(1 )
القطب الرياضي المريخي الكبير عبد الرحمن شاخور رحمه الله رحمة واسعة ,عندما كان رئيسا لنادي المريخ جاءه مندوب فريق السباحة بالنادي وطلب منه دعما ماديا للفريق فسأله شاخور بتاعين السباحة ديل بجيبوا قون في الهلال ؟ فأجاب طبعا لا دا تيم السباحة ما عنده شغلة بكرة القدم . فقال له شاخور والله أكان شربوا البحر ما عندي بيهم شغلة . فشاخور بطرفته المشهورة هذه أراد ان يقول ان همه الأوحد كرة القدم وفي كرة القدم هزيمة الهلال فقط وليس أي فريق آخر . تأسيسا على هذه الرمية فاننا نسأل القائمين على الأمر في بلادنا عن بعثة الأمم المتحدة السياسية ( اليونيتامس) القادمة لبلادنا في مطلع العام القادم والتي أجازها مجلس الأمن بموجب القرار 2524 لعام 2020 هل هذه البعثة سوف تبطل مفعول او يمكن أن تلتف على العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان لوجوده في قائمة الدول الداعمة للإرهاب ام أنها امتداد (للكشو) الذي سبقها من يوناميس ويوناميد ويونسيفا ؟ يكتسب سؤالنا هذا مشروعيته من ان حكومة الفترة الانتقالية قد جعلت من العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان هما أوحدا وانه لا سبيل لها أن تفعل شيئا ايجابيا يتعلق بالوضع الاقتصادي في البلاد إلا اذا رفعت هذه العقوبات وقد بذلت الحكومة جهودا جبارة وما تركت لأمريكا فرضا ناقصا كي تنظر بعين العطف للسودان ولكن أمريكا صعرت خدها ولوت فمها وقالت لا , ثم لا , وبيني وبينكم كيف تقنع أمريكا من بضاعة مجانية فاتورتها كبسة زر على الريموت كنترول اللهم إلا تكون امريكا قد قنعت من السيطرة على العالم وهذا مستحيل طبعا.
(2)
بعثة الأمم المتحدة السياسية للسودان بموجب القرار 2524 وخروج اليونميد بموجب القرار 2525 هي قضية الساعة وقد تناولها السياسيون والمحللون بين مؤيد ورافض من كافة الزوايا وفي الهواء الطلق ولعل هذا من نعم الديمقراطية علينا فطالما ان السودانيين يتناقشون بكل حرية والعالم حولهم يرصد حوارهم فسوف يعمل هذا العالم لهم ألف حساب، فالشعوب المقهورة داخليا هي التي لديها القابلية كي تقهر من قبل الآخرين . نود هنا ان نتناول قضية الساعة بالتحليل من زاوية العلاقة مع أمريكا ففي تقديري ان هناك ربطا بين فشل السودان في الخروج من القائمة الأمريكية اللعينة واستدعاء البعثة الأممية فطالما ان الحكومة فشلت في الخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب الامريكية الصنع كان لابد لها من الاتجاه لقوى دولية أخرى ولحسن الحظ كان الطريق ممهدا أمامها للاتجاه غربا تحديدا نحو الاتحاد الاوربي لان هذا الاتحاد رحب ودعم التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر الشعبية فالحكومة السابقة كانت قد اتجهت شرقا وكلنا نذكر كيف توسل الرئيس السابق لبوتين كي يتولى الدفاع عن السودان ولكن الأيام لم تسعفه كي يرى نتيجة ذلك التوسل . مغالبة أمريكا بالاستعانة بالاوروبيين الغربيين فرص نجاحه أوسع من
الاستعانة بالشرق لما للغربيين من رابطة مع الأمريكيين او قل (شفاعة) ولكن الغربيين غير الشرقيين، فالشرقيون اذا ما دعموك لا يبغون إلا مصالحهم وعلى طريقة (امسك لي واقطع ليك ) بينما الغربيون لابد من ان يتدخلوا في تفاصيل حياتك الخاصة وهذا إرث استعماري قديم قد نناقشه في فرصة أخرى.
