يتصور الكثيرون أن ما يدور الآن حول مشكلة الدواء والوضع الصحي عموما يرتبط بوزارة الصحة بشكل مباشر في المقام الأول، ودون النظر إليهما بمنظور اقتصادي.. والقرارات الأخيرة التي فرضها وزير الصحة أكرم علي التوم بشأن التعامل مع شركات الأدوية بغرض مكافحة التهريب والمهربين فتحت عليه نافذة العداء من أصحاب المصالح والمستفيدين ومن ترك لهم النظام البائد استيراد الأدوية والتحكم في أسعارها موجهين إليه الاتهامات بأن ليس بإمكانه تنفيذ ما يصدر من قرارات، وأنه ليس لديه خطة استراتيجية لإصلاح الوضع الصحي برمته. بل حدا الأمر بهؤلاء وضع الوزير أمام خيارين إما إقالته أو تقديمه الاستقالة.. ولكن الأمر في باطنه ليس كذلك. فمشكلة الدواء هي نتيجة صراع محموم استمر طويلا في اجتماعات وزير المالية إبراهيم البدوي مع اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير حول تحرير سعر الصرف أي رفع الدعم عن السلع الضرورية بما فيها الدواء نفسه إضافة لذلك فإن وزارة المالية وبنك السودان بعدم توفيرهما النقد الأجنبي بالسعر الرسمي “55 ” جنيها للشركات وهو جوهر الموضوع وبحسب مختصين ..فهذا يعني أن وزارة المالية نأت بنفسها عن السيطرة على موارد السودان والعودة للمربع الأول. هذا غير السياسة التي اتخذتها مؤخرا بإلغائها نسبة 10 % كانت تؤخذ من المصدرين لدعم الدواء وحذروا من أن أزمة الدواء ستكون أخطر مما حدث للدقيق والوقود..
في السياق يقول المدير العام والمستشار المالي لشركة أميفارما للأدوية الهادي ابراهيم إن بنك السودان أعلن بكل وضوح انه لا يستطيع توفير أي عملة حرة للإمدادات الطبية ناهيك عن الصناعة المحلية لأن لديه أولويات أخرى أهم مشيرا لاجتماعات رسمية عُقدت في هذا الصدد ويقول كذلك: وزارة المالية أعلنت عدم التزامها لأنها تعاني من عجز كبير لا يمكنها تحمل أعباء إضافية مثل دعم دواء، مضيفا: والآن المستوردون الذين لم تكن لهم مشكلة في التسعير لا يستطيعون الاستيراد بسبب فشل بنك السودان في توفير الموارد لهم.
مؤكدا في حديثه ل”اليوم التالي” أن المصانع التزمت باستيراد المواد الخام من مواردها الذاتية بدولار إلسوق “135” جنيها حينها. بينما تعهدت الدولة بأن تمنح الدولار للمستوردين بقيمة 55 جنيها، ولكن هذا لم يحدث، مضيفا: المشكلة ستتفاقم في الفترة القادمة لأن معظم التعاقدات مع الشركات الأجنبية أُلغيت بسبب عدم التأكيد وبسبب الجائحة. ولكي تطلب مرة أخرى لابد من برمجتها وهذا يتطلب شهوراً. يقول إبراهيم: أما بالنسبة للأدوية المستوردة فمشكلة شح العملات الحرة لدى بنك السودان وقراراته العشوائية سوف تفاقم أزمتها وتزيد الوضع سوءا.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية للمجلس المركزي للحرية والتغيير كمال كرار إن مشكلة الدواء نتاج للصراع الحالي حول تحرير سعر الصرف والتي ترتبط بوزارة المالية وبنك السودان وسيطرتهما على موارد السودان بالنقد الأجنبي..
لافتا إلى أن ميزانية 2020 التي وضعتها وزارة المالية كان هدفها واضحا في تعويم العملة الوطنية أو ما يسمى بتحرير الصرف.. وهو شرط صندوق النقد الدولي الذي لا يستثني أي سلعة مهما كانت.. يقول كرار: “ففي النهاية التعامل مع أي سلعة وفق هذا الشرط يكون عن طريق السوق الأسود مثل ما يحدث الآن في بيع الوقود الجازولين والبنزين”. وما سيحدث للدواء والسلع الأخرى.. يقول: ولأن وزارة المالية ليست لديها الرغبة في استيراد السلع الضرورية وتوفيرها بأسعار زهيدة خاصة الأدوية المنقذة للحياة ألغت نسبة 10 % من الصادر .. وهي نسبة كانت تؤخذ من المصدرين وتؤول لبنك السودان المركزي بغرض تخصيصها لسلعة الدواء. والآن وزارة المالية تتعذر عن توفير النقد الأجنبي للدواء بحجة عدم توفر المال، وهي ترمي إلى خلق وضع معقد تمرر من خلاله مؤامرة إطلاق يد الشركات وأصحاب المصانع لتسعير الدواء كيفما اتفق بحجة (التحرير). وأضاف كرار في حديثه ل(اليوم التالي): وعلى الرغم من أن وزارة الصحة هي المسؤولة عن تسعير الأدوية إلا أن في باطن الأمر وزارة المالية تريد أن تستولي على التسعير لتخدم مصالح الطبقة المسيطرة على الدواء وتحاول أن تخضع لسياسات صندوق النقد الدولي لكن من الواجب أن تؤدي كل وزارة دورها. وكما لوزارة التجارة الحق في تسعير السلع الضرورية الأخرى وكذلك تسعير النفط من اختصاص وزارة الطاقة والتعدين أيضا يجب أن توفر وزارة المالية السلع الضرورية بالسعر الرسمي من النقد الأجنبي وهو “55” جنيها حتى لا يتأثر الاقتصاد الوطني ولا تتأثر الثورة.. ويضيف: اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير كانت اعترضت على سعر ال55 جنيها للدولار في الموازنة، وطلبت الإبقاء على سعر 18 من أجل تفادي التضخم وازدياد النفقات، لكن وزارة المالية أصرت على موقفها وها هي النتائج.
