات و ألأجور فى قطاع الخدمة المدنية ، التى نفذت فى شهر مايو الماضى ، مايعنى عملياً تأجيج تأزم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى ظل استمرار الاوضاع التضخمية غير المسبوقة . فى ما يلى ،نود إبداء بعض الملاحظات حول القرار ومناقشة أبرز تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.
اولاً: الهيكل الراتبى الجديد هو نتاج لدراسة اللجنة العليا لمراجعة المرتبات والأجور وإزالة التشوهات، المعينة من قبل السيد وزير المالية . للأسف ،الدراسة لم تطرح للنقاش والتمحيص بواسطة أجهزة السلطة المختصة والحاضن السياسى لها ، ناهيك عن نقابات واتحادات العمال والمهنيين ومنظمات المجتمع المدنى . بالتالى فهى ليست“عقد اجتماعى“ بالمعنى المتعارف عليه كما يروج البعض . أضف الى ذلك ، ان الهيكل الراتبى لم يوفق فى معالجة مرتبات واجور القوات النظامية ، مادفع مجلس الوزراء لاصدار توجيه لمعالجة الامر بعد إجازة الهيكل للخدمة المدنية فقط (أنظر : جريدة القوات المسلحة ،25 مايو 2020م، الصفحة الاولى) .
لكن فى الواقع مايحتاجه السودان حالياً ليس هيكل راتبى جديد وانما دراسة متكاملة للخدمة العامة فى الدولة (الخدمة المدنية زايد القوات النظامية ) بهدف إعادة هيكلتها وبنائها من جديد وإزالة وجود هيكلين خدمة مستقليين داخل الدولة الواحدة اوجدته الانقاذ بخلق طبقة مترفة ومميزة داخل القوات النظامية بعيداًعن قوانيين ولوائح الخدمة المدنية للمحافظة على السلطة وضمان استمرارية النظام . بالتالى ، تكون مراجعة المرتبات والاجور جزءً وليس بديلاً لتلك الدراسة التى لو طلبت من البنك الدولى ،مثلاً، منذ بداية الحكومة الانتقالية ،لكانت الان فى مراحلها النهائية .
هذا يعنى ان الاستعجال فى زيادة المرتبات والاجور هو قفز فوق هدف الثورة الاستراتيجى المتمثل فى إزالة اثار التمكين الكارثية فى الخدمة العامة وفق منهج وأسس عادلة ومدروسة.
ثانيآ : بحسب البيانات الاحصائية فى موازنة 2020م ، تبلغ الزيادة فى فاتورة المرتبات والاجور حوالى 72 مليار جنية ، مايرفع الفاتورة الكلية من 58.4 مليار جنية (2019م) ،الى 130.7 مليار جنية (2020م) ،بنسبة زيادة مقدارها 124% (أنظر:” موازنة 2020م ” ،جدول 31 ، صفحة 91 . بالتالى ستستحوذ فاتورة المرتبات والاجور 21 ، % من اعتمادات اجمالى الانفاق التشغيلى (627 مليار جنية ) وحوالى 20% من اجمالى اعتمادات على الموازنة( 670 مليار جنية) ،بينما يساوى اجمالى اعتمادات التنمية القومية والولائية ( 106 مليار جنية ) ودعم شبكات الحماية الاجتماعية ( 16 مليار جنية) 81% و 12% من اجمالى الفاتورة حسب الترتيب (انظر للكاتب : “موازنة العام المالى 2020م“، جدول 2 ، والراكوبة الإلكترونية، 15 مايو، 2020م ) .
هذا الوضع يقلل كثيراً من مصداقية وجدية الحكومة فى التعامل مع قضايا التنمية وضبط المالية العامة ، ما لا يتماشى مع مبدأ العدالة الاقتصادية والاجتماعية أحد أهم مبادئ الثورة. بالاضافة الى ذلك ،يبقى السؤال عن كيفية تمويل الزيادة فى الفاتورة بعد عجز المانحين عن توفير 53% من اجمالى الايرادات المقدرة فى موازنة 2020م، ووحل الاقتصاد فى الكساد التضخمى والتراجع المتوقع فى الايرادات الذاتية ، خاصة بعد ظهور وباء الكورونا وتداعياته( للاستزادة انظر للكاتب : ” وباء الكورونا وتداعياتة الاقتصادية …قراءة اولية “بعد اكتشاف عجز فى سداد زيادة فاتورة الهيكل الراتبى الجديد . للاسف ،القرائن على الارض( حدة وتيرة إرتفاع التضخم ) تؤشر الى ان التمويل يتم حالياً بطبع نقود دون مقابل موارد حقيقية (التمويل بالتضخم) لان موازنة 2020م ،تتوقع بلوغ الاستدانة من البنك المركزى 42.7 مليار جنية مقابل سداد فى حدود 3 مليار جنية فقط للعام، ما يعنى سحب نقود على المكشوف بما مقداره 39.7 مليار جنية ،ما سيزيد من اشعال نار غلاء الاسعار .
