عن (العسكريين المسيسين) أتحدث وليس (الجيش).
تفكير (العسكريين) في الانقلاب لم يتوقف منذ نجاح الثورة، يزيدون تذمر الشارع وسخطه على قوى إعلان الحرية والتغيير، وعلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، يعطلون أجهزة الإلزام والعقاب في الدولة لإفقاد الحكومة هيبتها.
يظهرون الحرية والتغيير وحكومة رئيس الوزراء على انهم أعداء، برغم أن الثورة خططتها وادارتها الحرية والتغيير، وهي التي تعلم أن الشارع هو صاحب السيادة والقول الفصل اولا واخيرا.
العسكريون يفعلون ذلك وهم شركاء في كل شيء، ليقبل بهم الشارع، بل ويسهمون بشكل أو باخر في تمديد شائعات الخلافات وسوء الادارة وهم بذلك يتساوون مع الفلول، متناسين سوء 30 عاما قُطَعت فيها بلادنا من خلاف، كانوا صامتين فيها صمت القبور.
(من لم يكن أمينا على الضيوف في حرم “القلعة المشيد سورها، لن يكون امينا على اي حدود). هذا ما كان من وحي 30 يونيو (صحيفة الجريدة)، كما أشار الزميل الاستاذ عمرو شعبان. ولعل هذا الحال يؤكد ما سبق وذهبنا إليه من نيَة مبيتة من العسكر الذين يُطلق عليهم شركاء في التغيير وهم ليسوا بشركاء.
كل الدلائل تشير إلى لُجَة عميقة يريد هؤلاء العسكر إلقاء ما تبقى من وطن في قاعها، عسى ان يرضي غروروهم في إحكام سيطرتهم على الدولة، إرضاءا لحاضنتهم السياسية وتمكينا لنظامهم السابق مرة أخرى.
كنا ولا زلنا نعشم بشدة في منح حكومة حمدوك ثقتها التامة للشعب الذي انتظرها طويلا، لتكشف له عن حقيقة العلاقة بينها وبين العسكر في الشراكة المسمومة التي أضحت خنجرا يصعب إخراجه من خاصرة الثورة والشعب على السواء، الشعب لا يرغب في شيء أكثر من الشفافية المطلوبة في مثل هذه الزيجات التي لن تنجب سوى أطفالا سياميين في افضل الحالات، إن لم يكونوا مكتملي النمو.
ما الذي يدعو رئيس مجلس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك وقوى إعلان الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومته إلى إعتناق رزيلة الصمت في أصعب وأحلك الاوقات؟
وما الذي يخفيه الشقَ المدني عن شعبه من تراخي وتهاون وضرب بطئ للثورة من قبل الشقَ العسكري؟
ما يحدث اليوم وغدا (إن لم يجد في الأمر جديد) سيدفع ثمنه الشعب غاليا، وسيفتح الباب واسعا لأعداء الثورة، خاصة من سدنة النظام البائد، والأحزاب اللاهثة للسلطة ولو ببيع شرفها السياسي.
أطلقوا عليها شراكة نعم، ولكنها في حقيقة الأمر (شرك) تم نصبه بدقة وعناية، وسقط فيه الأبرياء، وهنا تحضرني كلمات الماجد بعيد النظر، مهدي رابح برير قبل عام من الآن، عندما تبلغ السوريالية مداها:
الرصاص يحصد العزَل ونحتسب الشهداء كل يوم تقريباَ. وهو ما نخشاه غدا.
وتيرة الاعتقالات ترتفع رويدا رويدا.
موسم زراعي على حافة الفشل.
المجتمع الدولي يفرض مزيدا من العزلة على السودان.
لصوص يكرمون بزعم انهم زعماء عشائر (إدارات أهلية).
الأوغاد ما زالوا يسيطرون على مفاصل الدولة وفي المؤسسات الحساسة، بما فيها الصحافة والاعلام.
جلادو الأمس وزعماء التكفير والفتاوى القاتلة، يعلوا صوتهم ويتباكون على اقصائهم.
وفي الخلفية العريضة المهللون الدائمون يستعدون لتنصيب الديكتاتور الجديد بلعق حذائه المغبر حتى يلتمع.
عرفتم لماذا يجب أن تكون مدنية كاملة الدسم وانه لا سبيل للرجوع من منتصف الطريق ؟
صحيفة الجريدة