ويقول كرار إن موافقة وزارة المالية على تعويم سعر الصرف تخدم مصالح الطبقة الطفيلية والرأسمالية الكبيرة ويقصد منها دعم رجال الأعمال والأغنياء. وتأسف أن يسير وزير المالية في هذا الاتجاه.. مضيفا: لأن ذلك يؤثر بشكل كبير على المواطنين ويحملهم أعباء الاستيراد والتصخم وعجز الموازنة.. وحذر من خطورة القضية بقوله “إن الدواء خط أحمر” لذلك إذا كان وزير المالية لا يستطيع توفير الدواء فليذهب ليأتي وزير آخر يشبه الثورة.
وبالعودة لإبراهيم يقول إن وزير الصحة اتخذ قرارا بأنه سيوفر 10 ملايين دولار في الشهر للأدوية وسيخفض الضرائب وسيلغي الزكاة وسيؤجل سداد القروض من البنوك. إلا هذه الوعود تصطدم مع حقيقة الوضع الاقتصادي الحالي، وعدم استجابة وزير المالية لهذه الحلول.. وأضاف وبما أن الصناعة المحلية مستهدفة من أصحاب المصالح في الدولة ولأن تدمير صناعة الأدوية فيه مخاطرة على حياة الناس ويمكن أن يصبح سببا في تقويض الفترة الانتقالية – يضيف إبراهيم – سنعمل على مواصلة الإنتاج مهما كانت الخسارة والظروف الاقتصادية وحتى لا تكون الأزمة أخطر من أزمة الدقيق والمحروقات..
وأكد رئيس حماية المستهلك ياسر ميرغني في تصريح له نشره على وسائط التواصل الاجتماعي أن الدواء المستورد كان سعر دولاره الرسمى 47 جنيها ولكن عندما غير بنك السودان سعر الصرف الى 55.20 جنيه رفض المستوردون بيع الأدوية إلا بعد تغيير سعر الصرف إلى السعر الجديد وقد كان وأيضا رفض معظمهم توزيع الأدوية حتى الآن فى انتظار تحرير سعر الصرف أو تحريكه إلى 70 جنيها حسب وعد وزير المالية.. ومعظم الذين استلموا دولار البنك ب”47″ لسلعة الدواء وضعوه الآن إما في مخازن الشركات أو فى انتظار تحليل التشغيلة الأولى فى المعمل واستلمت شركات الاستيراد الدولار بسعر رسمي 47 جنيها.
بينما كان سعر الصناعة الوطنية ” 23″ جنيها للدولار منذ العام 2018 وعندما طلب وزير الصحة إزالة التشوهات فى التسعيرة وفعل الأمين العام ما طُلِب منه وعدل سعر الدولار الى 55.20 جنيه كان من الطبيعي ان ترتفع اسعار الادوية المصنعة محليا الى 100 الى 200 % لكن تم تصويرها للمستهلك وكأنها تعجيزية ولفت للدواء الذي زاد سعره رغم أنه صنع فى السودان وبينما الدواء المستورد تم تغيير سعره من 812 الى 973 جنيها للمستهلك مما يعني ان المستهلك سيدفع 161 جنيها والدواء المصنع محلياً تمت زيادة سعره من 2 جنيه إلى 9 بمعنى ان المستهلك سيدفع 7 جنيهات وعلى ذلك قس.
اكثر من 70% من قائمة الصناعة الوطنية المرفوضة الزيادة فى سعرها اقل من 100 جنيها ما عدا بعض الأدوية النادرة زادت لخصوصية استخدامها مثل مضادات الفيروسات التى ينتجها أحد المصانع السودانية.. وتساءل: لماذا لا تعطى الصناعة الوطنية الأسعار المنطقية والمعقولة بدلاً من محاولة شيطنتها بعبارات ثورية غير لائقة هذه العبارات لا تليق بمن يجتهد في أن يرفع من سمعة بلادنا وريادتها عالمياً يقول: على كياناتنا الوطنية وقياداتها توزيع البرنامج الإسعافي والسياسات البديلة لحكومة الفترة الانتقالية حتى نتحدث جميعاً لغة واحدة بدلا عن لغة الكراهية والتشكيك والمزايدة وعلى الجميع معرفة أن أسعار الأدوية هي من سلطات المجلس القومي للأدوية والسموم حسب نص المادة 6(1) و المادة 6 (2) من قانون الأدوية والسموم لسنة 2009.
الخرطوم : امتنان الرضي
صحيفة ( اليوم التالي)