أما اذا كان التمويل يتم حالياً من عائدات رفع اسعار البنزين كما يتردد فى بعض الدوائر، فسيكون ذلك اشبه بساقية جحا تشيل من البحر وتكب فى البحر لان الهدف الرئيسى من سياسة إصلاح الدعم هو نقل موارد الدعم من خانة الاستهلاك( الانفاق الجارى) الى خانة الانتاج (التنمية) وليس تدويره داخل بنود الصرف غير التنموى.
ثالثآ : وباء الكورونا افرز واقعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً جديداً، مازالت تداعياته تتفاعل على مستوى الدول والعالم . فمن الناحية الاقتصادية، أدى الوباء مسبقاً الى تباطؤ اقتصادى لم يشهده العالم منذ الكساد الكبير فى عام 1930م . هذا الواقع الجديد دفع كثيراً من الدول لتخطط من جديد وتضع خيارات وخططاً وحلولاً بديلة لما قد يحدث على صعيد الاقتصاد والمال والمجتمع استعداداً لمواجهة الاسوء حتى لا تتفاجأ عند وقوعه .
لكن ما يدعو للدهشة فى هذا الاطار ،هو عدم مراجعة النهج الاقتصادى القائم فى السودان وعدم اعادة ترتيب فقه أسبقيات السياسات المالية والاقتصادية لامتصاص التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة للوباء . فمثلاً،من ناحية الخيارات اما كان الاجدى اقتصادياً واجتماعياً زيادة الصرف على التنمية لانعاش الاقتصاد ،والصحة وتقوية دعم شرائح المجتمع الضعيفة كما فعلت غالبية دول العالم لمواجهة تداعيات الوباء الكارثية بدلآ من زيادة المرتبات والاجور (على عكس ما فعلت السعودية مثلاً ) ،التى سيبتلعها غول الاسعار فى اقل من عام اذا بقى الحال على ماهو عليه ، بينما تشهد البلاد شحاً فى الغذاء والدواء، وحتى أبسط مقومات العلاج والوقاية الطبية كالكمامات المجانية ، ومدخلات الانتاج وارتفاع تكلفتها فى عز الموسم الزراعى (زيادة رسوم رى الفدان مثالاً )؟ هذا يعنى ان التراجع فى الايرادات العامة نتيجة لتباطؤ الاقتصاد المحلى المتوقع يشكل تحدياً حقيقياً لبلد أقعدته الحرب والصراعات المسلحة والدولة الرخوة .
لهذا فلابد من إعادة ترتيب إجمالى الايرادات وأولويات الانفاق الجارى وزيادة الانفاق التنموى الشحيح اصلا، والإبتعاد عن زيادة العبء الضريبى على المواطنين والقطاع الخاص وإعادة التفكير في السياسات الاقتصادية و المالية المتبعة حالياً حتى لاتجنح عجلة الانتاج الى مزيد من الركود.
رابعاً: اذا قارنا متوسط معدل التضخم للخمس أشهر الاولى من عام 2020م (86%) ، بنفس الفترة من عام 2019م (44.6%) ،بحسب بيانات الجهاز المركزى للاحصاء، فاننا نجد أن حركة الاسعار ازدادت بنسبة 92% . للاسف ،من المتوقع ان يواصل غول الاسعار الزحف فى شهر يونيو وربما الى نهاية العام بسبب زيادة المرتبات و ألاجور ووباء الكورونا وتداعياته السالبه على الانتاج ، واستمرار ارتفاع اسعار مجموعة السلع الغذائية والمحروقات، خاصة البنزين،والنقل ،بالاضافة الى توقع استمرار تدهور سعر صرف العملة الوطنية . هذا يعنى ان متوسط معدل التضخم قد يتعدى حاجز المائة وأربعة عشر بنسبة مقدرةدون إعتبار ما قد تنتج عنه المفاوضات الدائرة حالياً مع صندوق النقد الدولي فى الفترة القادمة .
