غير مصنف --

جدودنا زمان.. بقلم ناهد قرناص

السودان اليوم:
عطفا على مقالي السابق عن العنصرية والذي حكيت فيه عن جدتي رحمها الله ..تلقيت رسائل كثيرة عن الجدود والحبوبات ..كل يحكي عن جدته وذكرياته معها ..الرحمة لمن توفى والصحة والعافية لمن مد الله في اجله ..لكني انتبهت الى ان الحبوبة كشخصية محورية للاسرة في طريقها للاندثار ..اغلب الظن ان الجيل القادم لن يجد الحبوبة والتي كان لها موقع مميز في كل بيت ..(عنقريب ومصلاية وحجر التيمم )…لابد لكل زائر ان يذهب لتحيتها ونيل بركتها …قريبا جدا ستكون الحبوبة التقليدية من الموروثات…سنحكي عنها كما نحكي الآن عن الرتينة وقطار البخار…ولن يمر وقت طويل حتى ندرك حجم خسارتنا ..فالجد او الجد ..منبع الحكمة وملجأ الجميع في الملمات.
من منا لا يحتفظ في ذاكرته لمواقف مع جدته؟ ..حين خباته تحت ثوبها ومنعت عنه عصا العقاب؟ ..حين اعطته الحلوى من وراء ظهر اهله؟ ..حين ساندته في المواقف الصعبة والقرارت المفصلية التي وقف لها الاهل معارضين ؟..كانت للحبوبة حصانة دستورية في الأسرة ..من حقها الحديث في اي وقت ..والادلاء برأيها في اي موضوع ..موجهه حديثها لاي شخص مهما كانت مكانته ..قل لي اين نجد هذه العظمة في هذا الزمن ؟؟
حديث الجدة الذي تذمرنا منه قديما ..وكنا نعده تدخلا في شؤوننا ..صار الان حكمة نستعيدها ونسترجعها كل حين ..اذكر اننا عندما كنا نستبقي صديقاتنا للبقاء معنا لما بعد المغرب (والمغرب كان وقتا متاخرا في عطبرة ..تكن فيه الطيور الى أعشاشها وتعود الفتيات الى بيوتهن )..كنا نبذل الوعود لتلك الصديقة اننا (حنقدمها) ..(اقعدي عليك الله واتونسي..الوقت لسه بدري ) ..فتستجيب بعد لأي وتمكث قليلا ..بعدها بقليل يعلو صوت جدتي بالنوبية (هوي برو ..ار كوماري ؟ الم اقي ) ..وتعاجلها بالترجمة حسب الظروف (هوي يا بت ..انت فين اهلك؟ ..ليه انت يتيق؟) ..ويتيق الاخيرة تعني (قاعدة) بالنوبية والتي لم تجد لها مقابلا حينها ..كان الاحراج هو سيد الموقف ..وكانت امي تسارع لتطييب خاطر الفتاة بان الجدة تخاف عليها من التأخير ..وكنا ندخل في جدال طويل معها ..محاولين شرح صدى كلماتها على صديقتنا ..لكنها كانت تعاود الكرة في كل مرة تتأخر فيها احدى الصديقات ..
روح يا زمان وتعال يا زمان ..تزوجت وصار ابنائي يستقبلون اصدقائهم في المنزل ..وتمضي الساعات وهم يلعبون ..فتجدني تقمصت دور جدتي ..فاسال الضيف (يا ولدي معليش ..امك عارفة انت معانا هنا ؟ الساعة بقت 9) ..الاحظ ان اولادي تغيرت وجوههم …وما ان يغادر صديقهم حتى يلقوا باللوم علي شخصي الضعيف ..ولكني لا القي لهم بالا ..وكثيرا ما اخذت رقم والدة صديقهم لاتصل عليها واطمئنها بان ابنها موجود معنا ..فينزل حديثي عليها بردا وسلاما لانها كانت قد بحثت عنه كثيرا ولم تجده ..فاترحم على جدتي التي تجلت حكمتها لي بعد عقود من الزمان .
صديقتي قالت ان جدتها كانت تصر على سؤال واحد لاي متقدم للزواج من فتيات الاسرة ..فتقول (أسألوه ..بتعشى ولا ما بتعشى) ..وكانوا يضحكون من سؤالها ذلك ويحسبونها قد (زهمرت ) ..لكن صديقتي قالت انها كل ليلة وهي تعد العشاء (عين مفتحة وعين مغمضة ) ..تجدها تردد (الله يرحمك يا حبوبة ..كان سمعت كلامك وسالته من الاول ما كان دا حالي ).
خذوا الحكمة من افواه الحبوبات والجدات ..انهلوا من هذا المعين ..هن كنوز يعشن بين ظهرانينا ..فلا تفوتكم الفرصة فتندموا عليها حين لا ينفع الندم ..رحم الله من مضى منهن الى رحاب الله ..ومتع الله بالصحة والعافية من مد الله في آجالهن .

The post جدودنا زمان.. بقلم ناهد قرناص appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button