(3)
كتب رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك خطابا لأمين عام الأمم المتحدة بتاريخ 27 يناير 2020 يطلب فيه إرسال بعثة اممية سياسية للسودان لمساعدته في عمليات الانتقال التي تمر بها البلاد هذا الخطاب قد تعرض لنقد عنيف حتى من قبل حلفاء الحكومة ووصل مرحلة التشكيك في النوايا باعتبار أن الخطاب لم تطلع عليه
الحكومة ولا مكوناتها ولكن باي حال من الأحوال لا يمكن اعتبار الخطاب سريا إذ كيف يكون سريا وقد مر على وزارة الخارجية وبعثة السودان بالأمم المتحدة، وحمدوك يعلم جيدا ان مجلس الأمن سوف يناقشه علنا ,عليه يمكننا القول انه خطاب غير معلن ولكن يبقى السؤال لماذا لم يعلن حمدوك هذا الخطاب قبل إرساله لمجلس الأمن ؟ ولماذا لم تسبق هذا الخطاب جلسات مشاورات ودراسة ولجان والذي منه ؟ الاجابة تكمن في السؤال إذا عرض هذا الخطاب على المؤسسات المناط بها مناقشته أو كونت له لجان او أدير نقاش علني حوله هل يمكن الوصول الى إجماع حوله وفي ظل الاستقطاب الحاصل الآن ؟ من المؤكد لا وألف لا .
لذلك أصبح المتاح ان يعرض بتلك الطريقة أي وضع الناس امام الأمر الواقع وهذا ضرب من ضروب السياسة (اذا عزمت فتوكل) وللنميري مقولة في هذا الشأن فحواها اذا أردت ان تقتل أمراً وترمي به في المزبلة كون له لجنة.
(4)
كان أعلاه تناول لخطاب حمدوك للأمم المتحدة في يناير من ناحية إجرائية اما من ناحية موضوعية فقد تعرض الخطاب ايضا لوابل من الانتقادات والملاحظات لا بل موجة من الرفض اذ أعطى الخطاب صلاحيات واسعة للبعثة تسمح لها بالتدخل في أدق تفاصيل الأوضاع في البلاد وطلب ان يكون أمدها لعشر سنوات وساوى الخطاب بين مناطق النزاع وغيرها . المهم في الأمر ان الحكومة بمجلسيها تولت أمر مخاطبة الامم المتحدة ولم ترفض خطاب حمدوك رفضاً مطلقا بل أبقت على الفكرة وغيرت في المحتويات وكتبت خطابا آخر للأمم المتحدة بتاريخ 27 فبراير
2020 أبقت فيه صراحة على طلب استقدام البعثة ولكن بشروط مختلفة وفيما بعد تم إلغاء خطاب حمدوك واعتماد خطاب الحكومة (مجتمعة ) فكان القرار 2524 .
جاء في الأخبار ان حمدوك كان قد انخرط في مشاورات مع السفراء الاوروبيين في الخرطوم قبل إرسال خطابه الأول ثم تأكد لنا اهتمام الاوروبيين بالأمر في مناقشات مجلس الأمن لرسالة السودان وقد أبلت بعثة السودان الدائمة في الأمم المتحدة بلاء حسنا في التوصل لمسودة القرار الذي جعل البعثة سياسية صرفة خالية من أي بوت أو كاب عسكري اي بموجب الفصل السادس وفصل بينها وبين بعثة اليوناميد الموجودة بموجب الفصل السابع فصلا تاما وقد اتخذ القرار بإجماع تام من مجلس الأمن ورضاء كامل من بعثة السودان التي وقفت على الصياغة ولم تترك ثغرة لأي تأويل.
(5 )
منذ أن طبقت العقوبات الامريكية على السودان في نهاية القرن الماضي انقطعت الأموال الاممية والغربية عن السودان اللهم إلا المساعدات الانسانية وهذه (حمدها في بطنها ) كما هو معلوم وكانت أكبر كتلة أموال اممية تخرج باسم السودان هي التي كانت لليوناميد اذ تبلغ مليارا ونصف سنويا وبدأ هذا في عام 2007 وسوف يستمر الى نهاية هذا العام ولكن للأسف 80 % من هذا المبلغ يذهب للمصاريف الإدارية لان قوام البعثة 26 الف جندي غير الضباط والإداريين المدنيين وهذا يعني ان هذه الأموال تدخل ثم تخرج بنفس الدرب فالمتوقع الآن لا بل الطبيعي ان تكون الأموال القادمة مع البعثة الأممية أكبر بكثير من تلك التي كانت تأتي لليوناميد لان البعثة السياسية مختصة بكل السودان بينما اليوناميد مختصة بجزء من السودان كما ان القائمين على أمر البعثة لا يمكن مقارنتهم بجيش اليوناميد من حيث العدد وبما أن أموال وأعمال الامم المتحدة لن تخضع للعقوبات الأمريكية ولا للمراقبة الامريكية فالواضح ان السودان أراد ان يطير جوز اي يستقدم أموالا أممية مباشرة من الأمم المتحدة وتلك التي تطلبها البعثة من بعض الدول باسم الأمم
المتحدة (المانحين) وينفذ بها من المقاطعة الأمريكية، فالدور والباقي على اللجنة الوطنية التي يجب ان تلعب ضاغطا مع البعثة الأممية كي تتوجه الأموال نحو التنمية وليس المصاريف الإدارية.