كيفية معالجةهذا الوضع هو التحدى الاكبر لا زيادة الاجور والمرتبات ، لان الضغوط التضخمية الحالية والمتوقعة ترفع التكلفة الكلية وتضعف النمو وخلق فرص العمل والطاقة الشرائية للمداخيل ، مما يزيد من معدلات البطالة والفقر خاصة بالنسبة للشباب وشرائح المجتمع الضعيفة . لهذا ،فكان امام الحكومة الخيار بين اتخاذ اجراءات لخفض التضخم بتقليص الانفاق غير التنموى بتخفض حجم الخدمة العامة واعادة هيكلتها ،وزيادة الصرف التنموى وإزالة التشوهات الهيكلية كالرسوم والجبايات على الواردات لجهات كاتحاد اصحاب العمل، حرس الحدود (الدعم السريع) …. الخ ،أو المزيد من التضخم برفع معدلات التضخم إلى مستويات أعلى وبوتيره أسرع( للاستزادة :أنظر للكاتب : ” إصلاح الدعم : خطأ التوقيت وعكس الخيارات ” ) . لكن واضح أن الحكومة الانتقالية – وقبلها الانقاذ – اختارت الطريق الثانى برفع المرتبات والاجور دون مقابل فى جانب العرض (الانتاج)، ما يتناقض مع جدول اسبقياتها المعلن عند بداية عهدها . لكن يبقى أن الاجراء سيأزم من الوضع الاقتصادى والمعيشى فى ظل الأوضاع التضخمية الراهنة.
خامسآ : السير بمعدلات التضخم فى الاتجاه المعاكس وتحميل المواطن والاقتصاد عبء أخطاء هذا التوجه يفاقم من المشكلة الاقتصادية ويزيد من تعقيدات الحل .
فمن منظور السياسة الاقتصادية . فزيادة المرتبات والأجور لا تعالج التردى الاقتصادى لانها تؤثر على المؤشرات الاقتصادية الرئيسية كالنمو ، والتى هى فى حالة تراجع اصلاً. القفزة فى معدل التضخم نتيجة الاجراء ستكون على مرحلتين : الأثر المباشر وغير المباشر،ثم يبقى المعدل فى مستوى قياسى ، ما سيتطلب اجراءات اكثر صعوبة وأشد ألماً كزيادة الضرائب والرسوم وتخفيض العمالة والأجور للهبوط بمعدل التضخم الى المستوى المستهدف فى موازنة 2020م ،على أقل تقدير . هذا يجعل من الزيادة فى المرتبات والأجور مجرد مسكن لما خفى ، وهو أعظم . للاسف ، هذا يعنى أن المواطن والاقتصاد سيدفعان ثمن الاجراء مرتين ، صعوداً وهبوطاً مع غلاء الاسعار ، علمآ بأن إجراء الزيادة لم تعلن معه آلية لتكييف الأجور مع حركة الأسعار أو الانتاجية تلقائيآ للتأكد من عدم تاكل الطاقة الشرائية للاجور و العودة الى المربع الأول .
سادسآ : فى إطار مطاردة سراب المانحين ، تجرى حالياً بعيداً عن الاضواء مفاوضات بين صندوق النقد الدولى والسلطات السودانية ممثلة في دائرة ضيقة من الأشخاص حول برنامج اصلاح اقتصادى يعده موظفو الصندوق بناءً على طلب الحكومة لتقديمه لإجتماع المانحين ، الذى تقرر اخيراً انعقاده فى مدينة برلين فى الخامس والعشرون من الشهر الجارى .
من الواضح أن الحكومة ما زالت بدون رؤية وبرنامج اصلاح اقتصادى متفق عليهما سياسيآ ومجتمعيآ ، ما يعنى أن موظفى الصندوق سيكونوا هم المالكون والمشرفون على البرنامج وما على الحكومة الا الصلاة ! وبما ان السودان دولة متأخرات بالنسبة لديون الصندوق ،فالبرنامج الوحيد المتاح له حالياً من ضمن برامج الصندوق هو برنامج مراقبة موظفى الصندوق (Staff -Monitored Program) المعروف باختصار إس إم بى (SMP) ،الذى يشرف عليه موظفو الصندوق فقط ، ولا يتضمن أى تمويل ولا يديرهالمجلس التنفيذى للصندوق كما هو الحال مع البرامج الممولة .
