«1»
أرأيتم لو أن نظام البشير مازال يحكم البلاد حتى لحظة كتابة هذا المقال،ما الذي كان سيحدث؟
هل كان النظام سينجح في كبح جماح الدولار؟ هل كان سيُحكِم سيطرته على الأسعار وانفلات السوق، والغلاء؟ هل كان سيستعيد الإرادة السياسية لمحاربة الفساد، واسترداد ممتلكات الشعب السوداني المنهوبة؟ هل كان سيتمكن من حل أزمات السيولة والوقود والخبز على النحو المطلوب؟ هل كان سيعالج المشكلة الاقتصادية المستعصية، ويلجم التضخم؟…و
هل كان سيُحدث اختراقاً في ملف العزلة الدولية التي يعيشها؟ وهل وهل ، وهل وهكذا يمكن أن نطرح عشرات الاسئلة…
«2»
قبل سقوط النظام بشهرين كتبتُ مقالاً ُ ذكرتُ فيه مخاطباً المؤتمر الوطني ونظامه، لقد جربتم كلَّ الحلول الاقتصادية، والنظريات، وطبقتم كل البرامج الاسعافية، والخطط الربع قرنية، والعشرية، والخمسية، على مدى ثلاثين عاماً، وفشلتم فشلاً ذريعاً، واستنفدتم كل الفرص، ولم يعد هناك حلاً لم تجربوه، فليس أمامكم بعد ذلك إلا حل واحد فقط: وهو الرحيل، فليس بعد الآن حلٌ الا هذا، وقد رميتم بكل مافي كنانتكم من أسهم، وبكل مافي جُعبتكم فلم يعد هناك الا الرحيل، ارحلوا، غير مأسوفٌ عليكم…
«3»
بدأت الأزمة الإقتصادية تستفحل بعد انفصال الجنوب، وبينما كان خبراء الاقتصاد يحذرون من الانهيار الاقتصادي والصدمة المتوقعة بعد الانفصال كان سادتُهم وكُبراؤهم يقسمون علينا أن الاقتصاد لن يتأثر بالإنفصال، وكان الطيب مصطفى يحتفي في زفراته بهذه التصريحات، ممعناً في التغطية على نار المخاوف بــ”عويش” تصريحات المسؤولين غير المسؤولين، إلى أن تفجرت الأوضاع رويداً رويداً حتى بلغت الذروة..
«4»
الأزمة الاقتصادية بعد الانفصال ظلت تتمدد عاماً بعد عام، وفي كل عام ترزلون، ومن الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تتأزم الأوضاع، وتتصاعد الضائقة المعيشية، والغلاء في كل عام ومن البديهي أن يكون كل عام هو أفضل من الذي يليه، سواءً استمر نظام البشير، او من يأتي بعده، لأن المشكلة التي حفر لها نظام الانقاذ عميقاً لايمكن حلها في بضعة أشهر أو حتى عامين أو ثلاثة، بل تحتاج إلى أرضية سياسية تتوافق عليها قوى الحراك الثوري كلها، وتقف عليها وتبني عليها صرح السلام الشامل أولاً ثم حل المشكلة الاقتصادية ثانياً، لكن هل يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُّ؟؟ُ.
«5»
أعود وأقول للذين يتلفتون بقلوب غافلة، وذاكرة “سمكية”، وتنفتح شهيتهم للمقارنة بين سعر رطل اللبن اليوم وأيام البشير النحسات ، أقول لهم لو أن نظام الانقاذ استمر حتى يومنا هذا كان ستكون الأحوال أسوأ بكثير من تلك التي تعيشونها من غلاء وارتفاع للأسعار، وتصاعد في سعر الصرف وندرة في السيولة والوقود والخبز، وانفجار في معدلات التضخم ، وذلك وفقاً لمعطيات موضوعية ابرزها أن نظام المؤتمر الوطني ماكان يملك حلاً لوقف التدهور الاقتصادي، ولارؤية للتعاطي مع الازمات، ولايملك سيولة لاستيراد الوقود والخبز والادوية، ولوكان البشير باقياً في كرسي الرئاسة، لاستمرَّ رموز النظام وكوادره في نهب الأموال العامة واهدارها، وتبديد الموارد، ولاستمرت سرقة المبالغ المخصصة للدواء ولاستمر تهريب الذهب عبر صالة كبار الزوار، وتهريب اناث الإبل بواسطة وزراء انقاذيين، فهل استمرار هذه الممارسات كان سيحل الازمة الاقتصادية، ويخفض سعر الدولار، والاسعار ويوقف الضائقة المعيشية، أم سيفاقمها أكثر بمرور الزمن؟ لذلك اعتقد جازما لو أن نظام البشير مستمر حتى الآن لكانت الضائقات أكبر من التي نعيشها الآن، ولأدت الى سقوط النظام دون تدخل من احد، ولكانت أيامنا هذه من الرخاء إذا ماقورنت بكالحات كان سيخيم بؤسها علينا مع استمرار حكم البشير ..
«6»
السؤال الآخر المهم: ما الفائدة التي احدثها التغيير، وكيف ساعد على تخفيف التدهور الاقتصادي الذي كان سيبلغ حدا لايطاق في حال استمرار نظام البشير في الحكم؟
في رأيي أن التغيير الذي حدث في 11 إبريل قد خفف التدهور الاقتصادي والغلاء والازمات والتي كانت ستبلغ مدى لايتصوره احد، وذلك من خلال إيقاف مسلسل فساد المسؤولين وتبديدهم المستمر لموارد الدولة، واهدارهم للثروات البلاد القومية، ومن خلال وضبط الانفاق الحكومي والصرف البذخي الذي كان يذهب للجيوش الجرارة في المركز والولايات، نثريات ومرتبات وبدلات ومخصصات للتشريعيين ، وموظفين سياسيين ، وخبراء وطنيين ومنظمات وهيئات كانت تأكل اموال الدولة بالباطل، كما أن استرداد بعض الاموال والممتلكات المنهوبة هو ايضا من الإجراءات التي ساعدت وتساعد في وقف التدهور الاقتصادي الذي كان سيسجل رقماً قياسياً، اذا ما استمر نظام البشير، فقط لأن التدهور الاقتصادي والغلاء والضائقة والازمات كلها كانت تسير جنباً الى جنب مع النهب والتبديد والاهدار والتهريب المنظم، في وقت لايملك فيه النظام أية حلول ولا حتى رؤية للحل وقد استنفد كل الفرص…
فهل من مقارنة بين نظام تسبب في كل الازمات ويغذيها بالغطرسة والاستبداد والفشل والفساد، وآخر يسعى لوقف الأزمات بتجفيف مصادرها والأخذ بأسبابها وحتماً سيصل الى الغايات النبيلة وان تعثرت الخطى، وتنكب الطريق في أوله، وهذا الأمل هو يغذي صبرنا بالعزيمة…اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة