مع إكمال الحرب شهرها العاشر، تظهر بشكل يومي المزيد من التداعيات السلبية والكارثية في مختلف المجالات.
ويعاني القطاع المصرفي على وجه الخصوص من الكثير من المصاعب في ظل تقلص شبكة تغطيته إلى مناطق محدودة من البلاد، تراجع النشاط الاقتصادي، توقف المؤسسات الحكومية والخاصة عن دفع مرتبات العاملين، الخ… كل ذلك أثر على أنشطة القطاع المصرفي الذي انحصرت أنشطته بصورة أساسية في التحويلات المالية عبر التطبيقات المصرفية. وحتى في هذا الجانب، تتفاوت حصة المصارف ما بين هيمنة شبه كاملة لتطبيق بنكك الخاص ببنك الخرطوم، وحصة محدودة لتطبيق فوري الخاص ببنك فيصل الإسلامي.
ومن الواضح أن غالبية المصارف أضحت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء، وبالمقابل توقف الكثير من العملاء وخصوصا في مجال الأعمال عن دفع التزاماتهم التعاقدية. في هذا الإطار، حصل راديو دبنقا على فتوى صادرة عن الهيئة العليا للرقابة الشرعية على المصارف والمؤسسات المالية تحمل الرقم 1/2024 وبتاريخ 14 فبراير 2024 بشأن التعامل مع الودائع الاستثمارية في الظروف القاهرة.
صدرت هذه الفتوى بناء على طلب مقدم من مدير البنك السوداني الفرنسي بتاريخ 13 نوفمبر 2023 عبر محافظ بنك السودان باستفتاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية عن مدى شرعية السماح لأصحاب الودائع الاستثمارية بسحب ودائعهم وعن الكيفية التي ينبغي علهم اتباعها في التعامل مع هذه الودائع في ظل ظروف الحرب.
وحسب وثيقة الفتوى فإن البنك السوداني الفرنسي أورد حيثيات محددة بشأن هذا الطلب. أولها أن القطاع الخاص من شركات وبنوك ومصانع ومشروعات صغيرة ومتوسطة تأثرت بظروف الحرب وهي ممولة من البنك الذي تعثرت محفظته التمويلية في ولاية الخرطوم وجزء من محفظة الولايات الأخرى. ثانيا، تعتمد البنوك في جزء من مواردها ومصادرها التمويلية على الودائع الاستثمارية والادخارية وتحول ظروف الحرب دون استيفاء الأموال من الممولين. ثالثا، تقدم عدد من المودعين بطلبات لاسترداد ودائعهم دون الأخذ في الاعتبار تأثيرات الأحداث. على هذا الأساس طلب البنك السوداني الفرنسي استفتاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية في كيفية التعاطي مع هذا الوضع وفق الضوابط الشرعية.
وقبل إصدار الفتوى، طلبت الهيئة العليا للرقابة الشرعية على المصارف والمؤسسات المالية إعداد 3 مذكرات علمية بواسطة أعضاء الهيئة وباحثين. وفي غياب أي موجهات من البنك المركزي في هذا الخصوص، راجعت الهيئة رأي المراقب الشرعي لبنك فيصل الإسلامي بشأن توزيع أرباح الودائع الاستثمارية لأصحابها بتاريخ 7 يناير 2024، كما استمعت إلى رأي رئيس اتحاد المصارف السوداني، عباس عبدالله عباس.
وبعد التداول، اعتبرت الهيئة أن الظروف الحالية قاهرة واستثنائية وأن المصارف تعرضت لمخاطر جسيمة كنتيجة للحرب وفقدت جزءا كبيرا من أصولها الثابتة والمنقولة. ونوهت إلى أن المصارف تقبل الودائع الاستثمارية على سبيل المضاربة (مطلقة ومقيدة) وبالتالي يتحمل أصحابها المخاطر وأن تحميل الخسائر المترتبة على الحرب لميزانية العام 2023 منفردة سيؤثر على مواقف المصارف المالية وعلى عملائها. وأشارت الهيئة إلى أن الظروف القاهرة لا تؤثر على التزام العميل وإنما في كيفية الإيفاء بهذا الالتزام وأن القاعدة أن لا ربح في المضاربة ما لم يسلم رأس المال وفي نفس الوقت تحتاج المصارف لكسب ثقة أصحاب الودائع الاستثمارية لضمان استمرار العلاقة بين المصرفين.
وعلى ضوء ذلك، أصدرت الهيئة العليا للرقابة الشرعية على المصارف والمؤسسات المالية فتوى من ثلاث نقاط:
1- إذا ثبت هلاك جميع محفظة التمويل وخسارة جميع الأموال المستثمرة، فإنه لا يجوز لأصحاب الودائع الاستثمارية (أرباب المال المطالبة بسحبها لأن المصرف (المضارب) لا يضمن أصل الوديعة الاستثمارية رأس مال المضاربة ولا أرباحها، ويمكن للمصارف استخدام احتياطي مخاطر الاستثمار لتعويض خسارة الودائع الاستثمارية. وفي حالة الهلاك الجزئي لمحفظة التمويل وخسارة جزء من الأموال المستثمرة يجوز لأصحاب الودائع الاستثمارية سحب ودائعهم بقدر متبقي الوديعة.
2- يجوز للمصارف توزيع الأرباح على الأقساط التي تم سدادها فعلياً، ويجوز دعم الأرباح بالطرق المشروعة من احتياطي معدل الأرباح وغيره. وإذا تم السداد مستقبلاً لبقية الأقساط المستحقة في الذمة وتحققت أرباح يتم توزيعها حينئذ لأصحاب الودائع الاستثمارية.
3- درءاً للمضار التي تترتب على تحميل كل خسائر المصرف لسنة مالية واحدة لا مانع من جدولة الخسائر على سنوات قد تمكن المصرف من تحسين الموقف الربحي.