في الاونة الاخيرة سرت موجة من الصراحة في الساحة الاسفيرية ..وصرنا كل يوم نستمتع بسرد احد الاصدقاء وذكرياته التي كان ينوي تدوينها في مذكراته بعد عمر طويل ومديد ..لكن يبدو ان الكورونا قد امتد تأثيرها على النفساويات لدرجة ان ضاقت الصدور بالاسرار الشخصية فكانت الاعترافات الاسفيرية ..تماشيا مع هذه الموجة وبما ان زمن الغتغتة والدسديس انتهى فانني اود ان احكي عن قصة حصلت لي (حكاها لي زول) ..
عندما كنت في الطلائع والرواد ودفعتي بالمناسبة الفنان عصام محمد نور والعازف الشهير زرياب برعي محمد دفع الله ..هذه ليست فقط على غرار ( انا والكاشف اخوي) انما وددت التنويه الى زمالة النجوم وكدا ..المهم انه كنا في المعسكر القومي وهو عبارة عن تدريب رياضي وثقافي يجتمع فيه طلائع السودان جميعهم ..يأتون من كردفان ودارفور وكسلا وبورتسودان ومدني وعطبرة والخرطوم . ..
في احدى الأيام خلال فترة المواهب ..اعتلت المنصة فتاة دقيقة الحجم حسنة الصوت وغنت بصوت مرح (مونولوج) كانت كلماته كالتالي (مالو بس ؟..مالو بس؟ ..لو غيرو الروتين ..وجابوا لينا ضلع بالشوكة والسكين؟؟) ..ضج المعسكر بالضحك ..وتجاوب الجميع معها بالتصفيق والتأييد للمطالب المشروعة ..وبعد انتهاء الفقرة علا المسرح استاذ احمد حاج علي (متعه الله بالصحة و العافية) ..فهدأت الضجة تلقائيا فقد كانت له شخصية مهيبة تفرض احترامها بمجرد الظهور ..جال ببصره يمنة ويسارا ..ومن ثم قال (والله كان ممكن ننظر في الطلبات دي ..لو كان دا مشروع تسمين ما معسكر تأهيل) ..وصمت قليلا واردف ساخرا (وبعدين عليكم الله في ضلع بياكلوه بالشوكة والسكين ؟) ..فضجت الضحكات مرة اخرى.
تذكرت الاغنية ولم اتذكر الفتاة للاسف ..وقفز الى ذهني السؤال المشروع الذي ابتدرته بعبارة (مالو بس؟) ..وذلك حين قرأت تعليق احد اصدقاء الأسافير على استراحة الجمعة الفائته المتعلقة بفرحتي بزيادة الراتب سألني (ليه بقية الوزراء ما يعملوا زي البدوي يبتكروا الحلول ويدخلوا الفرحة على قلوب المواطنين؟) ..صحيح ليه لا؟ ..او كما قالت زميلة (الكاب ) (مالو بس ؟) ..
مالو بس لو خرج علينا وزير البني التحتية وقال انه عقد اتفاقا مع البنوك لتمويل مساكن للشباب بأسعار مخفضة وفي متناول اليد (احيانا كلمة مخفضة لا تعنى بالضرورة اننا قادرين عليها ) ..مالو بس لو ساعدت الوزراة الشباب في امتلاك المنازل في وطن تترامى فيه الأراضي الخالية حد البصر؟
مالو بس لو خرج علينا وزير الثروة الحيوانية وصرح بانه وجد حلا لغلاء اللحوم في بلد تتوالد فيه الخراف مرتين في العام .. تتضاعف عددا وتضيق بها المراعى ..فلم يجدوا حلا للتكدس الا تصدير الأناث وتحريم ذبحها في الداخل فتأمل ..مالو بس لو سمحت الدولة بذبح نسبة مقدرة من الاناث لتخفيف الضغط على المراعى وتخفيض سعر اللحوم بزيادة المعروض في السوق المحلي ؟ مالو بس ؟
مالو بس لو طبقت مجانية التعليم ..وصار في مقدور كل طفل الذهاب الى المدرسة دون خوف من الارجاع بسبب الرسوم؟ ..مالو بس لو شملت مظلة التأمين الصحي كل افراد الشعب حتى القطاعات الفقيرة وصار العلاج في متناول الجميع ..مالو بس ؟؟
مالو بس لو قرر كل مسؤول في مؤسسة ما التفكير في حلول جذرية للمشاكل التي تعترض اداء وزارته بدلا عن انتظار المشاكل ومن ثم يبدا بعد ذلك التفكير في الحل ؟ مالو بس ؟
عودا على بدء ..سلام من الله يغشاك استاذي (احمد حاج علي) ..صدقت فالمعسكر لم يكن مشروع تسمين ..كان بالفعل للتدريب والتاهيل ..لكن برضو كان تجيبوا لينا (الضلع) وما تشيل هم الشوكة والسكين.. كنا (بنجازفهم برانا).
صحيفة الجريدة