قبل أن نبداء بتحليل خطاب قائد المليشيا بالأمس دعوني أولاً ان أوضح لكم بعض جوانب العمل المخابراتي او فلنقل قواعد العمل الأمني ، ففي بعض الأحيان تحتاح الأجهزة الأمنية لإستخدام بعض عملاءها في عمليات غير أخلاقية او غير قانونية فتقوم بتحذير عميلها بانه في حال فشل العملية أو إنكشاف أمره لدى المباحث او الشرطة فأنهم سيتخلون عنه فوراً
، و في ذاكرتي قصة أحد الأشخاص الذين اوهمته إحدى إجهزة امن النظام السابق و استخدموه في إحدى عملياتهم فوقع في ايدي رجال المباحث متلبساً و عند التحري معه افاد بانه يعمل لصالح جهاز الأمن و اخبرهم باسم الضابط و رتبته و بموقع المكتب الذي كان يتلقى منه التعليمات و كان صادقاً جدا و عندما ذهبوا معه للموقع المذكور لم يجد شيئاً فقد كان المكان خالياً من كل شئ و كانت جميع الأسماء التي ذكرها هي أسماء حركية لا وجود لها
و هذا ما حدث لقائد المليشيا بالزبط فالمجتمع الدولي و أجهزته المخابراتية لا تحمي المغفلين و الفاشلين ، فقد فشل حميدتي في هزيمة الجيش السوداني و الإستيلاء على السلطة و كان لابد من أن تتخلى عنه الدول و مخابراتها التي دعمته و حرضته فهاهو الآن يصرخ و يهاجم و يلوم داعميه متناسياً القاعدة الاساسية ( لا تفشل حتى لا نتركك لوحدك ) .
لا زلت أوكد بان حميدتي حي يرزق فلغة جسده تؤكد ذلك و خاصة حركة الرأس و اليدين و كذلك إسلوبه في الحديث ، كل ما في الأمر هو ان الرجل من شدة حرصه على إخفاء مكانه لم يستعين بخبرات في التصوير و الإخراج و قاموا بتسجيل الخطاب بكاميرا آيفون و ارسلوا المحتوى عبر الوسائط فجاءت عملية المونتاج و الإخراج سيئة جداً و فقد التصوير جودته حين تم ارساله عبر الوسائط لعملية المونتاج و الاخراج و تحديداً عبر الواتس اب و ليس تلجرام خوفاً من الرصد و التتبع و هذا يدل على أن الرجل يخفي نفسه بعيداً عن الجميع و خصوصاً الدول التي دعمته .
إتهام حميدتي للشقيقة مصر بتدخلها و ضربها للمليشيا بالطيران هي محاولة يائسة لتبرير الهزيمة النكراء فقد قالها لهم البرهان منذ بدايات المعركة بان القوات المسلحة اذا استخدمت قوتها ( المميتة ) ستبيدهم تماماً و هذا جزء قليل من القوة المميتة .
حاول حميدتي بخطابه العاطفي ان يمثل دور الضحية حينما قال ( ننقلب على الجيش لشنو ؟ و عشان شنو ؟ إحنا انقلبو علينا ) و نسي حميدتي بانه في الساعات الأولى لانقلابه ذكر بانهم بصدد القبض على البرهان حياً او ميتاً ، و ايضاً في محاولاته البائسة ذكر بان عبد الرحيم كان يرتدي ( الجلابية ) عندما هجموا عليه القناصة ، ساعياً لإقناعنا بان شقيقه الذي هدد قادة الجيش السوداني و ارسل قواته لمحاصرة مطار مروي كان يرتدي لحظتها ( جلابية ) .
كذلك حاول أن يبرئ قواته من عمليات السرقة و الإنتهاكات و فتح السجون و تهريب النزلاء و ذكر بانهم بريئين من ( الشفشفة ) التي حدثت و بعيداً عن ان شفشفتهم قد وثقت لها المليشيا بنفسها فهل يعقل بان قواته التي تصدت للجيش السوداني عجزت عن التصدي للشفشافة ؟ و هل قواته التي حاصرت القواعد العسكرية لأشهر و اسابيع عجزت عن محاصرة نزلاء السجون ؟؟
هاجم حميدتي الامريكان و المجتمع الدولي و ذكر بانه قد حذرهم بان الاتفاق الإطاري سيجلب المشاكل و يدمر البلد ، و نسي بانه في إحدى مزارع الريف الشمالي لبحري عدد محاسن الإطاري و تغزل فيه .
اخطر ما في خطاب حميدتي بالامس هو هجومه على الفريق ابراهيم جابر و وصفه بالعدو اللدود ، هذا الهجوم الغريب يجب ان تدرسه اجهزة الاستخبارات السودانية جيداً لانه هجوم مشكوك في حقيقته و بعض الظن إثم .
قد يرى بعض المحللين بان خطاب حميدتي الاخير هو بداية لحرب اعنف من سابقتها ، و ما أراه أنا بان هذا الخطاب قد يكون الخطاب الأخير ، بل هو خطاب الوداع و الشكر لقواته ، خطاب تبرير الهزائم ، خطاب الإستعداد للإستسلام او الهروب ، فلا يعقل أن يتحدث الرجل لقواته عن ان هناك سبعة دول تدعم الجيش السوداني و أن هناك طيران اجنبي حديث يشارك بقنابل زنة ٢٥٠ امريكية يشارك مع الجيش و أنه لا يملك إمداداً و ذخيرتهم تكاد ان تنفذ فهل بعد كل هذا ستستجيب قواته لنداءه ؟؟ من الذي سيدفع بنفسه للمحرقة التي ذكرها ؟
من الواضح بان خطاب المتمرد الهارب لم يكن بقلم مستشارين سياسيين او حتى عسكريين برتبة وكيل عريف ، بل هو شبيه تماماً بخطابات اللايفاتية و تكاد نكهة اللايفبوي عبد المنعم الربيع تسيطر على الخطاب و من المضحك ان حميدتي قال ( ما حصل قلت لي زول بلغ ) و هذه لغة اللايفاتية و شبيهة لـــ( ما حصل قلت لي زول اعمل شير ) .
من خلال رسائل حميدتي لقواته التي حذرهم فيها من عدم اهدار الذخيرة و عدم التصوير و عدم قتل الأسرى بان الرجل قد فقد قنوات التواصل مع قواته على الميدان فقرر ان يرسل تحذيراته عبر الوسائط او أن قياداته الميدانية قد هلكوا تماماً او هربوا من الميدان .
و يبدوا ايضاً ان حميدتي قد هجم عليه داء السكري بشراسة و هذا يفسر ظاهرة فقدانه للوزن بصورة ملحوظة في بداية المعركة و يظهر ايضاً من الجفاف الحاد على شفاهه و شربه الكثير للماء اثناء حديثه .
حاول حميدتي في خطابه ان يمارس حرباً نفسية تجاه الشعب السوداني و تهديداً للمجتمع الدولي و الإقليمي حينما قال ( الحرب ما معروف تنتهي متين و انهم ح يوصلوا لمليون جندي ) و الهدف من محاولته البائسة هو تخويف المجتمع الدولي حتى يضغطو الجيش السوداني ليجلس للتفاوض ، لكن سنقول لحميدتي و لكل اعوانه داخلياً و خارجياً (too late)
نزار العقيلي