( 6)
تعرض أمر البعثة لتجاذب داخلي حاد وتطرفت وجهات النظر حولها بين القبول والرفض وفي تقديري ان هذا أمر صحي لابد من ان يجد الترحيب لانه يدل على حيوية هذا الشعب وإيجابيته وإصراره على المشاركة في أموره السياسية ولا شك عندي ان
متخذ القرار داخل السودان وخارج السودان بما في ذلك مجلس الأمن قد وضع اعتبارا كبيرا للرأي العام السوداني وهذه من أجل نعم الديمقراطية . نعم الخلاف في وجهات النظر له مرجعيات أخرى غير البعثة فهناك من رفض البعثة حتى ولو كانت مبرأة من كل عيب لأنه معارض للحكومة وهناك من رحب بها من قولة تيت حتى ولو أزهقت روح السيادة لانه مؤيد للحكومة ولكن تقديري ان الكتلة الحيوية
والتي تشكل الرأي العام الحقيقي اتخذت وسوف تتخذ مواقفها على حسب الذي تراه أمامها من وقائع فاذا أحسنت البعثة ستقول لها أحسنت واذا أخفقت او ظهر منها خلاف الشيء المعلن سوف ترفع لها الراية الحمراء . وهذه الأصوات المتعارضة ستكون خير داعم للجنة الوطنية المناط بها التباري مع البعثة الأممية لمصلحة هذا الشعب عليه ينبغي الحفاظ على كافة الأصوات المرتفعة وحمايتها شريطة ان تلتزم هذه الأصوات بالسلمية.
(7 )
أها اليوم العلينا دا أصبحت البعثة الأممية أمرا واقعا لا بل وصلت مرحلة تعيين رئيس لها (أبو النسب ) وسيكون الخواجات بعيونهم الخضر موجودين في مطلع العام القادم وقد تم الفصل بينها وبين الفصل السابع بالقرار 2525 والقاضي بخروج اليوناميد في نهاية العام الحالي وعلى حسب وزير الدولة بوزارة الخارجية فانه اذا لم يخرج آخر جندي من اليوناميد فلن يدخل البلاد نفر من اليونيتامس. ومن ناحية أخرى التباين في الموقف منها هو الآخر مازال موجودا وسوف يزداد تفاعلا كلما اقترب موعد وصول البعثة ليس هذا فحسب بل هناك تباين داخل التشكيلة الحاكمة في بعض الجزئيات المتعلقة بمهام البعثة وربما يكون قد تم رتق الموقف الحكومي بتعيين الفريق إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة مظهرا وممثل الجناح العسكري في الحكومة مخبرا رئيسا للجنة الوطنية المناط بها التجسير بين البعثة والحكومة .وفي رواية أخرى ستكون اللجنة الوطنية هي صاحبة المبادرة وسيكون لها فيتو على اليونيتامس على العموم لم تتضح لنا تفاصيل العلاقة بين اللجنة الوطنية والبعثة الأممية حتى لحظة كتابة هذا المقال لكن مجملا بدا لنا أن المناط باللجنة الوطنية الحفاظ على سيادة البلاد من تغول اللجنة الأممية واضعين في الاعتبار أن السيادة على أيامنا هذه قد أصبحت أمرا نسبيا.
وبما أننا وصلنا النهر فيمكننا ان نشمر ونخوضه كي نستشرف السيناريوهات المتوقعة بعد وصول البعثة.
فخليكم معنا إن شاء الله للمقال القادم.
صحيفة السوداني