السودان طبق 14 برنامجاً من هذا النوع فى الألفية الجديدة اخرها فى عام 2014م دون فائدة تذكر . الهدف الاساسى من البرنامج هو الحصول من الصندوق ، بعد التنفيذ ، على شهادة بناء سجل قوى فى تنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية كشرط للبدء فى معالجة ديون السودان الخارجية وعلى راسها متاخرات الصندوق .هذا قد يساعد بدوره فى استعادة السودان لعلاقاتة الاقتصادية والمالية والتجارية مع بقية الدول والحصول على تمويل من مصادر اخرى .
المعروف عن البرنامج، الذى من أهم مرتكزاتة ضبط المالية العامة واحتواء التضخم وتوحيد وتعميم سعر الصرف ، قوة جرعات وصفاته وضيق حيزه الزمنى فى التنفيذ ( 6 الى 12 شهر) . من اول نتائج تحليلات موظفى الصندوق ان وجدوا ان سعر جالون البنزين غير المدعوم يساوى 204 جنيهآ وليس 126 جنيهآ بحسب تضريبات وزارة النفط،ما يعنى مزيداً من زيادة الاسعار .
اما فى مجال المالية العامة ، فمن المتوقع أن تتضمن شروط البرنامج زيادة العبء الضريبى وخفض حجم العمالة والمخصصات والمنح ، بالإضافة إلى توحيد سعر الصرف وتعويمه . كل ذلك يؤشر الى ان زيادة الرواتب والأجور كانت قفزة فى الظلام.
سابعآ : فى الختام،من الواضح ان زيادة المرتبات والاجور هى مجرد مسكن سياسى لا يعالج بقدر ما يعقد المشكلة الاقتصادية . فالزيادة الهائلة فى فاتورة المرتبات والاجور فى ظل وجود معدلات تضخم قياسية وكساد إقتصادي،خطأ فى التوقيت والخيارات ، ما يعنى عملياً ادخال الاقتصاد والبلاد فى بيئة غلاء اسعار غير مسبوقة . هذا بدوره يقلل كثيراً من فائدة الزيادة المادية ، خاصة بالنسبة لأصحاب المداخيل المحدودة ولدعم الطبقات الاجتماعية الضعيفة .
لذلك كان من الأفيد ، كما أعلنت الحكومة الانتقالية فى بداية عهدها، الاحتراز من زيادة المرتبات والاجور واصلاح (رفع) الدعم فى هذه المرحلة قبل احتواء “غليان الاسعار“ والهبوط بمعدل التضخم الجامح الى المستوى المستهدف فى موازنة 2020م، على اقل تقدير ،علماً بانه كلما انخفضت معدلات التضخم، كلما ازدادت الطاقة الشرائية للعملة المحلية ، ما يقلل من المطالب بزيادة المرتبات والاجور فى المدى القصير على الاقل .
اما الدخول فى برنامج اصلاح اقتصادى يراقبه موظفو صندوق النقد الدولى كشرط للحصول على مساعدات المانحين، فسيكون خطاً مكلفاًسياسياً وإقتصادياً و إجتماعياًقبل ترتيب اوضاع الاقتصاد داخلياً لاحداث استقرار نسبى فى المؤشرات الاقتصادية الرئيسية ،خاصة فى ما يتعلق باحتواء التضخم وتدهور سعر صرف العملة المحلية .
هذا يتطلب اجراء حوار موضوعى وشفاف بين السودانينين من اجل الوصول الى رؤية و برنامج إصلاح وطني لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية والتنموية ، يهدف الى زيادة اعتماد الاقتصاد القومي على موارده الذاتية ومقدرات رأس ماله البشرى قدر الامكان ، قبل تجريب المجرب مع المانحين وبرنامج صندوق النقد الدولى المذكور ، وتوحيل البلاد و العباد في المستنقع الزيمبابوي.
التجاني الطيب إبراهيم
صحيفة الوطن