القيادة في القوات المسلحة بحرٌ لا ساحل له سواءً من زواية التنظير والأدبيات في أضابير الكتب ومن منظور عملي تجارب وإرث وتقاليد وشخصوص وأول ما يغرس فيك وأنت في عتبات العسكرية الأولى كيف تصير قائداً جنباً إلى جنب في صناعتك كضابط..
ولا أزال أذكر جداً كتاب (فن القيادة) الذي وقعت عليه عيناي ونحن في دوراتنا الحتمية الأُول بالقوات المسلحة وما هي صفات القائد وكيف تخلق المواقف القائد.. لا يصنع منك (حفظ) ذلك الكتاب عن ظهر الغيب قائداً لا يشق لك غبار ولو أحرزت في مادة القيادة وفنها العلامة الكاملة فالصفات الشخصية التي تفد بها لمهنة العسكرية لها أثر أيضاً في تكوين القائد ولعل هذا ما أثار جدلية السؤال الشهير ما إذا كان القائد يولد أم يُصنع؟؟
خلال مسيرتنا في القوات المسلحة ولفترة تجاوزت ثلاث عقود مررنا بعدد كبير جداً من القيادات وفي مختلف مستويات القيادة ولكن ظلت في ذاكرتنا شخصيات ومواقف قيادية محددة تقول وتؤكد بأن سلوك القائد وقراراته تجمع ما بين الصفات الشخصية التي ذكرت وبين العلم العسكري المكتسب..
لا تزال هناك أسماء (رنّانة) حتى في عقل السودانيين الجمعي تجاه شخصيات عسكرية فرضت نفسها من خلال مواقف معلومة.. في فن التعاطي مع المشكلات وحلها وان استعصت الحلول هناك نوعان من القيادات أولهما ذلك القائد (البيروقراطي) الذي يعمد إلى الركون لروتين العمل اليومي والبيروقراطية التي تقول بإخطار القيادات الأعلى بالمشكلة لتنتهي آخر مرحلة (الإبداعية) لايجاد الحل توقيعه للخطاب المرسل لقيادته الأعلى.. ولو لم تستجب القيادة للمشكلة أو قد لا ترى أنها أولوية ضمن عديد مشكلات التشكيلات والوحدات بكل الجيش أو لم ترد أصلاً فسيظل ذلك القائد رهين (أنا بلغت) ولم يتم الرد..
النوع الثاني يعمل بهذه البيروقراطية ثم يعمد إلى عصاه فيحملها ويتحرك من موقعه صوب القيادة العامة ليلتقي بمن بيده إيجاد الحل ويمتلك ميزة اتخاذ القرار حاملاً معه نسخة من البيروقراطية في حقيبته.. وهذا في دارجيتنا (قائد بشيل عصايتو يمشي القيادة يجيب معاه الحل)
تصر دويلة الشر ومرتزقتها وعملاءها في المليشيا وملاقيطها على إفساد فرحة السودانيين بالانتصارات لتحوّل نورهم ظلاماً وفرحهم تعاسةً وعودتهم مستحيلةً فلا يهنأوا بما تحقّق من نصر عبر استهداف مرافق الخدمات بالمسيّرات الاستراتيجية..
هذه المسيّرات تخدم كذلك قضية استمرار المليشيا في المشهد ويخدم لها أي قضية تفاوضية (قد) تحدث أو قد تدفع تجاهها قيادة الدولة بسبب الضغط على المواطن الذي (سيضيق ذرعاً) بالبيئة غير المهيأة للعودة وممارسة حياته الطبيعية..
السودانيون صبروا وصابروا وصمدوا وصنددوا مع القوات المسلحة وتحملّوا فوق طاقتهم ولم يعد في مقدورهم الصبر أكثر من ذلك والمليشيا تختبر الآن هذا الصبر .. هذه مشكلة تحتاج حلاً عاجلاً قد لا تتمكن الدولة حالياً من تأمينه ولكن (هذه مشكلتها) التي لا بد أن تضعها نصب أعينها وعلى رأس قيادة الدولة بالطبع الفريق أول عبد الفتاح البرهان..
عليه أن (يحمل عصاه) اليوم ويغادر الخرطوم ولا يعود لها إلا بالحل بغض النظر عن الوجهة التي سيقصدها.. السيد رئيس مجلس السيادة (عصاك) في كفةِ ومسيّرات المليشيا في كفةِ ونحن على ثقة بأن عصاك (راجحة).
اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام